معركة الكتب العربيّة في "نتسيريت عيليت"

07 ابريل 2015
يدرس بعض الأطفال في الناصرة (Getty)
+ الخط -

يعيشُ هاني سلوم في مدينة "نتسيريت عيليت" ذات الغالبية اليهودية، والواقعة على مقربة من مدينة الناصرة (أراضي الـ 48). لديه ثلاثة أولاد في المدرسة، لكنّ أحداً منهم لا يجد كتاباً واحداً باللغة العربية يلبي احتياجاته في المكتبة العامة المركزية التابعة للبلدية. لا يتعلق الأمر بالكتب فقط، إذ لا تقام أية فعاليات أو نشاطات باللغة العربية، وينطبق الأمر أيضاً على اللافتات في الشوارع.

عائلة سلوم ليست وحيدة. تتشابه معاناتها مع معاناة آلاف العرب في هذه المدينة، علماً بأنهم يشكلون نحو 20 في المائة من سكانها. مع ذلك، تصرّ البلدية على تهميش اللغة العربية، ورفض إنشاء مدرسة عربية.
في ظل الوضع الراهن، تقدمت جمعية "حقوق المواطن" بالتماس إلى محكمة الشؤون الإدارية في الناصرة، للمطالبة بإعادة الاعتبار للغة العربية.
يقول سلوم لـ "العربي الجديد" إنه "انتقل للإقامة في نتسيريت عيليت منذ عام 2001"، مضيفاً "لدي ثلاثة أولاد، أكبرهم في الصف التاسع، ويدرس في الناصرة إذ لا توجد مدرسة عربية هنا. وحين يحتاج إلى معلومات لإنجاز واجباته المدرسية، يلجأ إلى الإنترنت فقط لعدم وجود كتب بالعربية في المكتبة البلدية في نتسيرت عيليت. وهذا سيئ جداً". ويضيف: "أحب المطالعة وأحث أولادي على الأمر، ولا يعقل أن نُحرم من هذا الحق، وخصوصاً أن الكتب متوفرة بالعبرية والروسية والإنجليزية والفرنسية".

ويوضح سلوم أن الأمر "لا يقتصر على الكتب. فحتى النشاطات التي تشهدها المؤسسات العامة وغيرها من المراكز، كسرد القصص للأطفال، والمحاضرات، لا تعتمد العربية أبداً، علماً بأننا ندفع الضرائب ونقوم بواجباتنا". ويضيف: "بعدما توجهنا إلى البلدية مرات عدة، من خلال جمعية حقوق المواطن، وافقت على إقامة مكتبة صغيرة للعرب. لكن هذا يعني أيضاً الاستمرار في استثناء العربية من المكتبة العامة الرئيسية، وعزلنا والتخلص منّا كعرب. هذا مرفوض. أيضاً، أؤمن بأن الثقافة لا تعرف أية حواجز".

وفي محاولة لتعويض أولاده عن غياب الكتب العربية في مكتبات نتسيريت عيليت، يحرص سلوم على اصطحابهم إلى المكتبات في مدينة الناصرة المجاورة، لكن العمل والوقت لا يسعفانه في معظم الأحيان. يقول: "لو كانت الكتب العربية متوفرة في مكتبات المدينة التي يسكنها، لكان أولاده ذهبوا إليها وحدهم". ويؤمن بأن دور المكتبة يتجاوز توفير الكتب، إذ "تشكّل ملتقى ثقافياً واجتماعياً للناس، الأمر الذي يحتاجه سكان المدينة العرب أيضاً".

في السياق نفسه، يؤكّد المحامي، عوني بنا، الذي قدّم والمحامية، نسرين عليان، الالتماس إلى محكمة الشؤون الإدارية في الناصرة، أن بلدية نتسيريت عيليت تطبّق سياسة الفصل العنصري بحق المواطنين العرب. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "جمعية حقوق المواطن بدأت العمل على القضية قبل نحو عامين، بعدما قصدنا عدداً من سكان نتسيريت عيليت. بعد دراسة القضية، تبيّن لنا وجود أكثر من 70 ألف كتاب في المكتبات العامة في المدينة، ليس بينها أي كتاب بالعربية. كما أن المكتبات نفسها غير مجهّزة لاستقبال العرب. كذلك، هناك استثناء للعربية من قاعدة البيانات الخاصة بالكتب".

ويوضح أنه "بعدما راسلنا البلدية ووزارة الثقافة مراراً، ردت الأخيرة أنها لا تتدخل في تصنيف الكتب، ويقتصر دورها على الاهتمام بوجود مكتبات عامة وتمويلها بنسبة 50 في المائة، فيما تتولى البلدية مسؤولية التنفيذ بنسبة 50 في المائة. أما المسؤولون في البلدية، فقالوا إنهم يستعدون لإقامة مكتبة صغيرة في حي غالبية سكانه من العرب. اختاروا غرفة صغيرة في قاعة أحد المراكز، ووضعوا رفوفاً للكتب العربية. إلا أنه لا يمكن اعتبارها مكتبة على الاطلاق، مما يدل على استهتارهم بالعرب ولغتهم وثقافتهم".
يعارض بنا حصول العرب على الخدمات في مناطق سكنهم فقط، واستثناءهم من الحيز العام. ويقول: "نحن ضد مبدأ الفصل بين السكان في هذه الأمور".

ركّز الالتماس، الذي تقدمت به الجمعية، على المطالبة بتجهيز جميع المكتبات العامة في المدينة، التي هي جزء من الحيز العام والمرافق العامة، على أن تقدّم خدمات للمواطنين العرب باللغة العربية، وتوفر كتب عربية على غرار العبرية والروسية، بالإضافة إلى توفير قاعدة بيانات وأدوات بحث بالعربية. كذلك، طالب بنشاطات تربوية وثقافية واجتماعية باللغة العربية في مختلف المؤسسات العامة، وإنشاء مدرسة عربية، وتطبيق قرار قضائي سابق بكتابة بعض اللافتات في الشوارع والأحياء بالعربية. ويؤكد بنا أن "رفض إشراك عرب نتسيريت عيليت بالحيّز العام يعني تبنّي سياسة الفصل العنصري".
وكان الرئيس السابق للبلدية، شمعون غابسو، الذي أدين بتهم فساد، قد أعلن مراراً أنه يرفض إقامة مدرسة عربية في المدينة للحفاظ على طابعها اليهودي.