تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب للحديث عن أحوال الترجمة إلى العربية اليوم. "قلما تبحث دور النشر عن الأسماء التي تقدّم الإضافة للقارئ العربي"، يقول المترجم التونسي في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
بدأت معي كقارئ، فمن خلال قراءاتي كنت أكتشف العديد من الكتّاب المهمّين الذين لم يتم الاطّلاع عليهم حتّى اليوم ولم تصل تجاربهم إلى القارئ العربي. بدأ الأمر مع الشعر، لكنّي أعتقد أن اللحظة الحاسمة كانت مع رواية "عزلة صاخبة جداً" للكاتب التشيكي بوهوميل هرابال فقررت ترجمتها بعدما ترجم لهُ بسّام حجار في السابق رواية "قطارات تحت الحراسة المشدّدة" وأعتقدُ أنني نجحت في إحياء روائي مهم وإدماج صوته في الساحة الثقافية العربية.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
ترجمتُ أخيراً بعض الروايات لكل من جيرزي كوزنسكي "أن تكون هناك"، وهي الترجمة الأولى للرواية إلى العربية وقد صدرت عن "دار صفحة سبعة"، كما ترجمتُ رواية "الحجاب المرفوع" للكاتبة جورج إليوت عن "دار أثر" ويصدرُ قريباً كتاب "كتّاب مشرّدون" لأندرو شافر.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
هناكَ العديد من العقبات التي تقف في وجه المترجم، أهمّها أن دور النشر أصبحت تبحث عن الأسماء التي تنجح في السوق لا الأسماء التي تقدّم الإضافة فكرياً وأدبياً للقارئ العربي، وهو ما جعل المترجم عبارة أن آلة مهمتها الترجمة فقط.
■ هناك قول إن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
المحرّر مهم جدّاً في الصياغة النهائية لكلّ عمل أدبي سواء كان مترجماً أو نصاً أصلياً. هناك كتّاب كبار في العالم كان وراءهم محررون. أعتقد أن فعل الكتابة يحتاج دائماً إلى التّحرير كي يكتمل. غير أن الكاتب العربي تخنقهُ نرجسية كبيرة وتقف أمام تطوره وهذا مردّه إلى عدم الاقتناع بأنّ كلّ عمل قابل للتطوّر والإضافة. بالنسبة إليّ، أمرر كلّ عمل أترجمهُ إلى من يراجعه عن اللغة الأصل ومن يطّلع عليه بعين المحرّر والقارئ في آن.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
كلّ العناوين التي ترجمتها قمت أنا باختيارها وهي تعكسُ رؤيتي تجاه الأدب والكتابة في آن.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
كلّ عمل تقريباً يحملُ رؤية سياسية وموقفاً أيديولوجياً. أنا مع الأعمال التي تحرّر العقل وتقرع ناقوس الخطر ضد ما يتهدّدنا في عالمنا العربي اليوم من مخاطر في مختلف المجالات. أسعى دائماً إلى أعمال تواجه القارئ العربي وتجعلهُ يوجّه أصابع الاتّهام ضد كل ما يهدّد وجوده وحرّيته.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
قبلَ أن أترجم أيّ عملٍ أغوص في حياة الكاتب وأجمع معطيات مهمّة عن حياتهِ ومواقفه لأنّني أؤمن أنّ حياة الكاتب لا تنفصل عن كتاباته.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
أنا أيضاً شاعر وسبق لي أن نشرت مجموعة شعرية بعنوان "مقبرة على قيد الحياة" وقد تحصّلت على جائزة "أيام قرطاج الشعرية". هناك صراع دائم بين الشاعر الذي في داخلي وأسلوب الروائي الذي أتعامل مع نصّهِ السّردي وفي أغلب الأحيان هو صراع إيجابي ولا يخلو من متعة.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
الجوائز مهمّة وتقدّم الإضافة للساحة الثقافية العربية رغم كمّ الشعبوية الذي يصحبها.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
أعتقد أنّها مشاريع مهمّة بشرط أن تساهم في تحرير الوعي لا في رسم الوهم وشراء الأقلام العربية وتحجير الغوص في مشاغل القارئ العربي الحقيقية. أعتقد أنّ ما ينقصها هو رأي المترجم وذوقه، لا ذوق المؤسسة لأنّ المؤسسة رمز للسجن والجلاد والسقف.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معيّنة في الترجمة؟
الترجمة عملية قراءة قبل كل شيء، تتطلب جهداً كبيراً وعملاً متواصلاً. المبدأ الأول في عملية الترجمة هو تجنّب الغرور والابتعاد عن النرجسية والعمل أكثر.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
لم أندم على أي نص، لأنّ النص مهما كانت نقاط الاختلاف في مستوى ترجمته أو في قيمته سيقدّم الإضافة إلى القارئ العربي.
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية؟ وما هو حلمك كمترجم؟
أمنيتي أن تصير لدينا حركة ترجمة حقيقية تنافس حركة الترجمة في ثقافات أخرى في العالم، وأن نتجاوز أسطورة أن العربي لا يقرأ. المواطن العربي مهيّأ لفعل القراءة، فقط على المؤسسة التعليمية والمشتغلين بالفكر أن يتوقفوا عن قتل الآمال ودفنها.
بطاقة
مترجم وشاعر تونسي من مواليد 1990. صدر له في الترجمة عن الإنكليزية: "عزلة صاخبة جداً" للكاتب التشيكي بوهوميل هرابال، و"أن تكون هناك" للكاتب البولندي جرجي كوزنسكي، و"سجن بلا سقف" للكاتب الروسي ليونيد أندرييف، و"الحجاب المرفوع للكاتبة الإنكليزية جورج إليوت، و"كتّاب مشردون: تاريخ فاضح لكتاب متمردين" للكاتب الأميركي أندرو شافر. وصدرت له مجموعة شعرية بعنوان "مقبرة على قيد الحياة".