ملفات اقتصادية تحدد مصير الرئيس الإيراني المقبل

10 مايو 2017
مؤتمر لمؤيدي الرئيس الحالي حسن روحاني (فاطمة بهرامي/ الأناضول)
+ الخط -
يدرك المرشحون الستة للانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في التاسع عشر من مايو/أيار الجاري، أن ملفات الاقتصاد هي المحرك الأساسي القادر على شد الناخبين نحو صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لصالح أحدهم.
وفي الفترة الأخيرة ارتفعت وتيرة الاتهامات المتبادلة بين المرشحين، المنقسمين في جبهتين، ثلاثة من المحافظين، وثلاثة من خط الاعتدال، فاستند هؤلاء إلى إنجازات وإخفاقات حكومة الرئيس الحالي حسن روحاني على الصعيد الاقتصادي بالدرجة الأولى.
ويشكل الاتفاق النووي الذي تم إبرامه منتصف 2015، نقطة عريضة استند إليها الكل، ورغم أن جميع المرشحين دون استثناء، أكدوا على أهميته وضرورة استمراره خلال تصريحاتهم الصادرة في المناظرة التلفزيونية، التي عقدت الجمعة الماضية دون تهديد أي منهم بتمزيقه، لكنهم يختلفون وبشدة على مكاسبه الاقتصادية.
ويعد الاتفاق النووي الإنجاز الأبرز لحكومة روحاني، حيث استطاع مفاوضوه بعد عامين من المحادثات أن يتفقوا مع السداسية الدولية (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا) على إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، مقابل الحد من النشاطات النووية، وهو ما أدى لابتعاد شبح الحرب والتهديدات العسكرية عن البلاد أولا، ولاستقرار نسبي انعكس على الظروف المعيشية ثانيا، بحسب المؤيدين للحكومة المعتدلة.
على الطرف المقابل، يرى المنتقدون من المحافظين، أن الاتفاق لم يبعد الخيارات العسكرية عن البلاد، كما لم يلمس الإيرانيون تبعات إلغاء العقوبات على ظروفهم المعيشية بشكل مباشر، فضلا عن عدم إلغاء العقوبات برمتها وعلى رأسها تلك المالية التي تمنع طهران من الاتصال بنظام التحويلات الدولي، وفرض الولايات المتحدة الأميركية المزيد من العقوبات حتى وإن لم تكن مرتبطة بالنشاط النووي، وهو ما يعني إخفاق روحاني على هذا الصعيد.

التضخم والنمو الاقتصادي
وشكلت نسبة التضخم الاقتصادي تحديا كبيراً لحكومة روحاني، الذي وصل إلى سدة الرئاسة قبل أربع سنوات، في حينه كان الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد قد أنهى للتو ثماني سنوات سادها تشديد حظر اقتصادي تسبب بأزمات كبرى، على رأسها ارتفاع نسبة التضخم لتتجاوز 40% في بعض الأحيان، وتدهور العملة المحلية، التي فقدت ثلث قيمتها أمام الدولار، ووصل هذا الإرث لروحاني الذي ركز على التوصل للاتفاق أولا، معتبرا أنه سيكون مفتاح حل كل المشكلات.
وأعلن مركز الإحصاء الرسمي عن انخفاض نسبة التضخم تدريجياُ، ولاسيما عقب التوصل للاتفاق في يوليو/تموز 2015، ووصلت معدلاته اليوم إلى 9%، فضلا عن هذا أعلن البنك المركزي الإيراني عن ارتفاع النمو الاقتصادي، فتحول من نسبة - 5% قبل ما يزيد عن أربع سنوات، إلى 8% حالياً.


تحدي البطالة والفقر
مقابل إنجازي التضخم ومعدل النمو الاقتصادي، يقف روحاني اليوم أمام تحديين صعبين للغاية، أولهما فرص العمل والبطالة، وثانيهما الفقر، فهذان الأمران يؤثران كثيراً على الناخب الإيراني، الذي وإن أيد الاتفاق النووي، لكنه يود لمس تبعاته عمليا على حياته وظروفه المعيشية.
وقال روحاني في سنوات سابقة إنه قادر على تأمين مليوني فرصة عمل سنوياً، كما ذكر أنه سيحل بعض المشكلات الاقتصادية خلال 100 يوم وحسب، وهو ما أنكر صحته لاحقا بالقول إنه وعد بتقديم تقارير تتعلق بتقدم الوضع كل 100 يوم، وليس حل المشكلات خلال هذه الفترة الوجيزة، وهو ما أثار ضده زوبعة من قبل المحافظين ومؤيديهم.
وأضاف روحاني أن حكومة أحمدي نجاد السابقة قامت بتوفير 14 ألف فرصة عمل وحسب سنوياً، بينما نجحت حكومته في تأمين 700 ألف وظيفة كل عام، لكن وبحسب ما نشر موقع "تسنيم" المحافظ نقلا عن مركز الإحصاء الرسمي، فقد تم تأمين ما يقارب 1.42 مليون وظيفة خلال سنوات رئاسة روحاني، وهو ما يعني 356 ألف فرصة في العام.
وأفاد ذات التقرير أن روحاني وصل إلى سدة الرئاسة وكان عدد العاملين في البلاد يتجاوز 21 مليونا، بينما يوجد نحو 2.94 مليون عاطل، لكن منذ مارس/آذار من العام الماضي 2016، حتى أبريل/نيسان 2017، وصل عدد العاملين في إيران إلى 22.58 مليوناً، بينما يبلغ عدد من يعانون من البطالة 3.2 ملايين شخص، وهناك أرقام غير رسمية تفيد بأن عدد العاطلين عن العمل يصل إلى ستة ملايين.
بذات الوقت صدرت تصريحات عن وزارة الرفاهية، أفادت بأن معدلات الفقر في إيران ارتفعت خلال السنوات القليلة الماضية، دون أن تحدد معدلاتها بدقة، كما ذكرت أن إعطاء الرواتب البديلة عن تطبيق خطة رفع الدعم الحكومي عن السلع الاستراتيجية، لا تحل هذه الأزمة.
وكل هذا ساهم بازدياد الشرخ بين الطبقتين الفقيرة والغنية في المجتمع الإيراني، وهي أزمة يعانيها منذ سنوات، حتى أن المرشح المحافظ عمدة طهران محمد باقر قاليباف قال في وقت سابق إن 4% فقط في البلاد هم المحسوبون على الفئة الغنية.

الفساد
في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، تم الكشف عن أكبر قضايا الفساد والاختلاس في تاريخ البلاد، تورط بها مسؤولون ومديرو مصارف يقبعون حاليا خلف القضبان، قد يكون الأمر أقل وطأة في زمن روحاني، لكن الفساد مازال قضية تفتح عليه نار المحافظين الذين صنفوها كفشل ذريع.
ويعتبر البعض أن روحاني ورث هذه الملفات من الحكومة السابقة، التي قررت الالتفاف على العقوبات عن طريق الاستفادة من وسطاء، وهو ما جعل الاختلاس سهلا، وزاد المصاريف الحكومية، لكن القضية المسماة بالرواتب الفلكية، مازالت تهدد روحاني، حيث تم تسريب وثائق ومستندات قبل أشهر دلت على تقاضي مسؤولين ومديرين في مؤسسات حكومية لمستحقات عالية للغاية.

جذب الفقراء
يستند المنتقدون لتلك الإخفاقات، ويركز المرشحون المحسوبون على التيار المحافظ، محمد باقر قاليباف، إبراهيم رئيسي ومصطفى مير سليم، عليها ويعملون حاليا على شد الفئات التي تحتاج لفرص عمل، وكذا على قاطني القرى والمناطق النائية.
ويوجه البعض الانتقادات بشكل رئيس لسياسات روحاني الخارجية المرتبطة بالاقتصاد بطبيعة الحال.

ويقول الأستاذ الجامعي عبد المجيد شيخي، إنه من المخالفين لروحاني، كونه اعتمد على سياسة الارتباط بالغرب، وفتح الباب أمام دخول البضائع ورؤوس الأموال والخدمات والتقنيات من الخارج، وكل هذا يعني رفع مستوى الواردات مقابل إضعاف مقومات الداخل.
ويضيف شيخي لـ"العربي الجديد"، أن "الاتفاق النووي الذي طبق من طرف واحد، أي من قبل إيران، كان مجرد اتفاق على ورق، فلم يشعر المواطنون بأي تبعات، وبالمقابل ساعد ارتفاع صادرات النفط روحاني في تحقيق إنجازات اقتصادية محدودة، لكنه لم يستطع حل الملفات الأهم بالنسبة للشارع".
لكن مؤيدي خطاب الاعتدال، يرون أن الرئيس روحاني يحتاج لدورة رئاسية ثانية لتحقيق شعاراته برمتها، فرتب أوراق علاقات إيران مع الخارج خلال السنوات الأربع الأولى، وكان الغرب خياره الأنسب، في وقت تراكمت ملفات التوتر الإقليمية.
ويرى الخبير في الشؤون الاقتصادية بهمن آرمان، أن روحاني تسلم الرئاسة وكان الوضع الاقتصادي في البلاد مزرياً، فحملته الحكومة السابقة إرثا ثقيلا، معتبرا أن الاتفاق النووي هيأ الأرضية لاقتصاد أفضل.
ويقول إن التحكم بمعدل التضخم إنجاز كبير، فضلا عن توقيع صفقات وعقود مع دول كانت تخشى الوصول لإيران، فضلا عن تحسين أسطول الطيران المدني، وكل هذا كان نتيجة للاتفاق مع السداسية الدولية.
واستطاع روحاني أن يحقق تقدما في حقول النفط والغاز الجنوبية، كما طور قطاع البتروكيماويات بحسب آرمان، معتبرا إن بإمكانه تحويل إيران لحلقة وصل اقتصادية بين الشرق والغرب.
إلا أن هذا الخبير يرى أن نقطة الضعف تكمن في عدم فاعلية القطاع الخاص، وهو ما لم يحدث كذلك في عهد روحاني، معتبرا أن تسليم كل الأمور للقطاع الحكومي يعني عدم تحقيق مكتسبات جذرية.
المساهمون