من دفتر أحوال سعيد الكفراوي

10 مايو 2018

سعيد الكفراوي.. طرف الحكاية لا يخذله أبدا

+ الخط -
سعيد الكفراوي قوّال من قرى أواسط الدلتا بدرجة كاتب. يسعى منذ خمسين سنة نحو ود القصة القصيرة وبلادها من دون الدخول في متاهات أخرى أو أشكال أخرى. قوّال يعشق القصة، ويلبي مطالبها. عاشق للأحبّة من الطيبين من الموتى. إن توقف سعيد عن الكتابة مارس القول والقوالة في دفء الصحبة، وفي القلب من اللمّة وسط المحبين، وطرف الحكاية لا يخذله أبدا في أي حال، في فرح أو عزاء. دائما هو في دائرة المودة من الحاضرين، ولا يترك عزاء، ولا يبتعد عن شاطئ القول في أي محفل. أمّن نفسه من تفاهات الغدر، وابتعد عن مسالكه، وخاصم كآبة المدن ونكدها ودوائرها الضيقة، وإن احتفظ بمكر الفلاح وحيله، وألاعيبه الطيبة التي تضفي على السامر بداهة ورقّة، وسعيا ناحية البهجة والابتعاد عن النكد.
يبدو سعيد الكفراوي دائما سليم الطويّة، وهذا كله يحيّرني في الكاتب أو القوّال الذي فيه. يكتب عما يبهج روحه من أسرار الناس الذين رأى منهم الصلاح والخير، وغدرت الأيام بهم في قراهم أو مدنهم، بعدما عجزوا أو مرضوا أو تضعضع بهم الحال، يحكي سيرتهم، كأنه هو عرّافهم الوحيد على ظهر الأرض، وآخر من يقول أسرارهم.
سعيد صديق الخير، حياة وكتابة ورؤية أيضا، وهو أيضا رفيق ألم أصحابه ومغسلهم ودائم السؤال عنهم وعن أحوال أولادهم. رفيق ألم أصحابه ودموعهم وعجزهم وحسرتهم وعكازهم والسامع لأوجاعهم، وخصوصا الشاعر عفيفي مطر والروائي عبد الحكيم قاسم رحمهما الله.
سعيد هو "ابن العديد المصري" ونباهة "طرف الحكاية"، وآخذ طرف الحكاية من على لسان النديم وتكملتها، أو التحسر عليها بعد "ميلة الزمن" على الجميع. هو ابن حكاوى الغيطان والمآتم والأجران والحصاد وحرص الفلاحين على مواعيد الزراعة وحكايات قطارات آخر الليل أمام القرى، هو الراعي لأغنام الحكاية في القاهرة، بعدما تبعثرت الأغنام، وتهدّل قماش القصة القصيرة على أبدان الكتّاب.
هو قوال القصة القصيرة المصرية مع كل من يحيى الطاهر عبد الله وعبد الحكيم قاسم (رحمهما الله). ما زال سعيد هو العطر الباقي من هؤلاء القوّالين الذين أدخلوا نسيج القوالة في متن الكتابة، فصارت الكتابة حياة، والحياة توشك أن تكون كتابة.
تجمعني به المودة عن بعد، كأن أسمعه يحكي بالقرب مني ساعات، أو السؤال عن الصحة وأخبار الكتابة والفرح، من دون أي متابعة أخرى ومن دون صراع، فخرجت مركبتنا سالمة.
متيم هو بكتابات عبد الفتاح كيليطو، وأنا غارق في كيليطو كاتبا، وصاحب عزلة حميدة وزهد غير مشروط، غايته البعد عن زحام الولائم، وبركة المؤسسات السلطوية، وعفّة مَن أراد صحبة الكتابة والقلم. (هل كان هذا الفتي هو عبد الفتاح كيليطو نفسه؟ ذلك الذي أخذ على نفسه إيقاظ الكتب من مناماتها؟).
يبذل الرجل جهده في صبر وأناة، ويواصل قراءاته في تراث أمته، مقتحما بأسئلته الماضي والحاضر، ليغني المتخيّل العربي، بما أنصت له من نصوص، وما حاوره من كتب عبر سنين عمره، داخلا من بابها، باحثا عن مأوى لروحه. .. وهل الكتابة في جوهرها سوى بحث الواحد بها أو من خلالها عن مأوىً نتدارى به أو فيه.
تحية لسعيد الكفراوي على محبته في دفتر أحواله النثري والسردي الجميل، والذي ابتعد فيه عن محبوبته القصة القصيرة بعد خمسين سنة من العشق والخوف وكثرة التوجس والمحاذير، فكان هذا الكتاب الجميل.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري