مقاومة مشروع السيطرة على الأقصى

25 اغسطس 2019
المسجد القبلي(توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -
لا يمكن التشكيك في الموقف المبدئي الفلسطيني والأردني الرسمي والشعبي من مسألة الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى والتطورات الأخيرة المتسارعة من جانب اليمين الحاكم في إسرائيل لفرض السيطرة الدينية والسياسية على المسجد الأقصى، وينسحب هذا الموقف على كل عربي ومسلم حول العالم، باستثناء مواقف لا تذكر من بعض المتصهينين العرب، نظراً للمكانة الدينية الروحية والتاريخية والسياسية والتي لا يختلف عليها مسلم أو عربي حول العالم، ولكن الاختلاف يتمظهر في مدى وقدرة الأطراف على التصدي للمشروع الصهيوني في المسجد الأقصى.

أولاً: الأردن
الأردن من الناحية القانونية هو صاحب الوصاية الفعلية على المسجد الأقصى وجميع المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، والذي تم تضمينه في اتفاقية وادي عربة عام 1994 المعروفة باسم "اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية"، حيث تنص المادة التاسعة في أحد بنودها: "وبهذا الخصوص وبما يتماشى مع إعلان واشنطن، تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن"، وهذا الدور تم تأكيده من جانب السلطة الفلسطينية بعد توقيع كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس والملك الأردني عبد الله الثاني على اتفاقية "الوصاية الهاشمية" لحماية الأماكن المقدسة في القدس في 31 آذار/مارس 2013.

ورغم التحذيرات الأردنية الرسمية من الإجراءات الإسرائيلية المتجددة في المسجد لإفراغ مضمون الوصاية الهاشمية من محتواه، وإطلاق سيل من التحفظات والشجب والاستنكار، إلا أن السقف الأردني لما يتجاوز هذا الموقف، وأقصى مدى من الممكن أن يصل إليه الموقف الأردني هو طرد السفير الإسرائيلي من عمان أو سحب السفير الأردني من إسرائيل، وهذا غير متصور في المرحلة الحالية، فطبيعة تعقيدات العلاقة بين إسرائيل والأردن، والعلاقات المتشابكة بين الأردن والولايات المتحدة والدعم الاقتصادي السنوي يقلص من هامش المناورة الأردني ويحد من تبني مواقف متقدمة.

ثانياً: فلسطين
يتمايز الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي والحزبي من مسألة التطورات المتلاحقة في المسجد الأقصى، والتمايز هنا ينبع من طريقة التعاطي ومستوى ردة الفعل وليس الموقف من ناحية المبدأ، السلطة الفلسطينية وبحكم مكانتها وطبيعة وجودها تحت سقف اتفاقية أوسلو المشؤومة، ووجودها العضوي وتحركاتها الكاملة في جغرافيا خاضعة للاحتلال يحد بشكل جوهري من قدرتها على اتخاذ مواقف حاسمة أو راسخة من الإجراءات الخطيرة ضد أحد ثوابت القضية الفلسطينية المركزية ممثلة بتهويد وحسم مسألة المسجد الأقصى لصالح الرؤية الصهيونية التوراتية، ولهذا ولإدراك محدودية أدوات السلطة وشعورها بالعجز امام التغول الإسرائيلي في المسجد الأقصى، وقعت اتفاقية مع الأردن لتأكيد وصاية المملكة المشار اليها سابقاً.

ولكن من جانب آخر وخشية من انفلات الأوضاع في الضفة الغربية مع إجراءات إسرائيل الحاسمة ضد المسجد الأقصى، كانت السلطة وعبر آلياتها الأمنية تحاول إبقاء حجم ردة الفعل الشعبية محدودة وفي حيز زماني ومكاني معين، والذي كان يفهم منه في بعض الأحيان بانه رضوخ للموقف الإسرائيلي.

أما على المستوى الشعبي فإن ردة الفعل تنقسم إلى ردة الفعل الشعبية في الضفة الغربية، وردة فعل معمري المسجد الأقصى من المصلين والمرابطين ورواد حلقات العلم وموظفي الأوقاف وحراس المسجد، فيما يتعلق بردة الفعل الشعبية في الضفة الغربية فإنها للأسف لا تختلف عن ردات الفعل خلال السنوات القليلة الماضية على كل جرائم إسرائيل سواء في القدس أو الضفة أو قطاع غزة، فكانت ردات الفعل إن حصلت تقتصر على بضع تجمعات متناثرة لعشرات المحتجين في الميادين الرئيسية لمدن الضفة الغربية بعيداً عن خطوط التماس، وهي بذلك لا تختلف عن بعض الاحتجاجات الموسمية في عواصم غربية من الجاليات الفلسطينية أو المتضامنين مع الحق الفلسطيني، وهو ما أفسح المجال بتوقعات افتراضية بغياب أي ردود حقيقية شعبية حتى في حال خطوات صهيونية أكثر خطورة على المسجد الأقصى كفرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد.

أما تعاطي المقدسيين والمرابطين في المسجد خلال السنوات الماضية فكان فعالاً وحيوياً ومثالاً حياً لروح الصمود والثبات وتحدي الغطرسة والجبروت الصهيوني، حتى أن جيش المرابطين أفشل مخططات فرض السيطرة الإسرائيلية على المسجد الأقصى بالتصدي لقطعان المستوطنين وجماعات "بناء الهيكل" المتطرفة التي اعتادت على تنفيذ اقتحامات ممنهجة، كما أحبط خطوات أخرى كفرض البوابات الالكترونية على مداخل المسجد عام 2017، والجهود الحثيثة للسيطرة على بوابة ومصلى الرحمة على الجهة الشمالية الشرقية للمسجد.

وفي قطاع غزة تميز التعاطي مع الإجراءات الصهيونية في المسجد الأقصى نوعاً ما عن الضفة الغربية، فكان التضامن الشعبي عبر مسيرات جماهيرية حاشدة بدعوة من فصائل المقاومة، وبصورة أوضح بدعوة من هيئة مسيرات العودة وكسر الحصار بمسيرات مليونية على الحدود الشرقية لقطاع غزة بمسميات "نصرة المسجد الأقصى" و"التأكيد على إسلامية وعربية المسجد" و"عدم شرعية أي إجراءات تهويدية للمقدسات الإسلامية"، وقد سقط في بعضها عدد من الشهداء والعشرات من الجرحى.

بينما أعربت فصائل المقاومة عن موقفها الواضح من المسجد الأقصى وأبدت استعداداتها لأي مواجهة شاملة قد تندلع في حال تفجر الأوضاع في القدس أو الضفة على خلفية الإجراءات الصهيونية في المسجد، وهو ما أولت له القيادة السياسية والعسكرية الصهيونية أهمية بالغة، كون اندلاع مواجهة عسكرية في قطاع غزة قد تتطور إلى مواجهة إقليمية واسعة لا يمكن التكهن بمآلاتها، ومن جانب آخر فإن تمسك فصائل المقاومة في القطاع بسلاحها وحقها في مقاومة الاحتلال رغم حالة الحصار الصهيوني العربي للقطاع منذ أكثر من عشر سنوات، يصب بشكل أو بآخر في افشال مخطط تصفية القضية الفلسطينية الذي يعرف بصفقة القرن والتي يتقدمها حسم مسألة المسجد الأقصى وفرض الرواية التوراتية على كل مكوناته.
المساهمون