بين ليلة وضحاها تحوّل وزير التنمية الاقتصادية الروسي، أليكسي أوليوكاييف، من شخصية شغلت مناصب رفيعة على مدى أكثر من 15 عاماً، إلى أعلى مسؤول يتم سجنه وملاحقته جنائياً منذ تولي الرئيس فلاديمير بوتين زمام السلطة في البلاد، في عام 2000. وفي الوقت الذي نفى فيه أوليوكاييف تسلّمه رشوة قدرها مليونا دولار، في مقابل السماح باستحواذ "روس نفط"، أكبر شركة نفط في روسيا، على حصة قدرها 50 في المائة من شركة "باش نفط"، سارع بوتين لإقالته من منصبه لـ"فقدان الثقة"، كما أكد رئيس حكومته، ديمتري مدفيديف، أنه "لا حصانة لأي مسؤول في قضايا الفساد". وقرر القضاء وضع الوزير السابق رهن الإقامة الجبرية لمدة شهرين، وفي حال إدانته قد يواجه أوليوكاييف عقوبة السجن لمدة تصل إلى 15 عاماً.
في هذا السياق، أشار مدير برنامج "السياسة الداخلية الروسية والمؤسسات السياسية" بمركز "كارنيغي" في موسكو، أندريه كوليسنيكوف، إلى أن "اعتقال أوليوكاييف قد يأتي بمثابة انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2018، ويحدث حالة من الخوف بين الأوساط المقربة من بوتين وفريقه".
وتابع "القضية ليست اقتصادية، بل حلقة في تجديد النخب على كافة المستويات وتشكيل الفريق الذي سيعمل مع الرئيس بعد عام 2018. والرسالة الأساسية تتلخّص في تخويف الجميع، إذ قد تتم التضحية بشخصية من أي مستوى". أما الرسالة للرأي العام الروسي، فمفادها أن "النظام يتجدد ويتطهّر، وسيعتبر الناخبون ذلك مظهراً من مظاهر القوة وثقة السلطة"، بحسب كوليسنيكوف.
وتوقع الخبير السياسي الروسي استمرار حملة الإقالات والتعيينات، تمهيداً لانتخابات عام 2018، حتى لا ينسى أعضاء الفريق الجديد دروس سجن الملياردير السابق، ميخائيل خودوركوفسكي، في عام 2003، واغتيال المعارض بوريس نيمتسوف في عام 2015، واعتقال أوليوكاييف.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2018، التي يحق لبوتين الترشح فيها لولاية رابعة مدتها ست سنوات، أفادت استطلاعات الرأي بأن غالبية الروس يريدون استمراره في منصبه. وبحسب استطلاع أجراه مركز "ليفادا"، فإن 63 في المائة من الروس يريدون استمرار بوتين في الحكم لولاية أخرى، في مقابل معارضة 19 في المائة فقط يرفضون ذلك.
ومع ذلك، ستكون الولاية الرابعة مختلفة عن الحالية، لأنها ستكون الأخيرة لبوتين وفقاً للدستور الروسي ما لم يتم تعديله، ونظراً لتقدم الرئيس الروسي في العمر، إذ سيبلغ الـ72 عاماً، بحلول عام 2024. وكتبت الباحثة السياسية، تاتيانا ستانوفايا، في مقال بموقع "ريبابليك رو" الليبرالي، أنه "من المهم الإدراك أن الفترة بين عامي 2014 و2017 هي فترة ازدهار والوصول إلى القمة بالنسبة لنظام بوتين، قبل أن يبدأ تدهوره لأسباب مالية ـ اقتصادية، والوضع المتقلّب في سوق الطاقة، والعوامل والأمزجة الاجتماعية، وحالة النخبة، ومدى تفاقم الأزمة الجيوسياسية".
في هذا الصدد، قال الأستاذ بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولي، فاليري سولوفيه في حوار مع صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس"، إنه "ليس من المستبعد أن يغيب الرئيس الحالي عن الأضواء لمدة بضعة أشهر في عام 2017، أو أن يظهر نادراً جداً". ورغم رفض سولوفيه توضيح ما إذا كان غياب بوتين سيعود إلى أسباب صحية أم لا، إلا أن الصحيفة قامت بحذف الحوار من موقعها في وقت لاحق، ومع ذلك، يمكن قراءته ضمن ملفات "غوغل كاش".
يُذكر أن بوتين تولى زمام السلطة في روسيا لولايتين منذ عام 2000 وحتى عام 2008. ولما كان الدستور الروسي يمنع شغل منصب الرئاسة لأكثر من ولايتين "متتاليتين"، غادر بوتين الكرملين وشغل منصب رئيس الوزراء خلال الفترة من عام 2008 إلى عام 2012، بينما تولى مدفيديف زمام الرئاسة في ذلك الوقت. وخلال فترة حكم مدفيديف تم تعديل الدستور الروسي وتمديد فترة الولاية الرئاسية من أربعة إلى ستة أعوام، مما مكّن بوتين من العودة إلى الكرملين في عام 2012 لفترة رئاسية أطول.