14 نوفمبر 2024
معركة جماعة الحوثي وقبائل البيضاء.. اتجاه واحد
تنفرد بعض جبهات الحرب في اليمن بخصوصيتها بوصفها مناطق مواجهات مستمرة، بحيث لم تؤثر عليها أجندات القوى السياسية اليمنية التي أخضعت معظم الجبهات لمصالحها المتغيرة. وفي هذا السياق، تحتل مدينة البيضاء موقعاً محورياً كرافعة اجتماعية في مقاومة جماعة الحوثي، وذلك لعدائها التاريخي لنظام الإمامة التي تشكل الجماعة امتداداً سياسياً وتاريخياً له، الأمر الذي انعكس على صلابة مقاومتها الشعبية، بحيث تحوّلت البيضاء إلى ساحة استنزاف رئيسية لمقاتلي الجماعة. وفي حين تتصاعد المواجهات العسكرية بين قوات السلطة الشرعية ومقاتلي جماعة الحوثي في جبهات المدينة، مع محاولة الجماعة الاحتفاظ بتمثيل سياسي ضئيل في بعض مديرياتها، فإن الحراك القبلي الذي تشهده المدينة على خلفية مقتل المواطنة، جهاد الأصبحي، على يد مسلحي جماعة الحوثي، قد يغذّي حدّة المعارك في المدينة، بحيث تدفع الصراع إلى مربّع جديد، ما قد ينعكس على جبهات الحرب الأخرى، وذلك للموقع الاستراتيجي لمدينة البيضاء، حيث تقع في وسط اليمن، وتتصل بثماني مدن، مأرب وذمار وإب وصنعاء في الشمال، وأبين والضالع ولحج وشبوة في الجنوب، تتوزع بين سيطرة السلطة الشرعية وسيطرة جماعة الحوثي. وفيما تلعب العقيدة المقاتلة لأهالي مدينة البيضاء دوراً في ترجيح الموازين لصالح السلطة الشرعية، في حال أرادت استغلال الحراك القبلي ضد الحوثيين، فإن حساباتٍ أخرى قد تؤثر على تطورات المشهد القبلي، كاستجابة القبائل لداعي "النكف" الذي أطلقه الشيخ ياسر العواضي، ودخولها الحرب ضد الحوثيين، وكذلك أثر التناقضات البينية في معسكر خصوم الحوثي على موزاين القوى في البيضاء، فضلاً عن الخيار الذي قد تلجأ إليه جماعة الحوثي، بما يتناسب مع خياراتها السياسية.
يتصدّر ياسر العواضي، أبرز مشايخ قبيلة آل عواض في منطقة ردمان، نائب رئيس المؤتمر
الشعبي العام، الحراك القبلي الحالي في البيضاء، بعد مقتل إحدى نساء قبيلته على أيدي مسلحي الحوثي، وهو ما يعني تغيراً لافتاً في تموضعاته السياسية الحذرة التي انتهجها بعد أحداث ديسمبر/ كانون الأول 2017، والتي أسفرت عن مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح. فعلى الرغم من استمرار نهجه الحذر في إدارة خلافه مع جماعة الحوثي، من خلال الوساطات القبلية، بما في ذلك الوساطة العُمانية، فإن رفض الجماعة مطلب ذوي الدم بتسليم القتلة، وكذلك فشل الوساطة العُمانية، دفع العواضي إلى اتخاذ موقفٍ أكثر صرامةً للانتصار لقضية جهاد، وللحفاظ على استحقاقه الاجتماعي باعتباره شيخاً قبلياً، حيث نجح، إلى حد كبير، في توحيد مشايخ قبائل البيضاء، بما في ذلك المشايخ الذين ظلوا محايدين في الحرب، كما دعا إلى "النكف" القبلي، لتحشيد القبائل اليمنية ضد الحوثيين خياراً أخيراً تلجأ إليه القبائل المُعتدى عليها للدفاع عن نفسها، حيث تجاوبت بعض قبائل مأرب ويافع للنكف القبلي للتصدّي للحوثيين، الأمر الذي جعل مراقبين يراهنون على قدرة العواضي في إدارة المعركة ضد الحوثيين، بما يؤدي إلى تخليق انتفاضة قبلية شاملة، تتمكّن من طردهم من المدينة. ومع أهمية حراك قبائل البيضاء الذي يتصدّره الشيخ العواضي، بما في ذلك انعكاسه على مستقبل القبائل وعلى جماعة الحوثي، فإن عوامل عديدة قد تجعل حراك قبائل البيضاء لا يحقق غاياته السياسية.
تشكّل المواقف السياسية للقيادي في المؤتمر الشعبي العام، الشيخ ياسر العواضي، في الحرب الحالية، إحدى نقاط ضعفه القاتلة، بحيث قد تؤثر على الحراك القبلي في مدينة البيضاء، إذ إن هروبه من العاصمة صنعاء بعد مقتل الرئيس صالح على يد جماعة الحوثي، وكذلك عدم اتخاذه موقفاً مناوئاً للجماعة ما زالا يثيران تساؤلات عديدة عند "المؤتمريين"، الأمر الذي أدّى إلى انقسامهم حيال موقفه الأخير من جماعة الحوثي، بما في ذلك غموض موقفه من انخراط مؤتمر صالح بالقتال ضدهم. ومن جهة أخرى، ومع أهمية "النكف" القبلي الذي دعا إليه العواضي في حشد قبائل البيضاء والقبائل اليمنية عموماً، فإن فعالية "النكف" ترتهن بعامل الوقت، إذ قد تتململ القبائل في حال تأجلت المواجهة مع جماعة الحوثي إلى وقت أطول. ومن جهة ثالثة، قد تضغط التجاذبات السياسية في معسكر خصوم الحوثي على تطورات أحداث البيضاء، وتحديداً حزب التجمع اليمني للإصلاح، وذلك من خلال توظيفه السياسي عدم اعتراف الشيخ العواضي بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي مبرّراً لضرورة حياد الشرعية في الصراع، بما في ذلك زجّ الجيش في مواجهات عسكرية مع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، كما يحدث حالياً في جبهة أبين، خوفاً من تغيير المشهدين، العسكري والقبلي، في مدينة البيضاء لصالح مؤتمر صالح. ولذلك يعتقد مراقبون أن حراك قبائل البيضاء قد ينتهي كانتفاضة "حجور" في مدينة حجّة التي ضحت بها الشرعية لأسباب مشابهة، إلا أن اختلاف جغرافيتي المدينتين، وكذلك الجذور التاريخية المتأصلة لعداء الحوثي في البيضاء، تجعل الوضع في المدينة مختلفاً، فيما تبقى الكرة في مربع السلطة الشرعية.
على مدى سنوات الحرب، ظلت البيضاء شوكة في خاصرة جماعة الحوثي، بحيث فشلت في
استمالة قبائلها، فيما اعتمدت على نفوذ الرئيس صالح إبّان تحالفها معه للدخول إلى المدينة، حيث حيد بعض مشايخ قبيلة آل عواض في مديرية مُراد، بالتنسيق مع الشيخ ياسر العواضي حينها، بحيث استطاعت جماعة الحوثي إدخال بعض مشرفيها في تلك المنطقة، بما في ذلك استقطاب بعض المشايخ الصغار، كالشيخ ماجد الذهب، أحد مشايخ قيفة، إلا أن ذلك لم يؤثر على تماسك جبهة البيضاء كأهم وأخطر جبهة قاتلت جماعة الحوثي، فقدت فيها أهم قياداتها العسكرية، وبالتالي يمثل ضلوع الجماعة بقتل المواطنة جهاد عبئاً سياسياً إضافياً بالنسبة لها، قد تترتب عليه تبعاتٌ كثيرة، باعتباره جريمةً أخلاقية، وتعدّياً على الأعراف القبلية، وعلى حرمة القبائل اليمنية، بحيث قد يوحد القوى القبلية في البيضاء ضدها، بما في ذلك بعض مشايخ القبائل الذين ظلوا موالين لها، وهو ما يعني فتح جبهةٍ جديدةٍ مع قبائل البيضاء، إضافة إلى جبهات المدينة التي يقاتل فيها أبناؤها الحوثيين، الأمر الذي لا يصبّ في صالح جماعة الحوثي، خصوصاً مع تصدر الشيخ ياسر العواضي المواجهة، والذي قد يؤدي إلى انسحاب نفوذها الشكلي من منطقة مُراد، وفقدانها حليفاً محايداً أمنت شرّه طويلاً، بيد أن الجماعة التي لا تفكر بعواقب ممارساتها يتساوى في منطقها التنكيل بحلفائها قبل خصومها.
لم يكن قتل جهاد أول انتهاك تمارسه جماعة الحوثي بحق القبائل اليمنية، إذ نفذت في السنوات الأخيرة حملات على بعض القبائل أسفرت عن مقتل مئات من أبنائها، إلا أن هذه الحادثة اكتسبت أهمية، من حيث حيزها الجغرافي وأبعادها السياسية والاجتماعية؛ فعلى الرغم من محاولة الجماعة التنصل من مسؤوليتها السياسية والأخلاقية عن قتل جهاد، إذ ادّعت أن قتلها خطأ غير مقصود في أعقاب حملة فاشلة على عناصر تنظيم القاعدة في مديرية ردمان، فإن ذلك يتنافى مع حقيقة أن القاعدة تحضر في أطراف مدينة البيضاء، لا في المناطق المكتظة بالسكان، كما أن توظيف الجماعة تنظيم القاعدة في سياق جريمة مكتملة الأركان يتنافى مع تعاطيها مع التنظيم، إذ لم ينخرط مقاتلو الحوثي في قتالهم، على الرغم من تبرير الجماعة حربها على مدينة البيضاء بمحاربة تنظيم القاعدة. إلا أن رفض الجماعة تنفيذ مطالب مشايخ البيضاء بتسليم القتلة يأتي امتداداً لسياستها في تكريس انتهاكاتها بحق اليمنيين، إذ يمثل الإفلات من العقاب وحماية المجرمين نهجاً واضحاً لها، من منطلق كونها أحد أطراف الصراع المنتهكة لليمنيين. كما أن
تسليم قتلة المواطنة جهاد يعني ضرب سلطة جماعة الحوثي، إذ تشكل سلطة "المُشرفين" ذراعها الباطشة التي تتكئ عليها في ترهيب المواطنين في المناطق الخاضعة لها، وبالتالي فإن تجريم بعض أعضائها يفتح عليها جبهات جديدة مع القبائل الأخرى، مع استمرار جرائم مشرفيها ضد المواطنين. لذلك تحرص الجماعة على حمايتهم، لتحمي نفسها من المساءلة. ومن جهة أخرى، تعتقد جماعة الحوثي أن تسليم القتلة يعني تقديم تنازلات سياسية، الأمر الذي يناقض سياستها في إدارة علاقاتها مع القبائل، والتي تعتمد على إخضاعهم بالقوة، وإن استثمرت أبناء تلك القبائل في الجبهات، فضلاً عن أن عداءها لأهالي البيضاء، وتحول جبهات الحرب في المدينة إلى منحى طائفي، يجعل الجماعة أكثر تعنتاً مع قبائلها، بحيث قد لا تخضع لشروطها بسهولة.
ما بين حرمة الدم اليمني والإفلات من العقاب، وإن أتى في سياق محمولاتٍ قبلية، تنحصر معركة قبائل البيضاء ضد جماعة الحوثي. وفيما لا يمكن التكهن بمآلات التطورات القبلية في مدينة البيضاء، والمفتوحة على احتمالات عديدة، إذا استثمرتها أطراف الصراع، فإن جماعة الحوثي قد تحاول كسب الجولة لصالحها، وذلك بالتقيد بالوساطات القبلية لإقناع قبائل البيضاء بالتنازل عن شروطها، أو تضطر كُرهاً لتسليم القتلة لتفويت الفرصة على خصومها، أو أن تعوّل على العامل الزمني لتكريس الانقسامات في معسكر الشرعية، وتستغل الحادثة لتصفية خصومها في المدينة، بدءاً بضرب الحراك القبلي، وعلى رأسه الشيخ ياسر العواضي، حيث قد يدفع استمرار تصاعد المواجهات بين مقاتلي جماعة الحوثي وقوات الشرعية في مديرية قانية ودخول طيران التحالف العربي على الخط، الجماعة في حال فشلت في التفاهم مع مشايخ البيضاء، إلى قطع الطريق بين مديرية قانية ومُراد، معقل الشيخ العواضي، بحيث تلتف عليه وتخضعه لإرادتها أو تذهب بعيداً وتقوم بتصفيته، والذي يعني، في حال حدوثه، ليس ضرب القبائل اليمنية فقط، وإنما سحق اليمنيين ربما لسنوات مقبلة.
تشكّل المواقف السياسية للقيادي في المؤتمر الشعبي العام، الشيخ ياسر العواضي، في الحرب الحالية، إحدى نقاط ضعفه القاتلة، بحيث قد تؤثر على الحراك القبلي في مدينة البيضاء، إذ إن هروبه من العاصمة صنعاء بعد مقتل الرئيس صالح على يد جماعة الحوثي، وكذلك عدم اتخاذه موقفاً مناوئاً للجماعة ما زالا يثيران تساؤلات عديدة عند "المؤتمريين"، الأمر الذي أدّى إلى انقسامهم حيال موقفه الأخير من جماعة الحوثي، بما في ذلك غموض موقفه من انخراط مؤتمر صالح بالقتال ضدهم. ومن جهة أخرى، ومع أهمية "النكف" القبلي الذي دعا إليه العواضي في حشد قبائل البيضاء والقبائل اليمنية عموماً، فإن فعالية "النكف" ترتهن بعامل الوقت، إذ قد تتململ القبائل في حال تأجلت المواجهة مع جماعة الحوثي إلى وقت أطول. ومن جهة ثالثة، قد تضغط التجاذبات السياسية في معسكر خصوم الحوثي على تطورات أحداث البيضاء، وتحديداً حزب التجمع اليمني للإصلاح، وذلك من خلال توظيفه السياسي عدم اعتراف الشيخ العواضي بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي مبرّراً لضرورة حياد الشرعية في الصراع، بما في ذلك زجّ الجيش في مواجهات عسكرية مع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، كما يحدث حالياً في جبهة أبين، خوفاً من تغيير المشهدين، العسكري والقبلي، في مدينة البيضاء لصالح مؤتمر صالح. ولذلك يعتقد مراقبون أن حراك قبائل البيضاء قد ينتهي كانتفاضة "حجور" في مدينة حجّة التي ضحت بها الشرعية لأسباب مشابهة، إلا أن اختلاف جغرافيتي المدينتين، وكذلك الجذور التاريخية المتأصلة لعداء الحوثي في البيضاء، تجعل الوضع في المدينة مختلفاً، فيما تبقى الكرة في مربع السلطة الشرعية.
على مدى سنوات الحرب، ظلت البيضاء شوكة في خاصرة جماعة الحوثي، بحيث فشلت في
لم يكن قتل جهاد أول انتهاك تمارسه جماعة الحوثي بحق القبائل اليمنية، إذ نفذت في السنوات الأخيرة حملات على بعض القبائل أسفرت عن مقتل مئات من أبنائها، إلا أن هذه الحادثة اكتسبت أهمية، من حيث حيزها الجغرافي وأبعادها السياسية والاجتماعية؛ فعلى الرغم من محاولة الجماعة التنصل من مسؤوليتها السياسية والأخلاقية عن قتل جهاد، إذ ادّعت أن قتلها خطأ غير مقصود في أعقاب حملة فاشلة على عناصر تنظيم القاعدة في مديرية ردمان، فإن ذلك يتنافى مع حقيقة أن القاعدة تحضر في أطراف مدينة البيضاء، لا في المناطق المكتظة بالسكان، كما أن توظيف الجماعة تنظيم القاعدة في سياق جريمة مكتملة الأركان يتنافى مع تعاطيها مع التنظيم، إذ لم ينخرط مقاتلو الحوثي في قتالهم، على الرغم من تبرير الجماعة حربها على مدينة البيضاء بمحاربة تنظيم القاعدة. إلا أن رفض الجماعة تنفيذ مطالب مشايخ البيضاء بتسليم القتلة يأتي امتداداً لسياستها في تكريس انتهاكاتها بحق اليمنيين، إذ يمثل الإفلات من العقاب وحماية المجرمين نهجاً واضحاً لها، من منطلق كونها أحد أطراف الصراع المنتهكة لليمنيين. كما أن
ما بين حرمة الدم اليمني والإفلات من العقاب، وإن أتى في سياق محمولاتٍ قبلية، تنحصر معركة قبائل البيضاء ضد جماعة الحوثي. وفيما لا يمكن التكهن بمآلات التطورات القبلية في مدينة البيضاء، والمفتوحة على احتمالات عديدة، إذا استثمرتها أطراف الصراع، فإن جماعة الحوثي قد تحاول كسب الجولة لصالحها، وذلك بالتقيد بالوساطات القبلية لإقناع قبائل البيضاء بالتنازل عن شروطها، أو تضطر كُرهاً لتسليم القتلة لتفويت الفرصة على خصومها، أو أن تعوّل على العامل الزمني لتكريس الانقسامات في معسكر الشرعية، وتستغل الحادثة لتصفية خصومها في المدينة، بدءاً بضرب الحراك القبلي، وعلى رأسه الشيخ ياسر العواضي، حيث قد يدفع استمرار تصاعد المواجهات بين مقاتلي جماعة الحوثي وقوات الشرعية في مديرية قانية ودخول طيران التحالف العربي على الخط، الجماعة في حال فشلت في التفاهم مع مشايخ البيضاء، إلى قطع الطريق بين مديرية قانية ومُراد، معقل الشيخ العواضي، بحيث تلتف عليه وتخضعه لإرادتها أو تذهب بعيداً وتقوم بتصفيته، والذي يعني، في حال حدوثه، ليس ضرب القبائل اليمنية فقط، وإنما سحق اليمنيين ربما لسنوات مقبلة.