من يكرّم الألمان؟..دعوة لإزالة آثار العنصرية

04 ابريل 2016
برلين لا تزال تتمسك بأسماء شوارع عنصرية(getty)
+ الخط -
خمسة عشر عاماً مضت على المؤتمر العالمي الذي رعته الأمم المتحدة ضد العنصرية، وذلك في مدينة "ديربان" في جنوب أفريقيا. والذي التزمت فيه جمهوريّة ألمانيا الاتحادية بتكريم ضحايا الحقبة الاستعمارية، وتجارة الرقيق عبر الأطلسي.

بيد أنّ هذا التعهُّد بقي بعيداً عن التطبيق حتى الآن، في الأماكن العامة، وفي المدن الألمانيّة المختلفة. حتى في العاصمة برلين، يكاد البحث عن شوارع تكرّم أسماؤها شخصيات مقاومة للاستعمار والعنصريّة، لا يفضي إلى أية نتائج، ناهيك، بأنّه لا أثر حتى الآن لأي نصب تذكاري مركزي يذكّر بملايين ضحايا الجرائم الكولونيالية الاستعماريّة. وهو، بالضبط، ما تطالب به الجالية السوداء والأفريقية المتزايدة في ألمانيا، بتشييده في العاصمة الاتحادية منذ عشر سنوات.

فبرلين هي المدينة التي عقد فيها عام 1884 /85، وبدعوة من المستشار الألماني آنذاك، أوتو فون بسمارك، مؤتمر أفريقيا السيئ السمعة، حين تفاهمت القوى الاستعمارية على تقاسم القارة السمراء. ليس هذا فقط! بل برلين لا تزال تتمسك بأسماء شوارع عنصرية حتى يومنا هذا.



شارع "مورن".. دلالة عنصرية ضد الأفارقة

بالرغم من الاحتجاجات العنيدة التي قامت بها منظمَّات المهاجرين، لم يتم حتّى الآن، تَغيير اسم شارع "مورن"، على سبيل المثال، والذي يقبع على خريطة وسط برلين، حيث المقَرَّات الحكوميَّة منذ القرن الثامن عشر.

هذا الشارع يخلِّد تسمية مثقلة بالمعاني التاريخيّة العنصرية والتمييزيّة ضدّ أصحاب البشرة السوداء، في وقت اختفى فيه تقريباً أي استخدام لهذه الرموز في اللغة الدارجة اليوميَّة. أما التعبير الأشهر عن المخيال الاستعماري، فكان قد تجسّد آنذاك في صورة طفل أفريقي يخدُمُ بسرور باد على وجهه. هذه الصورة كانت قد اسْتُخْدِمَت كعلامة تجارية لشركة "ساروتي"، والتي كان مقرها في شارع "مورن".

وعلى إثر انتقادات علنية لصورة الصبي الذي يقدم بضائع استعمارية مرتدياً سروالاً فضفاضاً، عُدِّلت تسميته إلى شارع "ساحر الحواس"، كما لوِّنت بشرته باللون الذهبي! لكن الماركة التجارية، كما اسم الشارع، بقيت مرتبطة بانعدام حقوق الصبيان الأفارقة الأوائل الذين تم جلبهم إلى البلاط البرليني، في حقبة تجارة الرقيق البراندنبورغية.


كذلك فإنّه من السهل العثور على أسماء شوارع تكرّم شخصيات كولونياليّة استعمارية في ألمانيا. فلقد استطاع معرض "طرق الحرية! أسماء شوارع استعمارية/ ثقافة التكريم بعد الاستعمار"، إحصاء أكثر من 30 حيّا استعماريا بمعنى ما، فيه أسماء شوارع يستحي بها المرء في زماننا! علماً أنّ الكثير من هذه التكريمات، لم تتقرر قبل نهاية الحرب العالمية الأولى. فبعد خسارة المستعمرات، شهدت الكثير من المدن الألمانية حملات دعائية لأجل استردادها. في هامبورغ، بريمن وبرلين طبعت يافطات شوارع باسم تجار رقيق معروفين كـ"شيملمان" ومجرمي حرب مثل "فيسمان وفورمان، بيترس ودومينيك" حتى بعد عام 1945.



نقص شعبي بالاعتراف بالعنصرية

ابتداء من مطلع الألفيّة الثالثة، أخذت تتكاثر المبادرات الساعيّة إلى معالجة نقديّة للحقبة الاستعماريّة. وفي عام 2010 اجتمعت كافة هذه المبادرات على المطالبة بإنهاء سياسة التكريم الفضائحية هذه، وإبدالها بإحياء ذكرى أبطال مقاومة الاستعمار. بيد أن هذه المطالب غالباً ما تُقابل برفض السكان لها! والذين لا يدفعهم إلى ذلك خشيتهم من أعباء وأكلاف تغيير الأسماء فحسب، وإنما ثمة تواطؤ.

وبالرغم من أن هذه المبادرات تدعو إلى توضيح السياق التاريخي عبر نَصْب أعمدة إعلانية، إلا أنها تواجه اتهامات بسعيها لطمس التاريخ. لا يزال هناك نقص شعبي بالاعتراف العميق بالعنصرية كجريمة شنعاء. وغالباً ما يتم التهوين من أثرها، عبر الإشارة إلى "روح العصر" الأوروبية، أو إلى جرائم القوى الاستعمارية الأخرى.



استجابة بعض البلديات لمطالب الناشطين
بلدية حي فريدرشسهاين – كرويتسبرغ، كانت سباقة إلى التجاوب مع مقترحات هذه المبادرات. ففي عام 2009/ 2010 غيَّرت تسمية ضفّة نهر "شبري" من "ضفة غروبن" إلى "ضفة ماي آيم" في حفل حضره المئات، علما أن "غروبن" هو اسم مؤسّس المستعمرة الحصينة "غروس فريدرشيبورغ" في غانا، بينما "ماي آيم" هو اسم الأديبة والناشطة الألمانية – الأفريقية الشهيرة.

ومنذ هذا التاريخ، تتركز جهود تحالف "نزع الاستعمار عن وسط برلين" على الخطوة المقبلة، والتي تكمن في تحويل "الحي الأفريقي" في برلين إلى "مكان للذكرى والتعلّم". ومع الوقت تتسع دائرة أولئك الناشطين الذين يعملون على إنهاء تكريم شخصيات استعمارية إجرامية، سجلّها حافل بالمجازر، مثل "ناختيغال" و"بيترس" ولودريتس".


ثمة ما يكفي من التسميات البديلة والتي تتوافق مع مقررات "ديربان". لقد اقترح ناشطون كاميرونيون تكريم المقاوم "رودلف دوالا مانغا بيل"، الذي تم إعدامه من قبل السلطات الاستعمارية الألمانية آنذاك. كذلك اقترح نشطاء برلينيون من أصول تنزانية إطلاق اسم "ماجي ماجي" على إحدى الجادات، استذكاراً للمقاومة المشتركة للعديد من شعوب شرق أفريقيا ضد السلطات الألمانيّة الاستعمارية بين عامي 1905 و1907.

ويُذْكَر أن مقهى في شارع "لودريتس" يسمى سلفا "فريدريكس" تكريما لـ"كورنيليوس فريديريكس" قائد شعب "الناما"، والذي قُتِل في جرائم الإبادة الجماعيّة، التي تعرَّض لها شعبا "الناما" و”الهيريرو"، في معسكر التجمع على جزيرة "شارك" في ناميبيا، والتي لم يُعترَف بها إلا مؤخراً.


ولو كان الأمر يتوقف على مبادرة السود في ألمانيا، وتم أخذ رأيهم بعين الاعتبار، لتحول اسم شارع "مورن" على الفور إلى شارع "أنطون فيلهيلم أمو"، وهو أول أستاذ وعلامة ألماني – أفريقي في جامعة بروسية دافع في أطروحته عن حقوق السود في أوروبا عام 1729، والتي من بينها بالتأكيد حق تكريم تاريخهم في الفضاء العام الأوروبي!
المساهمون