من يكسب معركة ”شيخ مدينة تونس"؟

25 مايو 2018
تقاسمت النهضة والنداء معظم البلديات (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يتابع التونسيون في شهر رمضان الحالي مسلسلاً بعنوان "جنون القايلة"، أي "جنيّو القيلولة". وهو عبارة عن سفر عبر الزمن لمجموعة أطفال بين حقبات تاريخية لمدينة تونس العتيقة، محمّل برموز وإشارات بالغة لتاريخ المدينة وأهمية المحافظة عليها. في الوقت نفسه تعيش المدينة وفي وضح النهار مسلسلاً واقعياً حول إدارة العاصمة، تدور رحاه بين الأحزاب السياسية قد يغيّر قيادة المدينة التي لطالما كانت بيد ما يسمى "البلْديّة"، أي أصيلي العاصمة وأعيانها.


وتعقّد الوضع السياسي أخيراً بين "نداء تونس" و"حركة النهضة"، حسبما كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، مضيفة أن "الاتصالات مقطوعة حالياً بين الحليفين، في انتظار الاستحقاقات القريبة المستعجلة، وأهمها الحكومة الجديدة التي لا يمكن أن تبصر النور سوى باتفاقهما".

وبقطع النظر عن التراشق الذي حدث بين بعض قيادات الحزبين، فإن الصراع بدا محتداً بينهما على مدينة تونس وبلديتها ورئيسها "شيخ المدينة". ولبلدية تونس أهمية بالغة في ظلّ تأثيرها على مستقبل المشهد السياسي التونسي. وعبّرت "حركة النهضة" بوضوح عن رغبتها بالفوز برئاسة البلدية وطموحها في أن تتولى رئيسة قائمتها الفائزة، سعاد عبد الرحيم، لقب "شيخة المدينة" لتكون بذلك اول أمرأة تتولى هذا المنصب. بدوره، عبّر "نداء تونس" عن رغبته في تولّي المنصب ومنحه لرئيس قائمته، كمال إيدير، صاحب التجربة السياسية والإدارية الطويلة. وأعلن مدير الحزب، حافظ قائد السبسي، أن حزبه "ليس مستعداً للتحالف مع النهضة لا في مدينة تونس وحدها بل في بقية البلديات أيضاً. وسيحاول الالتقاء مع القوى القريبة منه والمنتمية لما يسمى بالعائلة الديمقراطية".

وبدأ الفريقان البحث عن التحالفات مع أحزاب أخرى، فقد توزعت مقاعد مدينة تونس بين النهضة (21 مقعداً)، والنداء (17 مقعداً)، والتيار الديمقراطي (8 مقاعد)، والاتحاد المدني (6 مقاعد)، ومدينتي تونس (4 مقاعد)، والجبهة الشعبية (4 مقاعد)، ما يحتم وجود تحالفات بالضرورة للفوز بلقب الرئيس، إذ لا أغلبية مريحة لأي قائمة.

وأكد الأمين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "التيار لن يتحالف مع حركة النهضة ولا مع النداء في بلدية تونس"، مبيناً أنهم "لن يدعموا أي مترشح ولن يدخلوا في مشاورات مع الحزب في كل البلديات". وأشار إلى أن "المجلس الوطني للتيار الديمقراطي المنعقد أخيراً قرر بالإجماع أنه لا تفاوض مع الحزبين المذكورين وأنه سيدخل في مشاورات مع الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية المعارضة ومع القوائم المستقلة التي تتوفر فيها شروط الاستقلالية والنزاهة".



وبيّن الشواشي أن "هذا لا يعني عدم التعامل مع الأحزاب الموجودة بعد ذلك في البلديات، بل ستكون أيديهم مفتوحة للجميع للعمل بطريقة مشتركة ولتجسد برامج فعلية خاصة". وفيما لفت إلى أن العمل البلدي عمل يومي، قال الشواشي إن "هذا العمل والتنسيق لن يشمل تزكية رئيس البلدية ومساعديه"، لافتاً إلى أنهم "سيكونون العين والرقيب من أجل تكريس الحوكمة والشفافية في البلديات".

وأوضح الشواشي أن "المجالس البلدية لا يجب أن تتحوّل إلى مجالس برلمانية تسيطر عليها التجاذبات السياسية والمشاكل الحزبية، لأنها مؤسسة وُضعت لخدمة الشأن العام ولتطبيق الوعود"، مفسّراً أن "سبب عدم تأييدهم للنهضة والنداء، هو تقييمهم لأدائهما باعتبارهما في الحكم، فقد فشلا في إدارة الشأن العام والحوكمة ولا يمكن أن يتم منحهما الفرصة بدعمهما ومساندتهما في رئاسة البلديات".

وأشار الشواشي إلى أن هناك كثرة في الاتصالات التي تردهم للدخول في مفاوضات لدعم مرشح من النهضة أو النداء، "ولكننا نرفض هذا الأمر، وما يروّج من مساندة التيار لمرشحة النهضة في بلدية تونس سعاد عبد الرحيم، مجرد شائعات". وأضاف أن "التيار ليست لديه أي مشكلة مع المرشحة، بل بالعكس إن ترشح امرأة كشيخة على رأس بلدية تونس أمر جيد جداً وخطوة مهمة، ولكن مشكلتنا مع الحزب الذي تنتمي إليه".

وقال الشواشي "نعتبر الجبهة الشعبية من الأحزاب الاجتماعية المعارضة ولا يوجد أي إشكال في التنسيق معها لانتخاب الرئيس ومساعديه"، معتبراً أن "التنسيق يشمل الأحزاب التي تنتمي للمعارضة من أجل دعم بعضها البعض، خصوصاً أن الأصوات التي حصل عليها تحتاج إلى هذا التنسيق، ولكن ذلك لا يعني التحالف".

وبيّن الشواشي أن التحالف الوحيد لهم كحزب "سيكون مع المواطن التونسي الذي انتخبنا، فالبلديات يجب إبعادها عن منطق سلطة ومعارضة وأغلبية وأقلية"، مضيفاً أن "مشاكل البلديات كبيرة على مستوى تسييرها وتعاني من نقائص عدة، من ناحية فهم الأوامر وتطبيقها وضعف التأطير وغياب المال والصلاحيات الكبيرة التي أُسندت إليها، وإذا أُضيفت إلى كل ذلك مشاكل حزبية فستكون ساعتها الكارثة فعلاً".

الثابت أن معركة مدينة تونس ستتكرر في أغلب البلديات التي تشهد غياب أغلبية واضحة للقوائم، وستكون فضاءً لوأد ما تبقى من التحالف الثنائي بين النداء والنهضة، وربما تقود إلى مشهد محلي جديد قد تتغير معه توازنات الصورة النمطية التي حكمت تونس طيلة السنوات الأخيرة. وفي الانتظار تتجه أنظار التونسيين إلى معركة الحكومة الجديدة وما يحوم حولها من تحركات غريبة في البرلمان وفي أروقة الأحزاب تمهيداً لمسلسل لم ينتظره التونسيون في رمضان.



المساهمون