مفاوضات صنعاء الفاشلة: تغطية لتوسُّع الحوثيين منذ عامين

09 فبراير 2015
تجاوزت جولات التفاوض مطالب الحوثيين وشكلت غطاء لها (الأناضول)
+ الخط -
لم تمرّ إلا ساعات قليلة على الخبر "السعيد"، الذي زفّه المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بنعمر، لناحية إعلانه موافقة القوى السياسية على العودة إلى طاولة المفاوضات، حتّى أعلن حزبا "التنظيم الوحدوي الناصري" و"الإصلاح" انسحابهما، احتجاجاً على تهديدات وجهها مدير مكتب زعيم "أنصار الله"، عبد الملك الحوثي، وأحد ممثلي الجماعة في التفاوض، مهدي المشاط، لتعود المشاورات إلى حلقتها المفرغة.
ويوضح الأمين العام للتنظيم الوحدوي الناصري، عبدالله نعمان، بعد انسحابه وممثل حزب الإصلاح، محمد قحطان، أنّ القوى السياسية اتفقت مع المبعوث الأممي على أن يعلن أمام الإعلام، أنّ الأمم المتحدة لا تعترف بما سماه الحوثيون "الإعلان الدستوري"، وهو ما لم يحدث من المبعوث الذي أشار إلى هذه النقطة ضمنيّاً.

ويشير نعمان، وفق تصريحات أوردها الموقع الرسمي للحزب، إلى أنّه "بمجرد انسحاب الإعلاميين فوجئنا بمهدي المشاط، أحد ممثلي جماعة الحوثي، يوجّه تهديدات لي ولمحمد قحطان، من شأنها إجبارنا على عدم الحديث وعدم إبداء أي ملاحظات أو اعتراضات على الإجراءات التي يفرضونها بالقوة، وكان ذلك سبباً في الانسحاب"، نافيّاً ما تردد في وسائل الإعلام، عن اشتباك بالأيدي بينه وبين ممثل الحوثي.
وتُعدّ المفاوضات الجارية حلقة من مسلسل اعتاد اليمنيون على متابعته في العامين الأخيرين، وينظر إليه البعض بسخرية، إذ تفرض المليشيات الأمر الواقع وتزداد التعقيدات الأمنيّة والسياسيّة، فيما ينتقل المحاورون كلّ مرة إلى مربع جديد، يجعل المفاوضات وكأنّها مجرّد غطاء للخراب الدائر وللجماعة التي ابتلعت جزءاً كبيراً من البلاد.

ويعكس الحوار مع الحوثي تحديداً، سخرية العملية الجارية، إذ قبل أكثر من عام كان المفاوضون يتحاورون حول إعادة أجهزة الدولة إلى محافظة صعدة، معقل الجماعة، والتي سقط مركزها في أيدي الحوثيين عام 2011. وفي عام 2014، توسّعت الجماعة باتجاه العاصمة، وسيطرت على محافظة عمران، وعادت المفاوضات من جديد لمطالبة الحوثيين بالانسحاب من عمران، واستمر الأمر كذلك حتى وصلت الجماعة إلى ضواحي العاصمة صنعاء وطوقتها من مداخلها كافة.

وبينما كان مسلحو الجماعة يجتاحون العاصمة في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، وقّع الفرقاء السياسيون في دار الرئاسة برعاية المبعوث الدولي، "اتفاق السلم والشراكة"، ولم يكن الاتفاق إلا غطاء لسيطرة الجماعة على العاصمة، حسب وصف العديد من السياسيين والمسؤولين.
بعد السيطرة على صنعاء، عادت المفاوضات والمشاورات السياسية، على قاعدة مطالبة الحوثيين بالانسحاب من صنعاء وتسليم مؤسّسات الدولة. واستمرّ الأمر على هذا النحو، حتى أكملت الجماعة سيطرتها باقتحام الرئاسة وإسقاط الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي وحكومة خالد بحاح، ووضعهما تحت الإقامة الجبريّة. وبهذا الحدث، انتقلت المفاوضات على قاعدة جديدة، وهي المطالبة بانسحاب الحوثيين من الرئاسة وإخلاء سبيل الرئيس.

ومع فشل المفاوضات على الانسحاب من الرئاسة وتشكيل مجلس رئاسي، أقدمت جماعة الحوثي، على إصدار "إعلان دستوري" نقلت بموجبه الحكم إليها عبر ما يسمى "اللجنة الثورية"، وظهر زعيم الجماعة في خطاب متلفز، يؤكد فيه أنّ أي حوار يجب أن يتم حول الإعلان وليس ما قبله. لكنّ المبعوث الأممي، أطل، مساء الأحد الماضي، ليقول: "يسعدني أن أخبركم أنه وبعد مشاورات مع الأطراف السياسية وتواصلنا المباشر مع السيد عبد الملك الحوثي، وافقت الأطراف على استئناف المشاورات للتوصّل إلى حل سياسي يخرج اليمن من الأزمة الحالية".

ولم يكن الخبر سعيداً بالنسبة للعديد من اليمنيين، الذين باتت هذه المفاوضات بالنسبة إليهم، أقرب إلى "مسخرة" أو "مؤامرة"، إذ تدرّج التفاوض من انسحاب الحوثيين من صعدة، قبل المطالبة بالانسحاب من عمران، مروراً بالمطالبة بالانسحاب من صنعاء، فالتفاوض على الانسحاب من الرئاسة وإخلاء سبيل الرئيس، وصولاً إلى "الإعلان الدستوري"، الذي أعلنت الجماعة بموجبه حلّ آخر مؤسّسات الدولة الدستوريّة، ممثلة في البرلمان وتسلّمت السلطة.

وكان واضحاً أنّ استمرار المفاوضات والانتقال كل مرة إلى مربع جديد، أحد أبرز أسباب تعذّر الاتفاق الأخير، فانتفض التنظيم الناصري ولحقه حزب الإصلاح، مطالبين بضمانات لتنفيذ أي اتفاق قبل توقيعه، باعتبار أنّ التوقيع في ظلّ استمرار الأمر الواقع، هو غطاء سياسي أكثر منه اتفاقاً حقيقيّاً.
ويُذكر أنّه حتى عام 2011، لم يكن الحوثيون جماعة معترفاً بها سياسيّاً، بقدر كونها حركة تمرّد في أقصى شمال البلاد، ومن معجزات المرحلة الانتقالية قفزها لتصبح الرقم الأول في البلاد، فيما بات هناك من يدعو إلى ترك الجماعة تتحمّل وحدها مسؤوليّة السلطة في اليمن، وذلك بالتأكيد أكبر من قدرتها على الحكم. لكنّ بقاء العمليّة السياسيّة على هذا النحو يجعل البلاد في حالة من الدولة واللادولة، بينما تتزايد التعقيدات كل يوم.

المساهمون