ملامح خطّة غير بيدرسون: لا استمرارية لنهج دي ميستورا

20 يناير 2019
بيدرسون: سأعمل على دفع العملية السياسية (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

لم ينتظر المبعوث الأممي الجديد إلى سورية، غير بيدرسون، طويلاً، قبل أن يتحرك في مسعى لتجسير الهوّة بين أطراف صراع استعصى على الحل طيلة سنوات بسبب تعنت النظام وحلفائه في السير بالحل السياسي، الذي يمكنه أن يحقق مصالحة وطنية حقيقية، على قاعدة تحقيق العدالة وإرساء نظام ديمقراطي، ورفضهم تطبيق قرارات دولية، حاولوا القفز فوقها مستفيدين من تراخٍ أميركي طال أمده، وميل المبعوث الأممي السابق ستيفان دي ميستورا إلى إرضاء الجانب الروسي للبقاء في منصبه، من خلال إفساح الطريق أمام خلق مسارات موازية وبديلة عن مسار جنيف الأممي، القائم على انتقال سياسي من النظام الحالي إلى نظام ديمقراطي جديد.

ويتعامل المبعوث الجديد مع تركة ثقيلة وإرث من الفشل السياسي تركه له سلفه، أسهم إلى حد بعيد بتحويل سورية إلى مناطق نفوذ للقوى الإقليمية والدولية وساحة صراع مفتوح على كل الاحتمالات، باستثناء التوصل إلى حل سياسي وفق قرارات دولية تتمسك بها المعارضة ولا تزال تعتبرها مرجعية التفاوض بينها وبين النظام. ومن المقرر أن يتباحث المبعوث الأممي الخاص إلى سورية النرويجي غير بيدرسون، مع مسؤولين روس في العاصمة الروسية موسكو غداً الإثنين، في إطار جهود التسوية السورية التي لم يحقق فيها دي ميستورا ما كان متوقعاً منه من تقدم بسبب تعنت النظام ورفضه المساعدة في تهيئة ظروف تدفع هذه التسوية إلى الأمام. وقبيل توجهه إلى موسكو، قال بيدرسون إن "المشاورات المكثفة والخطوات الملموسة والدعم الدولي عوامل ضرورية، وأعوّل على المحادثات المزمعة في موسكو الإثنين المقبل"، مضيفاً "في ضوء المشاورات مع الطرفين السوريين، سأعمل على تعزيز القواسم المشتركة وبناء الثقة ودفع العملية السياسية في جنيف".

والتقى بيدرسون الذي تسلم مهام عمله في 7 يناير/ كانون الثاني الحالي بعد انتهاء مهمة سلفه دي ميستورا الذي أمضى في هذا المنصب أربع سنوات ونصف السنة، هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية في مقرها الرئيسي في الرياض مساء أمس الجمعة، عقب زيارة له إلى دمشق التقى خلالها وزير خارجية النظام وليد المعلم. وأعلنت الهيئة، في بيان، أنها "استعرضت مع بيدرسون النقاط التي يمكن أن تساعد على الوصول للحل السياسي في سورية، وأهمها استعداد الهيئة لمتابعة التفاعل الإيجابي مع المبعوث الدولي الجديد، بالإضافة إلى العمل، برعاية الأمم المتحدة ووفق بيان جنيف 1 وكافة القرارات والبيانات الدولية ذات الصلة، بالمسألة السورية، لاسيما القرار الدولي 2254 الذي يعتبر برنامج العمل المتفق عليه لإنتاج الحل السياسي". وأشارت الهيئة إلى أنه "تم التطرق إلى متابعة العمل لتشكيل اللجنة الدستورية والقواعد الإجرائية لعملها السياسي والتنظيمي، بوصفها مساراً مهماً من مسارات العملية السياسية التفاوضية، وفتح الطريق أمام إنجاز بقية المسارات، لاسيما المسار الأول المتعلق بسبل تحقيق البيئة الآمنة والمحايدة لإجراء الاستفتاء على مسودة الدستور التي ستنجز، كمقدمة للانتقال السياسي".



ومن الواضح أن تشكيل اللجنة الدستورية سيكون أولوية بالنسبة لبيدرسون، إذ قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أمس الجمعة، إن إطلاق عمل اللجنة الدستورية سيتصدر مناقشات المبعوث الأممي الجديد إلى سورية خلال زيارته موسكو، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة لم تضع أي حدود زمنية لبدء عمل اللجنة الدستورية السورية. ويبدو أن المبعوث الأممي يبحث عن ضغط روسي على النظام السوري من أجل تسهيل مهمة تشكيل اللجنة الدستورية، باعتبارها مفتاح الحل السياسي، إذ من المقرر أن يعود بيدرسون إلى دمشق بعد زيارته موسكو. وورث بيدرسون تركة ثقيلة من سلفه دي ميستورا الذي كان ميّالاً للطرف الأقوى في معادلة الصراع على سورية، لدرجة أنه كان غطاءً لتجاوزات ترقى إلى مستوى جرائم بحق الإنسانية، خصوصاً على صعيد تهجير النظام وحلفائه الروس والإيرانيين عشرات آلاف السوريين من مناطقهم. كما حاول دي ميستورا القفز فوق قرارات الشرعية الدولية بذريعة قراءة الوضع السوري بشكل واقعي، لدرجة أنه لم يلتزم حتى بالسلال الأربع التي وضعها للتفاوض مقدماً الجانب الدستوري على الانتقال السياسي وهو جوهر العملية التفاوضية، مرضاة للجانب الروسي الذي حاول تمييع مسار جنيف التفاوضي الذي ترعاه الأمم المتحدة من خلال خلق مسار بديل، هو مسار سوتشي، الأمر الذي لم يرفضه دي ميستورا.

وقال المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات، يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، "يبدو أن مقاربته (بيدرسون) للقضايا ربما تكون مختلفة. يقوم الرجل برسم استراتيجيته بقليل من الكلام والكثير من التخطيط". وفي السياق ذاته، قال عضو في الهيئة العليا للمفاوضات حضر اللقاء، لـ"العربي الجديد"، إن "انطباعنا عن الرجل جيد. هو يسمع أكثر مما يتكلم، ولا يريد توريط نفسه بأمر قبل أن يستمزج آراء كل أطراف الصراع في سورية، حيث سيقوم بجولة تشمل موسكو وأنقرة والقاهرة والاتحاد الأوروبي". وأضاف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث العلني، "يبدو أن لديه منهجية مختلفة عن منهجية سلفه الذي كان أداة بيد الروس للبقاء في منصبه. يحاول حصر نقاط التلاقي والاختلاف بين المعارضة والنظام قبل أن يدعو لجولة جديدة من المفاوضات. أكد لنا أنه خرج بانطباع جيد عقب زيارته للعاصمة دمشق". وكشف المصدر عن مساعٍ تبذل من أجل العمل على خلق "بيئة آمنة ومحايدة" في الاستفتاء على مسودة الدستور، ومن ثم الانتخابات المقبلة، من خلال كف يد أجهزة النظام الأمنية، وتشكيل هيئة تابعة للأمم المتحدة تشرف على الانتخابات بعد إقرار الدستور السوري الدائم. وأشار إلى أن المعارضة تعمل على استبعاد رئيس النظام بشار الأسد من أي انتخابات مقبلة باعتباره "مجرم حرب" استخدم أسلحة محرمة دولياً ضد شعبه قتلت عشرات آلاف المدنيين في مختلف أرجاء البلاد، وفق تقارير صادرة عن منظمات دولية تدينه وتحيله إلى محاكم دولية. وأوضح أن رسالة واضحة نُقلت لموسكو مفادها: لا يحق لبشار الأسد الترشح في الانتخابات المقبلة، وهو أمر مرفوض من قبل المعارضة السورية، بعد مقتل وتهجير ملايين السوريين داخل بلادهم وخارجها.

وأكد المصدر أن الجانب الروسي "يحاول نقل المفاوضات إلى مدينة سوتشي، للتأكيد على أن مفاتيح الحل السوري في موسكو، وهذا في حد ذاته تحايل روسي غايته خلط الأوراق لترسيخ الرؤية الروسية للحل السوري، والقائمة على إبقاء رموز النظام، وفي مقدمتهم بشار الأسد، في السلطة كونه الضامن لمصالح موسكو في سورية". وأعرب عن اعتقاده بأن الأمم المتحدة لن تقبل بنقل المفاوضات من مدينة جنيف السويسرية إلى مدينة روسية، مشيراً إلى أنه "لم يتم تحديد موعد لجولة تفاوض جديدة"، مضيفاً "ربما سيجري لقاء في فبراير/شباط المقبل للأطراف الفاعلة في الملف السوري، يقدم خلاله المبعوث الجديد غير بيدرسون تصوره لسير العملية السياسية، والطرق المثلى لتحقيق تقدم جدي، ومن ثم تُوجه دعوات لجولة تفاوض جديدة، لن يكون فيها أوهام وضحك على الذقون كما كان يجري أيام ستيفان دي ميستورا". وتابع المصدر أن "موسكو تبحث عن حلول أمنية لا سياسية في سورية تقوم على إعادة تعويم نظام متهالك رهن قراره لدى الروس حتى باتوا محتلين للبلاد، ولكن هذا أمر لن يتحقق. نحن (المعارضة السورية) مصرون على تطبيق قرارات الشرعية، وفي مقدمتها بيان جنيف1".