معتوق أبو راوي.. الليبي الحالم في قوارب الموت

10 يوليو 2014
+ الخط -

بحساسيَّةٍ مفرطة وتعبيريَّةٍ خاصَّة، شقّ الفنَّان التشكيلي الليبي معتوق أبو راوي طريقه في عالم الفن معانقاً عوالم إنسانيَّة رحبة يستقي منها مواضيعه.

الفن بالنسبة إلى "أبو راوي" نافذةٌ للتعبير الشخصي، وقد فُتحت له تلك النافذة حين كان في عمر مبكِّر. إلَّا أنَّ الفنَّان المولود في بيئة لا تمنح الفنون البصرية أهمية كبيرة، وجد في رحيله إلى غرناطة الإسبانية مناخاً ملائماً لاختمار أحلامه ونضوجها في مدينةٍ تشبه لوحة رغم صعوبة الطريق وعثراته.

حين يصل الحديث معه إلى الفن التشكيلي سرعان ما نلحظ حساسيَّته المفرطة ونتبيَّن مدى تورُّطهُ في عوالم التشكيل الذي وهب له حياته. 

"أن تكون فنّاناً تشكيليّاً يعني أنك تحملُ همّاً إنسانيّاً وليس هموم بقعة جغرافية واحدة"، يؤكِّد أبو راوي الذي تمرّدَ على ذاته كفنَّانٍ قادمٍ من العالم الثالث، قبل أن يضيف: "ما يُسمَّى التشكيل المعاصر هو وليد الطليعيَّة، وما يحدث الآن هو تجارب فرديَّة لها خصائص من الحركات الطليعيَّة ومن المعلِّمين الكبار؛ فالفنانون العرب والأوروبيُّون في حالة تكرارٍ لما حدث في السابق. وهذا ما يفسّر انبثاق فن ما بعد الحداثة والمفهوميَّة اللذين خرجا عن الطلائع لتجنب الوقوع في التكرار".

نقَّادٌ كثيرون أشاروا إلى أن أبو راوي يتبع المدرسة التعبيريّة في الرسم. ويبدو ذلك في جلِّ أعماله، كتلك التي أنجزها عن الربيع العربي والروح والموت، وصدمت بعض النقاد بقدرته فيها على تجسيد تلك الثيمات المعقَّدة داخل لوحات يبدو العنصر التعبيري فيها بسيطاً؛ كأن تكون اللوحة دون ملمس أو تكون الألوان غير بارزة.

استفاد أبو راوي كثيراً من احتكاكه بالفنِّ والفنّانين الأوروبيِّين، علماً أنه يعتبر نفسه محظوظاً بتتلمذه على أيدي فنّانين عراقيين وسوريين نقلوا معارفهم الفنيّة إلى ليبيا في وقتٍ كان الليبيون يعانون من كبت سياسي وجفاف ثقافي، وبالتالي ساهم هؤلاء الفنانون في تطوير موهبته وساعدوه على دخول كلية الفنون بطرابلس لتدريس الفن التشكيلي، ثم الحصول على منحة لإكمال دراسته في إسبانيا.

إسبانيا التي جال كثيراً في مدنها كانت إحدى المحطّات المهمَّة في حياته الفنيّة والإنسانية، حيث وجد في مدينتها التاريخية غرناطة ملاذاً لهواجسه وأحلامه وأمنياته. ومأخوذاً بسحر هذه المدينة، رسم عام 2003 مجموعة لوحات شكِّلت بالنسبة له حالةً تعبيريَةً خاصَّةً. ولذلك كان يحتفظ بها في مرسمه رافضاً أن تعبث عينٌ ما بأحلامه، حتّى قرَّر أن يفرَّ بها أخيراً إلى جنوب الكرة الأرضيَّة، وإلى بوينوس آيرس في الأرجنتين تحديداً، مودّعاً "أحلامـ(ه) في غرناطة"(أيار/مايو الماضي) دون أن يكفَّ عن الحلم بها.

يختزل أبو راوي سيرته الشخصية بالفن التشكيلي، ومع تقديره للتركيب والديجيتال والفيديو وغيرها، لكنّه يميل أكثر إلى التشكيل مؤكِّداً أنَّ "عمر اللوحة التشكيلية أطول من عمر الإنسان".

قد يتَّخذ أبو راوي من القهوة مادَّةً للرسم، تماماً مثل الألوان المائية والزيتية. يرسم بأحجام كبيرة وصغيرة، فيصوّر تارة أفارقة فارِّين من جحيم قارّتهم إلى مستقبلٍ مجهول، وتارةً عرباً هاربين من بلادهم المشتعلة إلى بحار أكثر اشتعالاً. يرسم الحلم والواقع، الموت والحياة، الروح والجسد، بيد أنَّ ريشته لم تشكّل يوماً بورتريها لشخصيَّة معروفة؛ فهي مخصَّصة حصراً للمعاناة الإنسانيّة.

جمع أبو راوي رسوماته في ثلاثة كتب: الأول بعنوان "تأبين للمفقودين، الهجرة الإفريقية في قوارب الموت"، والثاني "تأبين للمفقودين 2، الربيع العربي"، والثالث هو خلاصة لعمله التشكيلي الذي قدّمه في بوينوس آيرس تحت عنوان "أحلامي في غرناطة".

المساهمون