ملاحظات غير رسمية على التجربة المصرية

26 ديسمبر 2018
توقعات برفع جديد لأسعار الوقود في مصر (الأناضول)
+ الخط -
لا يُعرف على وجه اليقين إن كان تأجيل مناقشة تقديم شريحة جديدة من صندوق النقد الدولي إلى مصر، قد تم بناء على طلب الحكومة المصرية أم بقرار من الصندوق. لكن المؤكد أن هناك العديد من الملاحظات للصندوق، مع بعض التعديلات التي تطلبها الحكومة المصرية على برنامجها، أدت إلى تأجيل المناقشة.

ومن خلال مناقشات غير رسمية مع العديد من موظفي صندوق النقد والبنك الدوليين في العاصمة الأميركية، سمعت أكثر من ملاحظة على بعض الإجراءات التي أثارت دهشة المسؤولين من المتابعين للتجربة المصرية، في المرحلة التي أعقبت موافقة الصندوق على إقراض مصر مبلغ 12 مليار دولار قبل عامين تقريباً.

عبر المسؤولون عن دهشتهم من اندفاع مصر نحو الاقتراض الخارجي بنهم غير مبرر، وقالوا إنهم طالبوا الحكومة المصرية بتقديم خطة الاقتراض والسداد للفترات القادمة، فلم يصلهم شيء.
وتساءل الأصدقاء عن جدوى إنفاق مبالغ طائلة على مشروعات ضخمة تستنزف موارد البلاد، ولا تدر عائدا في الوقت الحالي، كما استنكروا غياب الشفافية في ما يتعلق بمصادر تمويل تلك المشروعات، خارجية كانت أم داخلية، وتأثيرها على الموازنة العامة للدولة، حتى أن أكثرهم انحيازاً للحكومة المصرية عبر عن تعاطفه مع الحكومة، "التي تظلم نفسها بالامتناع عن توضيح مثل تلك الأمور".

ورغم غياب الشفافية، لم يتوقف الصندوق عن تقديم دفعات القرض، ولم ينتقد أداء الحكومة في برنامج الإصلاح الاقتصادي، بل على العكس، استمر في إصدار البيانات المؤيدة للخطوات المتخذة والمشجعة على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه معهم. لكن أخيراً، يبدو أن هناك جديدا، وهو ما تسبب في تأجيل عرض موضوع القرض المصري على مجلس إدارة الصندوق من يوم الأربعاء المقبل إلى موعد لاحق لم يحدد، وبالتالي تأجيل صرف الدفعة الحالية من القرض.

في التقرير الذي أعده صندوق النقد عن الاقتصاد المصري، بعد المراجعة الأولى والثانية، كانت هناك العديد من الخطوات التي التزمت الحكومة المصرية بإتمامها في مواعيد محددة، وكان معظمها يهدف إلى تخفيض العجز الكلي للموازنة، من أجل ضمان الاستمرار في الحصول على الدفعات المتتالية من القرض في موعدها. ويأتي على رأس تلك الخطوات إلغاء الدعم الحكومي لأسعار كافة أنواع الوقود، باستثناء الغاز المسال، بحلول نهاية العام المالي الحالي في آخر يونيو/ حزيران 2019.
ومع انخفاض الأسعار العالمية للطاقة، ترى الحكومة المصرية أنها قد استفادت بالفعل من انخفاض المبالغ الموجهة نحو الدعم، وبالتالي فهي لا ترغب في إثارة الرأي العام المصري عن طريق الإعلان عن تحرير/ رفع أسعار الوقود.

أما صندوق النقد، فيرى أن الوقت الحالي هو الأنسب لاتخاذ تلك الخطوة، لتوقعه أن يكون التأثير على أسعار الوقود المحلية محدودا في هذا التوقيت.

أيضاً يطلب الصندوق من الحكومة المصرية - منذ أكثر من عام - إيجاد آلية لتسعير الوقود في مصر وفقاً للأسعار العالمية، دون أي استجابة.

وعلى نحو متصل، يبدي مسؤولو الصندوق دهشتهم من استمرار البنك المركزي المصري في دعم الجنيه مقابل الدولار، على الرغم مما تحمله المواطن المصري خلال العامين الماضيين من كلفة، وتحديداً بعد تعويم العملة المحلية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016.

ويرى الصندوق أن استمرار دعم البنك للجنيه المصري يقلل من كلفة الاستيراد، ويؤدي بالتالي إلى ازدياد العجز في الميزان التجاري المصري بدلاً من تخفيضه.

الصندوق يريد سعراً حقيقياً للجنيه، يحمل كل مستورد الكلفة الحقيقية لاستيراده، ويشَبِّه الصندوقُ البنكَ المركزي في دعمه للجنيه بالأم التي لا ترغب في إتمام فطام ابنها من فرط حبها له، بينما هي تضره وتمنعه من الاعتماد على نفسه بسبب هذا الحب.

وفي الاتجاه نفسه، أبدى الأصدقاء انزعاجهم من تنامي الدور الذي تقوم به بعض "الجهات السيادية" في مصر، خاصة مع عدم وجود أي نوع من الرقابة أو المحاسبة على تلك الجهات، بالإضافة إلى ما تحصل عليه من ميزات تفضيلية وإعفاءات ضريبية.

يتبنى الصندوق في تعامله مع مصر وكافة دول العالم السياسات التي تشجع القطاع الخاص، وتوجد البيئة اللازمة لنموه.
كما يعتبر الصندوق أن الشفافية في تعاملات القطاع الخاص والحكومي، وكذا تبني المعايير الرقابية السليمة والتقيد بها من قبل الشركات، يشجعان على اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو ما جعل الصندوق يعتبر أن الجانب المصري "لم يبذل القدر الكافي من الجهد في هذا الاتجاه".

النقاط التي سمعتها من موظفي الصندوق كلها تدور حول تأخر الحكومة المصرية في اتخاذ الإجراءات التي تساعد على توفير الإيرادات المطلوبة لسد عجز الموازنة، وبصفة خاصة بعد تضخم الجزء الذي يتم توجيهه لسداد خدمة الدين من موازنة كل عام.

هم يرون أن التأخر في اتخاذ تلك الإجراءات يقلل من فرص نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، كونه يتسبب في تقليل المبالغ الموجهة للاستثمار في الصحة والتعليم والبحث العلمي، بالإضافة إلى تزايد احتمالات عدم وفاء الدولة بتعهداتها في ما يخص الإنفاق الاجتماعي.

ويعتبر الصندوق أن التزام الحكومة بمخصصات الإنفاق الاجتماعي هو جزء أساسي من برنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث "يتم تعويض الطبقات الأكثر ضعفاً عما يتحملونه من كلفة إضافية" بعد تقليص أو إلغاء الدعم الحكومي لأسعار الطاقة.

النقاط السابقة لم أقرأها في مذكرة رسمية، ولم أعلم بمناقشة الصندوق لها مع الحكومة المصرية، ولكنها كانت حصيلة مناقشات ودية مع مجموعة من الأصدقاء ممن يعملون بالصندوق والبنك.

ومع تأكيدهم على محورية هذه النقاط، ولعبها دوراً أساسياً في نجاح تجربة اقتراض مصر من الصندوق، وما فرضته بعدها من إجراءات للإصلاح الاقتصادي، إلا أنه كان واضحاً أنها لن تتسبب في إيقاف صرف أي من الدفعات المنتظرة، ولا حتى تأجيلها لفترات طويلة، على الأقل في هذه المرحلة.
المساهمون