من التاريخ إلى الواقع

25 نوفمبر 2017
قيام الكيان الصهيوني دفع إلى قيام مراكز عربية(فرانس برس)
+ الخط -
قبل الشروع في تقويم المراكز البحثية العربية راهناً، نشير إلى أن نشوء ظاهرة المراكز البحثية العربية في العصر الحديث ارتبط بالنزوع القومي العربي ومشروع التحرر من النيرين التركي والبريطاني.

يمكن القول إن مجمع اللغة العربية على مختلف مسمياته المحلية، والذي تأسس في غمرة تلك المرحلة (خلال الحرب الكونية الأولى) لم يكن هاجسه مجرد تعزيز اللغة العربية وإعادة الاعتبار لها وتطويرها لاستيعاب العلوم الحديثة في مواجهة ما آلت إليه بعد حملات التتريك والتغريب، هو أول مركز يمكن أن يطلق عليه مركز دراسة وبحث، وإن كان عمله قد تمحور حول جانبي اللغة والتاريخ. إذ إن أركانه ومنشوراته كانت تصب في هذا الجانب مع التعليم.

وفي العقود الثلاثة اللاحقة انشغلت المنطقة العربية في انتزاع استقلالها من كل من فرنسا وبريطانيا، ولم تستطع في غضون تلك المرحلة التي امتدت حتى آواخر الأربعينيات تقريباً من توسيع نطاق اهتمامها إلى أكثر من النطاق اللغوي – التاريخي. لكن نكبة فلسطين التي رافقت نهاية عقد أربعينيات القرن الماضي وما أطلقته من تحد كان في أصل التطور اللاحق، إذ تبين من خلال تلك الحرب وما تلاها خصوصاً حرب العام 1967 وما تخللها من هزيمة أن العرب بحاجة ماسة إلى إنشاء مثل هذه المراكز، من أجل دراسة هذا الكيان الذي تم زرعه في المنطقة وما يتمتع به من مصادر قوة وتأثير في السياسات والرأي العام الدولي، كذلك دراسة مجتمعاتهم نفسها ونقاط ضعفها، والعلاقات الدولية بتداخلها مع قضاياهم المعاصرة، خصوصاً بعد أن ورثت دول حديثة (أميركا والاتحاد السوفييتي) الدول الاستعمارية التقليدية القديمة (تركيا – بريطانيا – فرنسا وإيطاليا).

وضمن هذا السياق كان تأسيس معهد البحوث والدراسات العربية الذي ارتبط بالجامعة العربية في القاهرة عام 1952، وكانت له مهمة مزدوجة هي تأهيل الدبلوماسيين العرب العاملين في مؤسسات الجامعة من جهة، ومتابعة مجريات العلاقات الدولية والصراعات المندلعة، ومضاعفات ذلك كله على العرب والقضية الفلسطينية. وتلا ذلك قيام مصر بإنشاء المركز القومي للبحوث في عام 1956، وهو مركز يرتبط وجوده بمفهوم الدولة الحديثة في مصر ومؤسساتها وقطاعات الإنتاج والسكان فيها وما تتطلبه من بحوث ودراسات. يمكن فهم قيام هذا المركز في ضوء توجهات الضباط الأحرار وإشكاليات التنمية البشرية والاقتصادية التي بدأت تدخل قاموس السياسة ، فضلاً عن حرب السويس عام 1956 وما كشفته عن تقصير في فهم خطورة السياسات الفرنسية – البريطانية – الإسرائيلية بدليل العدوان الثلاثي على مصر. وتلاه في بيروت تأسيس مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 1963 باعتبار أن قيام ورسوخ ومخاطر الكيان الصهيوني يتطلب قيام هيئة علمية مستقلة متخصصة ذات أبعاد سياسية عربية مستقلة عن الأنظمة في رؤيتها للصراع العربي الصهيوني. ثم كان قيام مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في عام 1968، كنتيجة لحرب العام 1967، ومركز دراسات الوحدة العربية في عام 1975. ومنذ ذلك التاريخ، أخذت مراكز الأبحاث المتنوعة العامة والخاصة تنتشر في الوطن العربيّ كمراكز ترتبط بالجامعات أو المؤسّسات الحكومية.

*أستاذ جامعي
المساهمون