ويميل الباحثون في تاريخ الحكاية إلى القول إنها جزء من نظام فهم الكون والعالم من حولنا، أو أنها محاولة من البشر للملمة فوضى العالم في نص يحاول إدخال النظام إليه. ولعل معظم الدراسات التي تتناول الحكاية من زاوية المضمون تبحث عن سرّ بقائها منذ القدم حتى اليوم. غير أن من الضروري أن نبحث أيضا في ما إذا كان من المؤكد، أو من المفترض، أن يكون الميل لتأليف الحكاية سوف يبقى مرافقاً للوجود البشري أم لا.
وفي الغالب فإن أبطال الحكايات، أو أن الأبطال في الحكايات "يميلون لتحقيق المُثل العليا لدى البشر". وفي هذا الباب تكمن اللحظة الفاصلة بين الحكايات. والطريف في الأمر أن أطراف أي صراع وجودي يكادون يستخدمون القيم، أو المُثل العليا ذاتها، وكل جهة من تلك الجهات، تسحب المُثل إلى حقلها، وهو ما يمكن أن يضعنا في حيرة، أو قد يمنع عنّا رؤية الحقيقة.
ويشكّل النضال من أجل الحرية حلماً مشتركاً بين حكايات الشعوب، أو لنقل إنه يشكّل واحدة من المشتركات الكلّية بين الشعوب كلّها. وهو ما سوف يمنح في نهاية الأمر، أي في الزمن الذي تصير فيه الحكاية حكاية، الهوية الحقيقية لأي حكي شعبي يروي ما حدث له عبر المخيّلة.
وما زلنا حتى اليوم في وسط الصراع، وما يزال كل من طرفي النزاع القائم يقول إنه يملك الحكاية الأصيلة والأصلية عن الحق، وكل منهما يدّعي تمثيل الشعب السوري، ويستتبع ذلك النية في احتكار الحكاية الحاضرة، أو تلك التي سوف تكتب في المستقبل.
قد يستطيع القتلة تزوير التاريخ، أو اللعب بصفحات الجرائد. غير أنهم لا يستطيعون تلفيق الحكايات، فالحكايات لا تناصر المجازر. وقد لا يعرف المرء اليوم من الذي سيؤلف الحكايات التي تسمّي الحاضر الذي سيصير ماضياً ذات يوم، وفيما تطير الطائرات فوق حلب، وتقصف مستشفياتها، يمكن أن تجد سورياً يموت تحت وابل القنابل، وتجد سورياً آخر يهتف للصواريخ.
قد تجد سورياً يحبّذ الرصاص الروسي أو الأميركي، ويحاول منع الحكاية من الاكتمال، وسورياً آخر يصنع الحكاية، أو يستعد لتأليف الحكايات عن موته، و"خراب دورته الدموية" على ما قال الشاعر السوري الراحل رياض الصالح الحسين ذات يوم في وصف حالتنا.
قد تستطيع الطائرة أو الدبابة أن تحسم معركة، غير أن الحكاية أو الرواية هي التي سوف تكسب الجملة الأخيرة.