لم تعد معركة تحرير الموصل "نظيفة" كما وعد رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، إذ تؤكد الأرقام المسربة حديثا أن مجازر فظيعة ارتكبت بالمدينة، التي أنهت شهرها الثامن من المعارك المتواصلة، بغية استعادتها من قبضة تنظيم "داعش"، وذلك بفعل القصف الجوي والصاروخي للقوات العراقية والتحالف الدولي، بقيادة واشنطن، أو بفعل الهجمات والتفجيرات للتنظيم، وكذلك الإعدامات الميدانية التي تنفذها الفصائل المسلحة الموالية لإيران، ممثلة بمليشيات "الحشد الشعبي" بدوافع طائفية.
8 آلاف قتيل سقطوا منذ السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأوَّل الماضي وإلى غاية مساء الاثنين الماضي، في مناطق الموصل بساحليها الأيمن والأيسر، وتل كيف وتل أسقف، والحضر وبادوش وبرطلة والحمدانية، وحمام العليل وبعشيقة ومخمور والبعاج، وسهل نينوى والقيارة، وفقا لتقارير ميدانية حصل عليها "العربي الجديد" من مصادر بالمستشفى الإيطالي الميداني في الموصل، ومسؤولين بوزارة الصحة العراقية، أكدتها منظمة "السلام لحقوق الإنسان" في أربيل، التي وصفتها بـ"القريبة من الواقع".
كما سقط 24 ألفا و700 جريح، من بينهم 16 ألف امرأة وطفل، أدخلوا إلى مستشفيات الحكومة أو المراكز الطبية التابعة للتحالف الدولي، أو المنظمات الإغاثية والإنسانية، أو تلك التابعة للأمم المتحدة.
ولايزال مصير نحو 900 مدني مجهولا، يعتقد أنهم قد تم إعدامهم بعد اختطافهم خلال رحلة الفرار من المعارك من قبل مليشيات "الحشد" و"وحدات منفلته" تعمل ضمن القوات النظامية الحكومية.
ولم يدرج، حتى الآن، في الأرقام الموجودة عدد الضحايا الذين ما زالوا تحت الأنقاض، بسبب عدم معرفة حقيقة أعدادهم، إلا أن تصريحا سابقا لنائب الرئيس العراقي، أسامة النجيفي، ذكر أن عددهم أكثر من 4 آلاف مدني يوجدون تحت أنقاض منازلهم.
وأوضح مسؤول بوزارة الصحة العراقية لـ"العربي الجديد" أن "الأرقام الحالية مفزعة، وتشير إلى استخدام سياسة الأرض المحروقة من قبل القوات المهاجمة"، مؤكدا أن "السلاح المستخدم بحد ذاته جريمة، كالقنابل والصواريخ والفسفور"، ومبينا أن "أي مسؤول غير مصرح له بالتحدث عن أرقام الضحايا".
واتهمت، الأربعاء، منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحكومة العراقية والتحالف بارتكاب جرائم في الموصل وصفتها بـ"الكبيرة".
ووفقا لبيان أصدرته المنظمة، فإن تلك القوات استخدمت أسلحة وقنابل بكميات كبيرة على الأحياء السكنية والمناطق المكتظة بالسكان، مؤكدة أنها وثقت 380 انفجارا في حي سكني نتيجة قنابل ألقيت من الطائرات على الزنجيلي.
من جهته، قال عضو مجلس نينوى (الحكومة المحلية)، أحمد الحمداني، لـ"العربي الجديد" في اتصال هاتفي، إن "عوائل كاملة انقطع نسلها بمعركة الموصل، بعدما قضي على كامل أفرادها"، موضحا أن "ما جرى بالموصل جريمة بشعة تذكرنا بصبرا وشاتيلا".
وأكد الحمداني أن "نسبة الخراب في الموصل تجاوزت 70 في المائة، طاولت البنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة على حد سواء"، منتقدا منع وسائل الإعلام من "إيصال صرخات الضحايا"، وفقا لقوله.
وذكر نائب رئيس "منظمة وهج الموصل"، لطيف النايف لـ"العربي الجديد" أن "حجم الخسائر البشرية يكشف عن استهتار بأرواح المدنيين من كلا الطرفين"، مضيفا: "الآن وجب أن نسأل أين هي الممرات الآمنة؟ وأين وعود وقف استخدام السلاح الثقيل؟ لقد تبخّرت كل الوعود السابقة.. تحررت الموصل، لكن بعد أن أحرقت".
وحاليا، يجري القتال للأسبوع الثاني على التوالي في مناطق الموصل القديمة، التي تشكل 4 في المائة فقط من مجموع مدينة الموصل، وهي كل ما تبقى لـ"داعش" بعد خسارته معظم أجزاء المدينة.
ووفقا لمصادر عسكرية عراقية، فإن القتال يدور في أحياء الشفاء وباب الطوب وباب البيض وحارة الآغا، وشارع الباشوات وأجزاء من حي الزنجيلي، وسط توقعات بوجود أكثر من 120 ألف مدني داخل دائرة القتال تلك، ما يجعل فاتورة ضحايا الموصل مفتوحة حتى إشعار آخر.
والموصل ثاني أكبر مدن العراق بعد بغداد، وعرفت بهذا الاسم لكونها ملتقى طرق عدة تصل الشرق بالغرب، ويسكنها نحو ثلاثة ملايين نسمة، ويقطنها العرب المسلمون السنة والمسيحيون الكلدان والآشوريون والسريان.