من هو مبارك؟

01 ديسمبر 2014
مبارك (GETTY)
+ الخط -
مقارنة صالحة لإثارة الضحك. كان المنصور ميّالاً إلى التنجيم، وهو أول خليفة قرّب المنجمين وعمل بأحكام النجوم (كما يقول المسعودي)، وكانت صناعة النجوم سائدة عند الفرس. ومن أشهر الجماعة الذين نبغوا فيها نوبخت المنجم فقد أسلم، وكان يصحب المنصور حيثما توجه. ثم تلاه ولده أبو سهل بن نوبخت، وتوالى آل نوبخت في خدمة العباسيين وترجموا لهم كتباً في الكواكب وأحكامها.

فمن هو حسني مبارك؟ دعنا من أنه اختار الصحفي سمير رجب (كاتبه الصحفي المفضل) مقابل هيكل لعبد الناصر، وكان يستقدم إلى قصره أحياناً (لزوم الفرفشة القليلة) الممثل المنتصر بالله كل آنٍ كي يضاحكه. وكلنا يعرف أسلوب المنتصر، وكأنه كان لا يرى في مصر إلا كل (منخنقة ونطيحة ومتردية وما أكل السبع).

وهل أحمد موسى الذي خصّه بالأمس بأول مكالمة صحافية من محبسه بأقل نطحاً أو تردياً؟ وهل كان سلوكه –السابق لأوان أفعال رجاله فيما بعد- أقل نطحاً وتردياً حينما قال له المفكر السياسي رحمه الله في يوم افتتاح معرض الكتاب وسط المثقفين: "لا بد يا سيادة الرئيس من أن تحرص على تداول السلطة"؟ فأمر له أن يتكلم معه بعد الاجتماع كي يفهم منه حكاية تداول السلطة فعلّه يستفيد من أفكاره، وفور انفراده بالمفكر المرحوم محمد سيد سعيد أشار له باصبعه الأوسط بعد تحريكه كالمعتاد وقال له: "هذا هو تداول السلطة"... فسكت طبعاً المرحوم دكتور محمد السيد السعيد خجلاً من كل هذا الأدب الذي خصّ به الرئيس مفكراً مرموقاً (الغريب أن هذه الحركة البذيئة صارت صكاً مصرياً معترفاً به بعد 30 -6 للسخرية من الشعب.. وجرب هذا الصك بنجاح ضباط شرطة وجيش ومحافظون أيضاً، وتلك من مآثر حسني مبارك التي لم تصور ولكنها تتداول في قعدات المثقفين).

فمن هو حسني مبارك صاحب الأثر في مؤسسات الدولة طيلة ثلاثين سنة؟ أليس هو صاحب وزارة إعلام بها 45 ألفا من الموظفين (بها المئات من المخرجين والموظفين الذين اتضح أن منهم من لم يدخل باب الجهاز من عشرين سنة كاملة ويأخذ راتبه وحوافزه كاملاً)؟

طالما الجهاز يهلل صبح مساء (اخترناك اخترناك) والأبنودي كل (6 أكتوبر) يكتب الأوبريت وسيد حجاب يكتب تترات الأغاني، الغريب أن بعد مبارك أيضاً يكتب سيد حجاب ديباجة دستور الـ 50، ويتكفل الأبنودي بإشعال البخور للسيسي في اللقاء المعرف، فما الذي اختلف؟ فمبارك انقسم نصفين نصفاً قبل الثورة باسم مبارك، ونصفاً آخر بعد الثورة باسم السيسي، وبخور الأبنودي مستمر، وديباجة سيد حجاب لا تختلف كثيراً عن تترات أغانيه في تلفزيون مبارك.
فمن هو حسني مبارك بالفعل؟ أليس هو الذي جعل النيابة قاصرة على أولاد القضاه، والشرطة لأولاد اللصوص الكبار والضباط؟ وتحويل النيابات الإدارية إلى حليف للسلطة ومكيدة للخارجين عن العبودية من شرفاء الموظفين (عصا الحكومة في إدارات الوزارات).
مبارك صار جزءاً من ديمومة الشعب وخاصة من هم في دولاب نظامه كالإعلام والسياحة والبترول والمطارات وكرة القدم والفن والنقابات الفنية واتحاد الكتاب. فمن هو مبارك الذي لم يحاكم؟ أليس هو الذي في عهده هرب صاحب (عبارة الموت)، ولا عالج منظومة النقل التي احترق في أحد قطاراتها 400 من أبناء الصعيد.
هو الذي علف هؤلاء جميعاً وأنعم عليهم بالوظائف والسلطات، حتى القوانين كوّن لها (ترزية) والغريب في الأمر أنهم في شبه الترزية بالفعل وتأملوا وجوه ترزية مبارك القدماء (وقد يتناسلون في المشهد الآني بأبنائهم وأحفادهم أيضاً) (المحجوب وابنه خير دليل)، فكان من المنطقي جداً أن يخرج براءة من ساحة القضاء، ويكون أول اتصال له بأحمد موسى (صاحب رؤية نصف الكرة الأرضية تحت أرض رابعة العدوية).

فكيف رأى أحمد موسى هذا النصف؟ واضح جداً أن حسني مبارك كان له في قراءة الفلك وطالع النجوم ولم يخص بهذا العلم أحداً من تلامذته سوى أحمد موسى، ورحم الله المنصور، فقد حلت بركته بعد 13 قرناً إلا قليلاً في كنانة الله.
المساهمون