تحرّك هذا الملف في الأسبوع الأخير، بشكلٍ مفاجئ. لم تكن هناك مقدمات جدية لهذا التحوّل، خصوصاً وأن السلطات اللبنانيّة رفضت عروضاً مشابهة لعمليّة التبادل الحالية، إذ سبق أن رفضت الحكومة ما نتج عن وساطة، عمل عليها النائب وليد جنبلاط بمساعدة من نائب رئيس بلدية عرسال، أحمد الفليطي، وبرعاية دولة عربية، وكانت تقضي بإطلاق سراح خمسة موقوفين ومبلغ مالي. كما سبق للسلطات اللبنانية أن رفضت عرض 16 ــ 16 ــ 16، وهو ما يعني إطلاق سراح 16 موقوفا مقابل 16 أسيرا ومبلغا ماليا يصل إلى 16 مليون دولار.
هذا يعني أن هناك أسبابا، دفعت إلى تسريع عمليّة التفاوض، والقبول بما رُفض سابقاً. وتُشير مصادر إسلاميّة متابعة لملف التفاوض إلى أن من أهم أسباب تسريع المفاوضات، ووصولها إلى الخاتمة السعيدة، هو رفع فيتو حزب الله عن عمليّة التبادل هذه.
وقد برز عامل حزب الله بشكل رئيسي في الأيام الأخيرة، عندما حاول الحزب، إدخال عناصره الثلاثة، الذين أسرهم جيش الفتح في ريف حلب الجنوبي في سورية منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وقد رفضت جبهة النصرة هذا الأمر، بحسب مصادر إسلامية، وطالبت بإنجاز صفقة التبادل هذه أولاً، تمهيداً لبدء التفاوض حول مصير أسرى حزب الله الثلاثة، خصوصاً وأن عامل الثقة بين الجانبين شبه مفقود، بسبب ما تعتبره جبهة النصرة تراجع الجانب اللبناني في اللحظات الأخيرة قبل الوصول للاتفاق مرات عدّة.
اللافت أن الإعلام المؤيد لحزب الله، حاول في الأيام الأخيرة ربط تأخير عمليّة التبادل، بمطالب جديدة لجبهة النصرة، وهو ما يمكن اعتباره غير دقيق، وخصوصاً أن مطالب جبهة النصرة، التي تمت تلبيتها في هذه الصفقة، هي ذاتها المطالب التي لطالما رددتها جبهة النصرة. كما أنه من الضروري الإشارة إلى أن جبهة النصرة اشترطت أن تبث عملية التبادل عبر شاشة قناة الجزيرة، وذلك كضمانة لالتزام الجانب اللبناني بتنفيذ تعهداته.
كما شكّلت الصفقة فرصة لجبهة النصرة لتلميع صورتها، في لحظة اضطرار حزب الله للقبول بهذا الأمر. فالجبهة، أظهرت بأنها لا تزال قادرة على الحركة في جرود عرسال وجرود القلمون، رغم إعلان وسائل إعلام حزب الله أن مقاتلي الحزب سيطروا على نحو 90 في المائة من مواقع "النصرة" في الجرود خلال العمليّة، التي أطلقها الحزب في يونيو/حزيران الماضي. وبالتالي نقضت جبهة النصرة رواية حزب الله وإعلامها عبر الصور التي نُقلت مباشرةً.
كذلك الأمر، استغلت "النصرة" هذه العمليّة لتكريس الصورة التي تسعى إلى تعميمها عن نفسها، وهي صورة الفريق الساعي إلى حماية المدنيين بشكلٍ أساسي. فنجد أن أغلب من أطلق سراحهم هم نساء وأطفال (17 من أصل 25)، كما أن أغلب شروط جبهة النصرة تعلقت بالمدنيين، وليس بالجانب العسكري، إذ اشترطت النصرة تجهيز مستشفى بلدة عرسال، وهو ما سيؤدي إلى إعادة بناء العلاقة بين أهل عرسال والجبهة. وطالبت بنقل الجرحى المدنيين من مخيمات وادي حميّد إلى بلدة عرسال، وإدخال المساعدات بشكلٍ شهري إلى مخيمات وادي حميّد. وهذه الخطوات، تُحافظ على علاقة جيدة بين "النصرة" وحاضنتها الشعبية، كما تُظهرها في مظهر "إيجابي".
لا يُمكن ربط عمليّة التبادل بشكلٍ وثيق مع مرحلة تصنيف المجموعات المقاتلة في سورية، بين إرهابية وغير إرهابية، لكن من المؤكّد أن حلّ هذه القضية، يُشكّل خطوة إيجابيّة، إذ من المؤكّد أنه لا يُمكن تصنيف "النصرة" كتنظيم غير إرهابي في حال كان يخطف 16 عسكرياً لدولة عربية، تُشارك في مؤتمر فيينا، لكن هذا لا يعني حكماً تصنيفها كتنظيم غير إرهابي، إذ إنه يرتبط أيضاً بشروط أخرى، منها علاقة الجبهة بتنظيم القاعدة.
اقرأ أيضاً: عام على خطف العسكريين اللبنانيين: فشل رسمي