تبادلت الولايات المتحدة والنظام السوري وأتباعه التهديدات باستهداف بعضهما البعض، فيما برز أمس تهديد "غرفة عمليات قوات حلفاء سورية"، للمرة الأولى، القوات الأميركية خارج سورية، بأنها قد تتعرض إلى هجمات، ما قد ينقل المعركة الدائرة على الأرض السورية إلى مرحلة جديدة، إذا نفذت هذه "الغرفة" تهديدها.
وكانت معارك البادية السورية قد شهدت تدخلاً جديداً من جانب طيران التحالف الدولي، الذي قصف، للمرة الثانية خلال 20 يوماً، رتلاً لمليشيات تابعة إلى إيران قرب منطقة التنف الواقعة على المثلث الحدودي بين سورية والأردن والعراق. وذكر بيان للتحالف أن المجموعة المستهدفة كانت مؤلفة "من أكثر من 60 مقاتلاً، مزودين بدبابة ومدفعية، وكانت تشكل تهديداً لقوات التحالف الموجودة في التنف". وأوضح أن القوات المستهدفة كانت "متقدمة في منطقة الـ55 كيلومتراً حول التنف، والتي يعتبر أي توغل فيها بمثابة خطر". وتابع أن "التحالف لا يسعى إلى قتال النظام السوري أو القوات الموالية له، لكنه مستعد للدفاع عن نفسه إذا رفضت قوات موالية للنظام مغادرة المنطقة المذكورة"، مشيراً إلى أنه وجه تحذيرات عدة قبل القصف، عبر الخط الهاتفي الخاص الذي أقامه التحالف مع روسيا، الداعمة لدمشق، من أجل تجنب أي حوادث في سورية. وأوضح البيان أنه تم تدمير "قطعتين من سلاح المدفعية، وقطعة واحدة من المنظومات المضادة لسلاح الجو، إضافة إلى تعطيل دبابة". وتأتي هذه الغارات بعد نحو أسبوع من إلقاء طائرات التحالف الدولي مناشير فوق مناطق قوات النظام والمليشيات في البادية، تطالب بعدم تجاوز حاجز ظاظا القريب من منطقة السبع بيار، والتي تبعد نحو 55 كيلومتراً عن معبر التنف الحدودي مع العراق.
وهددت "غرفة عمليات قوات حلفاء سورية"، في بيان أمس الأربعاء، باستهداف تجمعات للقوات الأميركية في سورية والمنطقة في الوقت المناسب. وقال قائد "غرفة عمليات قوات حلفاء سورية"، لم يكشف عن اسمه في بيان لم يتبين إذا كانت موسكو من الموقعين عليه، إن "العدوان الجبان الذي قامت به أميركا، تحت عنوان ما تسميه التحالف ضد الإرهاب، هو تصرف متهور وخطير، وخير دليل على كذب أميركا ونفاقها في مواجهة الإرهاب". وأضاف إن "أميركا تعلم جيداً أن دماء أبناء سورية والجيش العربي السوري والحلفاء ليست رخيصة، وأن القدرة على ضرب نقاط تجمعهم في سورية وجوارها متوفرة ساعة تشاء الظروف، بناء للمتوفر من المنظومات الصاروخية والعسكرية المختلفة، في ظل انتشار قوات أميركية بالمنطقة". واعتبر أن "التزام حلفاء سورية الصمت ليس دليلاً على الضعف، بقدر ما يمثل عملية ضبط نفس مورست بناء على تمني الحلفاء إفساحاً في المجال لحلول أخرى"، محذراً من أن "هذا التوجه من جانب حلفاء سورية لن يدوم طويلاً إذا تمادت أميركا وتجاوزت الخطوط الحمراء". واتهم "قائد" الغرفة "الولايات المتحدة بخدمة الإرهابيين والسعي للحفاظ على بؤر إرهابية على أراضي سورية لتنفيذ مهام محددة بناء لأوامرها، عبر ضرب قوات الجيش السوري"، متسائلاً إن "الجيش السوري وحلفاءه في البادية يقاتلون الإرهابيين أنفسهم الذين تدّعي أميركا أنها جاءت لقتالهم، فكيف تبرر أميركا ضربها لقوات الجيش وحلفائه؟". واعتبر أن "الجماعات الإرهابية هم أدوات بيد أميركا التي أنشأت تلك المنظومة". وكانت وكالة "سانا"، التابعة للنظام السوري، نقلت عن مصدر عسكري قوله إن "طيران ما يدعى بالتحالف الدولي قام بالاعتداء على أحد مواقع الجيش العربي السوري على طريق التنف، في منطقة الشحيمة بريف حمص الشرقي، ما أدى إلى ارتقاء عدد من الشهداء وبعض الخسائر المادية".
واعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن الضربات التي وجهها التحالف الدولي للمليشيات "عمل عدواني" ضد القوات "الأكثر فاعلية" ضد تنظيم "داعش". وقال، في مؤتمر صحافي في موسكو، "إنه عمل عدواني ينتهك سيادة ووحدة أراضي سورية، وموجه، شئنا أم أبينا، إلى القوات الأكثر فاعلية على الأرض في مكافحة تنظيم داعش". وأضاف "بالتأكيد، نحن قلقون". وتابع، "فيما يخص الإيضاحات التي تحدّث عنها التحالف، معلناً أن هذه القوات الموالية للحكومة خرقت مناطق تخفيف التصعيد، أنا لا أعرف شيئاً عن هذه المناطق. ربما الحديث يدور عن أراض حددها التحالف من جانب واحد. نحن لا نستطيع الاعتراف بهذه المناطق. نعتبر الإعلان عن مناطق تخفيف التصعيد بشكل أحادي من دون موافقة دمشق أمرا غير شرعي". وأعلن نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الدوما الروسي، فرانس كلينتسيفيتش، أن روسيا ستطالب بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بعد ضربة التحالف الأميركي ضد قوات النظام. ووصف الضربة بأنها "عمل عدواني".
وقال المبعوث الأميركي للتحالف الدولي، بريت مكغورك، إن واشنطن تعول على اتصالاتها المنتظمة مع موسكو لتجنب نشوب نزاع مع مليشيات تابعة لإيران. وأشار إلى أن الغارة الجوية الأميركية على المليشيات كان يراد منها الدفاع عن القوات الأميركية هناك. وأعلن أن القيادة العسكرية الأميركية في المنطقة على اتصال يومي بالجيش الروسي لتجنب وقوع لبس مع قوات النظام، موضحاً أن المنطقة تعرضت للقصف أخيراً، وكان على القوات الأميركية أن تدافع عن نفسها. وأضاف "نحن حقا نعتمد على الروس عبر قنوات عدم الاشتباك للمساعدة في حل هذه الأمور، ولهذا من الواضح أننا نأمل ألا يحصل هذا ثانية" في إشارة إلى غارات المليشيات.
وتقع التنف على طريق دمشق بغداد على الحدود مع العراق، وعلى مسافة غير بعيدة من الحدود الأردنية. وكان التحالف شن ضربة مماثلة في المنطقة في 18 مايو/أيار على مليشيات تدعمها إيران وفق وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون. ويدرب عسكريون أميركيون وبريطانيون في التنف قوات سوريّة محلية للتصدي لتنظيم "داعش". وتأتي هذه الضربات في سياق تنافس أطراف عدة للسيطرة على معبر التنف، إذ تسعى قوات من "حزب الله" ومليشيات إيرانية، إلى جانب عناصر من قوات النظام السوري، للوصول إلى تلك المنطقة، بالتوازي مع وصول قوات من مليشيا "الحشد الشعبي" في العراق إلى منطقة الحدود، بتنسيق بين الجانبين، للسيطرة على طول الحدود بين العراق وسورية. وتعد هذه رابع ضربة تتلقاها قوات النظام من قبل التحالف الدولي، الذي تقوده أميركا. وكانت تعرضت لأول ضربة في النصف الثاني من سبتمبر/أيلول من العام الماضي، والتي استهدفت جبل الثردة ومحيط مطار دير الزور العسكري، قضى خلالها 90 عنصراً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، فيما تلقى مطار الشعيرات العسكري بريف حمص ثاني ضربة، إذ استهدفته الولايات المتحدة بضربات صاروخية أدت إلى مقتل نحو 10 من عناصر قوات النظام بعد استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون. وتعرض رتل من قوات النظام لثالث ضربة في 18 مايو/أيار الماضي.
استهداف "جيش خالد"
وفي خطوة هي الأولى من نوعها، قصف طيران، يعتقد أنه تابع للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، مقراً لما يسمى "جيش خالد بن الوليد"، التابع لتنظيم "داعش"، في حوض اليرموك غرب درعا، ما أدى إلى مقتل أربعة من قادته، إضافة إلى 12 عنصراً. ونعى "الجيش" مقتل "الأمير العام" للتنظيم في حوض اليرموك، أبو محمد المقدسي، و"الأمير" في التنظيم، أبو دجانة الإدلبي، و"الأمير" العسكري، أبو عدي الحمصي، و"الأمير الشرعي"، أبو علي شباط. من جهته، رجح قائد "تجمع توحيد الأمة"، المنتشر بمحاذاة حوض اليرموك، خالد الفراج (أبو عدي)، أن يكون القصف إسرائيلياً. وقال الفراج، لـ"العربي الجديد"، إنه بالاعتماد "على مراصدنا على الأرض، فإن طائرات إسرائيلية هي التي شنت الغارات". وحول ما إذا كان لدى الفصائل خطط لاستغلال حالة الإرباك التي أصابت التنظيم عقب الضربة الجوية، والقيام بهجوم على مواقعه في حوض اليرموك، قال الفراج إن الفصائل قصفت بالفعل مواقع التنظيم، لكنها لم تبادر إلى القيام بهجوم شامل بسبب نقص الذخيرة بكل أنواعها.
وكانت المعلومات أشارت إلى أن الطيران استهدف على دفعات مبنى المحكمة الشرعية التابعة إلى "جيش خالد بن الوليد" في بلدة الشجرة بـ 8 صواريخ، ما أدى الى تدميره بشكل كامل ومقتل القادة الأربعة الذين كانوا يعقدون اجتماعاً فيه. وعقب الاستهداف الأول بثلاث ساعات، عاد الطيران الحربي إلى استهداف مواقع "جيش خالد" في بلدة جملة، ما تسبب بوقوع مزيد من الإصابات. وقام "جيش خالد" على أثر الاستهداف بفرض حظر تجوال في مناطق سيطرته، وأقفل محال الإنترنت في حوض اليرموك، ونشر الأسلحة الثقيلة على مداخل البلدات الخاضعة لسيطرته خوفاً من أي هجوم لفصائل المعارضة. وقام بدفن قتلاه في مقبرة بلدة تسيل غرب درعا الخاضعة لسيطرته. وسارع إلى تعيين قائد جديد لـ"الجيش"، هو محمد رفعات الرفاعي (أبو هاشم العسكري)، وهو من تل شهاب بريف درعا. من جهتها، عمدت فصائل المعارضة الى استهداف مواقع "جيش خالد" في شركة الليبية غرب درعا براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مقار لـ"جيش خالد"، المرتبط بتنظيم "داعش" من قبل الطيران الحربي بهذا الشكل، وإن كان الطيران الإسرائيلي قصف سابقاً مركزاً للتنظيم على الحدود مع الجولان المحتل، إثر مناوشات بين الجانبين.
استهداف النظام لدرعا
في غضون ذلك، واصلت قوات النظام السوري استهداف مدينة درعا وريفها بجميع أنواع الأسلحة. وألقت الطوافات براميل متفجرة على أحياء درعا البلد في مدينة درعا، بالتزامن مع سقوط عدد من صواريخ أرض -أرض من طراز "فيل"، وعشرات قذائف الهاون والمدفعية مصدرها قوات النظام المتمركزة في درعا المحطة. وقال ناشطون إن هذا القصف على أنحاء مختلفة من محافظة درعا أسفر الثلاثاء وحتى صباح أمس الأربعاء عن مقتل 17 مدنياً وإصابة آخرين. وكان "مكتب توثيق الشهداء" في درعا، أعلن سقوط 65 قتيلاً في المحافظة، خلال مايو الماضي، جراء القصف والمعارك وتفجيرات مختلفة، وكان لدرعا المدينة النسبة الأكبر بـ22 بينهم عشرة مقاتلين. وتشهد محافظة درعا في الأيام الأخيرة حملة عسكرية عنيفة من قبل قوات النظام والمليشيات المساندة لها، عقب وصول أرتال عسكرية تابعة للنظام والمليشيات وروسيا إلى المحافظة، في محاولة لاسترجاع المناطق التي خسرها النظام أخيراً في درعا البلد.
ريف حماة
وتتواصل الاشتباكات في ريف حماة الشرقي بين قوات النظام وتنظيم "داعش". وتبادل الجانبان القصف المدفعي، وذلك عقب اشتباكات بينهما في منطقة وادي العذيب على طريق سلمية – أثريا ومنطقة خط البترول في الريف الشرقي لحماة، في محاولة من التنظيم للتقدم في المنطقة. وحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، فإن "العشرات من ضباط وعناصر قوات النظام والمسلحين الموالين لها قتلوا في المعارك الدائرة في ريف مدينة سلمية، في الريف الشرقي لحماة". وذكر أنه وثق مقتل ما لا يقل عن 46 عنصراً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية في المعارك العنيفة التي دارت بين الجانبين خلال اليومين الماضيين.