مفكرة المترجم: مع عبد المقصود عبد الكريم

23 أكتوبر 2018
(عبد المقصود عبد الكريم)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم.


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
من الصعب غالباً تحديد البدايات. هل كانت البداية في منتصف السبعينيات مع محاولة ترجمة مقدمة أربري لتحقيق كتاب "المواقف والمخاطبات"؟ هل كانت حين ترجمت قصة إدغار آلان بو "سقوط منزل أشر"، في زمن لا أستطيع تحديده؟ وقد تلتها ترجمة عدة قصص قصيرة لفلاديمير نابوكوف. هل كانت البداية وأنا أعيد صياغة ترجمات لقصائد ترجمها مترجمون آخرون ولم تكن تعجبني صياغتها؟ ربما، ليس هناك طرف وحيد لبداية الخيط. ربما كانت البداية الحقيقية حين ترجمت كتاب د. ه. لورانس "فنتازيا الغريزة"، في 1989، وقد نشرت الطبعة الأولى "دار الهلال" في 1992، وصدرت الطبعة الثانية مؤخراً عن "دار آفاق" في القاهرة.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
لا أعرف الفترة الزمنية التي تشير لها كلمة آخر، لكنني سأفترض أنها تشير إلى آخر سنة، وقد صدر من ترجماتي في تلك الفترة: المجلد الأول من موسوعة كمبردج عن "تاريخ الأدب العربي"، والمجلد بعنوان "تاريخ الأدب العربي حتى نهاية العصر الأموي"، عن "المركز القومي للترجمة"؛ والترجمة العربية الكاملة لرواية د. ه. لورانس "عشيق الليدي تشاترلي"، عن "دار آفاق"؛ وترجمة رواية ج. م. كوتسي "طفولة جيسوس"، عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب". والطبعة الثانية من "فانتازيا الغريزة" عن "دار آفاق". وأترجم الآن كتاباً لأحد أبرز الكتاب الأميركيين في القرن العشرين، من الحاصلين على نوبل، واحتراماً لتعاقدي مع دار النشر لا أستطيع الإعلان عنه الآن.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
العقبات كثيرة، تحتاج إلى مساحة كبيرة، وخاصة بعد تطبيق "اتفاقية الغات" في ما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية، لكنني سأحاول اختصارها قدر المستطاع. أولاً، الحصول على حقوق الملكية الفكرية وهي مسألة معقدة في المؤسسات الحكومية وتستغرق وقتاً طويلاً وقد تنتهي بالفشل؛ ومسألة مكلفة بالنسبة لدور النشر الخاصة، وخاصة مقارنة بعدد النسخ التي تطبع من الكتاب المترجم، مما يجعل تلك الدور تبحث عن الكتب القديمة التي سقطت حقوق الملكية الفكرية بالنسبة لها. العقبة التالية لها هي بطء عملية النشر، التي قد تستغرق سنوات طويلة في المؤسسات الحكومية بعد الانتهاء من ترجمة الكتاب، وبعضها يصدر بعد انتهاء فترة التعاقد مع دور النشر الأجنبية مما يحول دون توزيع الكتاب.


■ هناك قول إن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
المحرر في دور النشر العربية عملة نادرة، لا تتوفر غالباً، وحين تتوفر تكون غالباً عملة سيئة. وبالتالي لا أحد يحرّر ترجماتي.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
العلاقة تختلف باختلاف الناشر وباختلاف الظروف. في بعض الأحيان أقترح بعض العناوين على الناشر، والأمر في بعض المؤسسات يرتبط بالمسؤول عن السلسلة إذا كان الكتاب سيصدر عن سلسلة معينة مثلما هو الحال في سلسلة الجوائز في "هيئة الكتاب"؛ وقد يحتاج إلى موافقة مباشرة من رئيس المؤسسة، أو موافقة إحدى اللجان المختصة كما الحال في "المركز القومي للترجمة". وكثيرا ما تقترح المؤسسة بعض الأعمال، وبالطبع أختار ما يناسبني منها. الأمر بالنسبة لدور النشر الخاصة أكثر سلاسة بكثير.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
بالنسبة لي معظم ترجماتي لنصوص أدبية، روايات وأشعار، وأعمال نقدية، ودراسات تربط النقد الأدبي بالدراسات النفسية، وبعض الكتب العلمية، وبالتالي ليس هناك مجال لحديث مباشر عن السياسة.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
عادة لا تكون هناك علاقة مباشرة مع الكاتب، العلاقة بالأحرى مع العمل، وأشترط أن تكون علاقة حب وخاصة مع العمل الأدبي، سواء كان رواية أو شعراً، وعلاقة تقدير مع الأعمال الفكرية والنقدية. العلاقة المباشرة الوحيدة مع الكاتب كانت مع كاتبة مصرية تعمل في جامعة أميركية، وكانت تجربة مزعجة بكل المعايير، وأتمنى ألا تتكرر.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
أقول دائمًا إنني شاعر يترجم (ويمارس الطب النفسي)، بمعنى آخر لا أنسى أنني شاعر في أية لحظة وأنا أترجم، وكثيراً ما أستدعي قدرتي شاعراً في ترجمة بعض الفقرات. ولا أنسى ذات مرة في احتفال للمركز القومي للترجمة كان عليَّ أن أقدم بعض المختارات من ترجماتي واخترت فقرات من رواية لبول أوستر، أظن أنها "قصر القمر"، كنت أترجمها في ذلك الوقت، وكانت فقرات يوظف فيها الكاتب قدراته شاعراً، واعتقد معظم الحضور أنني كنت أقرأ ترجمة لشعر بول أوستر (أوستر شاعر أيضاً).


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
في السنوات الأخيرة بدا أن هناك بداية نشاط في حركة الترجمة إلى العربية ومعها ظهرت عدة جوائز، رأيي الوحيد فيها أن معظمها يذهب إلى محترفي الحصول على الجوائز. كلها تقريباً على المترجم أن يسعى وراءها أو على الأقل يقدم طلباً للحصول عليها. ومعظم المترجمين الذين لا يعرفون إلا الانهماك في العمل والإخلاص له، يبخلون بوقتهم على الجري وراء الجوائز. أظن أنه ينبغي أن تكون هناك آلية مختلفة في توزيع الجوائز وفي تشكيل لجان التحكيم.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
هناك بعض المؤسسات التي تتخصص في مجال معين، ويبدو لي أن هذه المؤسسات لديها خطط غالباً، لكن تلك المؤسسات التي تنشر في كل المجالات الخطط لديها محدودة وغير واضحة، وتعتمد غالباً على ميول المسؤولين عنها والمتعاملين معها.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
هناك قواعد أو لنقل عادات عامة بالنسبة لي وعادات تحددها طبيعة العمل. أترجم النص، وهذه الترجمة الأولى أسميها مسودة الترجمة، ثم أراجع الترجمة مرتين على الأقل، مرة على النص الإنكليزي، والثانية أعمل فيها على النص العربي بعيداً عن النص الإنكليزي، لكي أخلص نص الترجمة العربية من أي أثر لخصائص اللغة الأجنبية قدر المستطاع، وفي حالة ترجمة النصوص الأدبية، يمكن أن تكون هناك مراجعة، أو بالأحرى إعادة صياغة، ثالثة وحتى رابعة.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
هناك نص ترجمته في 2011 في الأزمة التي تلت أحداث "الربيع العربي" في مصر، أنا شخص مدمن على العمل، وحين عرض عليّ النص في فترة ركود، وهو كتاب عن تغير المناخ بين العلم والسياسة، قبلت ترجمته بدون ترحيب، لكن الأمر لم يصل إلى حد الندم. هناك تجربة أخرى مزعجة تماماً وهي تجربة ترجمة كتاب الكاتبة المصرية، وهذا الكتاب بالفعل ندمت على ترجمته له، ليس لأمور تتعلق بالكتاب بقدر ما كان الندم بسبب الاحتكاك بالمؤلفة المصرية.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
غريبة، أول أمنية خطرت على بالي أن يكف من لا يجيدون اللغة العربية عن الترجمة مهما كانت درجة معرفتهم باللغة الأجنبية. والأمنية الثانية أن يكون هناك عدد كاف من المشاريع واضحة المعالم. والثالثة أن يتم رفع ميزانيات الترجمة بشكل يجعل إتمام هذه المشاريع ممكناً. وقد تكون الأمنية الرابعة رفع أجور المترجمين بالشكل الذي يتناسب مع جهودهم. حلمي كمترجم أن تتحقق تلك الأمنيات العامة، وأن أواصل في ما تبقى لي ترجمة نصوص أدبية فقط، سواء كانت رواية أو شعرًا.


بطاقة
شاعر ومترجم مصري من مواليد عام 1956. صدر له في الشعر: "أزدحم بالممالك" (1980)، "يهبط الحلم بصاحبه" (1993)، "للعبد ديار وراحلة" (2001). ترجم أكثر من عشرين كتاباً، من بينها: "فنتازيا الغريزة، لـ د. ه. لورانس (1993)، "نظرية الأدب المعاصر وقراءة الشعر"لـ بشبندر (1996)، "فرويد وبروست ولاكان" لـ مالكولم بوي (2009)، "أفكار شكسبير"، لـ ديفيد بِفينغتون (2010) "فضائح الترجمة" لـ لورانس فينتي (2010).

المساهمون