مكفوفون يحمون صناعات فلسطين من الاندثار

15 فبراير 2016
جمعية المكفوفين في فلسطين (العربي الجديد)
+ الخط -
في طريق الواد، حيث الأسواق الأثرية، داخل أزقة البلدة القديمة في القدس، تمشي وتجد التاريخ من حولك في كل التفاصيل. محلات تجارية بقباب صغيرة وأخرى كبيرة، بائعات الخضراوات "الفلاحات" يفترشن الأرض بما لذ وطاب من خيرات البلاد... وما أن تنتهي القناطر الحجرية وتمر عن مبنى "الهوسبيس" النمساوي وتشم رائحة حمّص "أبو شكري"، تصعد يميناً إلى طريق الآلام أو عقبة المفتي، درجات معدودة ستقودك إلى معرض ومشغل جمعية المكفوفين العربية، التي تحارب اندثار صناعة مكانس وفرش القش، وتصارع للبقاء في مبنى الوقف الإسلامي. كيف لا وهي محاطة بمدرستين تلموديتين تتبعان الجمعيات الاستيطانية؟
تأسست جمعية المكفوفين العربية في العام 1932، واتخذت من باب الخليل مقراً لها، لكن بعد حرب عام 1948 وتغير الأحوال، انتقل مقر المؤسسة إلى وقف عائلة النشاشيبي المقدسية في عقبة المفتي. وكانت الجمعية منذ تأسيسها حريصة على تحقيق أهدافها في إيجاد جسم فعال للمكفوفين يجمعهم ويجعلهم أفراداً منتجين، معتمدين على أنفسهم، لديهم آفاق وطموحات. فكانت الجمعية ومركز التعليم المهني الخاص بها والذي يقتصر تعليمه على الذكور دون الإناث، ينتمي إليه اليوم 150 عضواً، ويعمل في مقره في البلدة القديمة 25 مكفوفاً، يأتون من مختلف المحافظات الفلسطينية.

صناعات قديمة 

يعتبر القش والخشب من المكونات الأساسية لصناعة المكانس والفُرش، لذلك تحتاج الجمعية سنوياً ثلاثة أطنان من القش المستورد من المكسيك، بتكلفة تصل إلى ثلاثين ألف دولار. ونجد أن القش المستخدم من أنواع عديدة، فهناك قش شعر الخيل، والقش الأحمر، وقش جوز الهند، وقش النايلون، وقش الليف الأبيض... أما أجود أنواع الخشب لهذه الصناعة فنجدها في خشب السرو أو الصنوبر، الذي تشتريه الجمعية من تجار الخشب في مدينة الخليل. وبتوفر هذه المواد يمكن للموظفين المكفوفين إنتاج المكانس والفُرش بكميات حسب الطلب، التي تستخدم لأغراض عديدة، فمنها ما يستخدم لتنظيف الأرضيات والسجاد، ونوع يستخدم لغسيل الملابس، وآخر في البناء، وغيرها من الاستخدامات.
طاهر عودة هو أحد المكفوفين العاملين في الجمعية، يقول إنه يحتاج خمس عشرة دقيقة لإنتاج مكنسة واحدة، تبلغ تكلفتها حوالى أربعة دولارات، فيجلس وأمامه ملف الأسلاك النحاسية وقطعة من الخشب والقش الذي ينقع في الماء قبل استخدامه لمدة خمس ساعات. ومن ثم يرص القش داخل الفتحات الخشبية، ويلفها بالأسلاك النحاسية، وصولاً إلى مرحلة قص الزوائد وتهذيبها.
تقول نادرة بزبز، مديرة الجمعية: "اليوم لم ينجح بالوصول إلى العمل سوى ثلاثة من الموظفين، البقية ليس لديهم تصاريح إسرائيلية تمكنهم من دخول المدينة، كل ثلاثة أشهر نحتاج لتقديم طلبات تجديد لهذه التصاريح، أحياناً نحصل عليها، وأحياناً أخرى لا، وعليه نضطر لإيصال المواد الخام إلى هؤلاء الموظفين في بيوتهم".
لكن مشكلة التصاريح، ربما تكون أبسط المشاكل التي تعيق عمل الجمعية التي، ومنذ ثلاث سنوات، لم تتلق أي دعم أو تمويل، فتجدها تعتمد على المبيعات التي هي أصلاً متذبذبة، بسبب اكتساح المنتجات الصينية الأسواق، أو تقوم بطلب التبرعات من عدد من المساجد الواقعة في الأراضي المحتلة عام 1948، وحتى الحل الأخير تجده غير مجدٍ وغير كاف لتغطية التكاليف.
وتضيف بزبز: "وجود المدارس الاستيطانية من حولنا يعتبر عائقاً كبيراً يحرج الممولين والداعمين، فهم يريدون أن يبقوا بمنأى عن الصراعات السياسية، يقولونها لنا صراحة، لو أن المبنى في مكان آخر لاختلف الوضع! هذا صحيح خاصة وأن أعين الاستيطان على هذا المبنى التاريخي، نحن نجتهد للحفاظ عليه لكن يد واحدة لا تصفق".
في غرفة التصنيع، يجلس طاهر واثنان من زملائه بعد أن عادوا من أداء صلاة الظهر في المسجد الأقصى، جهزوا القهوة ليستأنفوا عملهم. ويعلق طاهر: "فقدت البصر في سن صغيرة، وجئت لأكمل تعليمي في المركز، وها هي 24 سنة مرت وأنا هنا، أصنع حوالي 20 مكنسة في اليوم بمختلف الأحجام والأنواع، وأحياناً أكثر".
تقول مديرة الجمعية إن حجم الإنتاج انخفض، نتيجة قلة الطلب، "من كان يطلب 24 مكنسة شهرياً، أصبح يطلب ستاً، وأحياناً تبقى عنده شهرين أو ثلاثة، الإنتاج الصيني البلاستيكي من المكانس والفُرش غزا أسواقنا وعبى الرغم من قلة الجودة مقارنة بالقش الطبيعي، إلا أن الناس أصبحت تفضله، باستثناء السيدات الكبيرات في العمر اللواتي يحرصن على استخدام ما اعتدن عليه في صغرهن".
إنتاج الجمعية كان يصل إلى مختلف المحافظات والمدن الفلسطينية، لكن التقلبات السياسية وبناء جدار الفصل العنصري ووجود الحواجز، أثر سلباً عليها وحصر عملية التوزيع في إحدى البلديات الفلسطينية، وبنقاط بيع قريبة، إلى جانب وجود معرض للبيع في محافظة الخليل. وبحسب بزبز فإن "الاحتلال ساهم في حصر عمليات التوزيع من خلال تعنته في ترخيص سيارة الجمعية القديمة والتي يعود تاريخ تصنيعها إلى العام 1999، بحجة أنها قديمة وغير مؤهلة للسير على الشارع، فأصبحنا نستخدم سيارات خاصة لنقل المواد الخام وللتسويق!".

اقرأ أيضاً:أبو ثريا يتحدى الإعاقة فيحولها إلى طاقة
المساهمون