قراءة التاريخ المبكر تشير إلى أهمية المخرج محمد كريم الذي صنع كلاسيكيات سينمائية قديمة جداً، وحقّق ارتباطاً بين الفنّ الوليد والجمهور. وربما تكون أهم وسائل كريم في فعل ذلك هو اعتماده على محمد عبد الوهاب بطلاً في أغلب أفلامه خلال الثلاثينيات، وتكرار تيمات النجاح نفسها في أفلام بدأت بـ"الوردة البيضا" في 1932 واستمرت في إنتاجات مثل "دموع الحب" في 1935 و"يوم سعيد" في 1938 و"رصاصة في القلب" في 1944 وغيرها.
هكذا فإنّ محمد عبد الوهاب - وليس عبد الحليم حافظ - هو أوّل مطرب يقوم بتمثيل الأفلام، ومن خلاله تمّ اكتشاف الشيء المدهش الذي تمنحه للمغني - قبل عقود من الفيديو كليب - وهي ترسيخ الصورة الذهنية التي يريدها عند جمهوره، و"استغلال" الأفلام لخدمة مشروعه الغنائي.
عبد الوهاب: الثلاثينيات والأربعينيات
الصورة التي حملها عبد الوهاب في أفلامه هي صورة "الأفندي الأنيق"، الطربوش الذي لا يفارقه في أغلب المشاهد يحمل إرثاً شعبياً في ذلك الوقت له علاقة بالهوية والرقي، وهو بالطبع شخص شَريف، ومُحب، وصوته جميل، وإن كان لا يُلاحق فكرة أن يكون مطرباً كما سيحدث مع "حليم" مثلاً لاحقاً.
قصص الأفلام في ذاك الزمن كانت بسيطة. الأفلام كلها تتحدّث عن قصّة الحبّ التي تمرّ في عقباتٍ قبل أن تنتصر في النهاية، وتبدو المشاهد أو الدراما ذاتها مجرد وصل أو تمهيد لكي يغني عبد الوهاب أغنية له ذات صلة بالموقف، كأن تسافر حبيبته في "ممنوع الحبّ" فيغني لها "يا مسافر وحدك".
وقد توقّف عبد الوهاب عن أداء البطولات السينمائية مع آخر أفلامه "لست ملاكاً" عام 1946 (من إخراج محمد كريم بالطبع). وعلى الأغلب كان ذكياً بما يكفي لالتقاط أنّه بدأ يكبر قليلاً في العمر، وأنّ السينما في مصر تتغير بعد الحرب العالمية الثانية. وأنّه ربما إن استمرّ في الحكايات القديمة نفسها فقد تفشل الأفلام.. وهي مخاطرة غير مقبولة بالنسبة لرجلٍ يحمل قيمته.
عبد الحليم: الخمسينيات والستينيات
صوت الثورة والآمال الكبيرة، الضعيف المقهور الذي ينتصر في النهاية بفضل صوته. تلك هي الصورة الذهنية التي ترسخها أفلام عبد الحليم حافظ: الرقيق، الحالم، الرومانسي، الذي ينتهي الفيلم دائماً بصوته.. فائزاً.
على عكس عبد الوهاب وأم كلثوم اللذين أتيا إلى السينما بنجوميتهما، فإنّ الأفلام كانت أحد العناصر المكوّنة لنجومية عبد الحليم حافظ: عصر ذهبي وكلاسيكي للسينما، الوقوف أمام ممثلات أيقونيات، انتشار أغانيه القصيرة، اعتماده على ملحّنين وكتّاب جدد، والشعبية التاريخية التي نالها بين الشباب حينها نتيجة كلّ ذلك. فقد كان صوت شباب العصر الثوري الجديد الذي يبحث عن صوت معبّر عنه بعيداً عن أصوات آبائه، منهم عبد الوهاب وأم كلثوم. وفي كلّ ذلك كانت السينما والأفلام وسيلة مثالية لحليم.
أقرأ أيضًا: ارجع يا زمان
سبعينيات اللا أحد
بعد الهزيمة الحربية في 1967 بدأ المزاج العام في مصر يتغيّر مرّة أخرى. اهتزاز كبير للحكم الناصري وللصورة المثالية التي حملتها تلك الفترة. فيلم عبد الحليم الوحيد بعدها كان "أبي فوق الشجرة" في 1969. وهو فيلم ظهر خلاله بصورة مختلفة عن الأجواء الحالمة للأفلام الأسبق. بعد ذلك مات عبد الناصر، فلم تعد الدولة تدعم السينما بالقدر نفسه. مرّت السينما والأغاني في ترنّح شديد خلال السبعينيّات، ولم يقم حليم ببطولة أيّ فيلم آخر حتى وفاته.
المرحلة الانتقالية العنيفة التي مرّ بها كلّ شيء في مصر خلال السبعينيات جعلت من الممكن القول إنّه لا يوجد مغنّ نجح في السينما بقوّة، وحمل صورة جيله كما حدث قبلها وبعدها. فبدت السبعينيات كأنّها جيل اللا أحد.
أقرأ أيضًا: في ذكرى وفاته.. لماذا أحب المطربون بليغ حمدي؟
عمرو دياب ومحمد منير: حراك الثمانينيات
مع مجيء الثمانينيات كان هناك حراك يحدث في كلّ شيء، في السينما هناك جيل جديد يخلق ما عُرِفَ بعد ذلك بـ"الواقعية الجديدة"، وفي الغناء كان هناك ثورة على مستوى الصوت والتوزيع.
الجانب الفني من هذا الحراك الغنائي كان وجهه محمد منير. بدا خيار الشباب المثقف الذي يبحث عن صوته الثائر على السياسات الحالية. التفّت حوله مجموعة من أهمّ شعراء وملحّني ومثقفي مصر. وقفوا وراء الشاب الأسمر النحيل الذي راح يكسر الصورة المعتادة أصلاً عن نجم الغناء. وجوده في السينما كان به القدر نفسه من التكسير، إذ شارك في أفلام مخرجين كبار مثل يوسف شاهين وخيري بشارة، وبأدوار "درامية" مساندة، لا تعتمد أبداً على أنّ "صوته حلو"، حتى لو غنّى أحياناً.
عمرو دياب الأسطورة
أما عمرو دياب فقد حقّق نجاحاً أسطورياً في أواخر الثمانينيات مع أغنية وألبوم "ميال". شارك في 4 أفلام سينمائية فقط، ربما لأنّ الفيديو كليب في ذلك الوقت بدأ ينتشر جداً، ولم يعد المطرب بحاجة إلى السينما من أجل التفاعل كشخص مع الجمهور.
لكنّ الملحوظة المهمة أن دياب في أفلامه، خصوصاً "آيس كريم في جليم" مثلاً أو "ضحك ولعب وجدّ وحبّ"، راح يعكس صورة شاب وسيم وقوي البنيان، ليس ضعيفاً ولا مهزوماً، على العكس من "حليم" سابقاً، وهو طموح وذكي ويحارب واقعه. أليس ذلك انعكاساً للعصر تحديداً؟
تامر حسني: الصايع "النسونجي"
في العقد الأخير، وسواء راق ذلك للبعض أو لا، فإنّ تامر حسني هو نجم الغناء الأكثر نجاحاً وتأثيراً في السينما. عبد الوهاب الأفندي الأنيق، عبد الحليم الرومانسي الحالم، عمرو دياب القوي والوسيم، وفي النهاية هناك تامر حسني كجزء من السلسلة. والصورة الذهنية التي يتلاعب بها هو الشاب "الصايع" صاحب اللغة الشبابية والعلاقات النسائية الكثيرة.. لكن في جوهره يبحث دائماً عن الحبّ ليكون مخلصاً فيه.
تكرّر ذلك في كلّ الأفلام التي قام حسني ببطولتها، تحديداً عمله الأنجح الذي قدّمه في ثلاثة أفلام من سلسلة "عمر وسلمى" أمام مي عز الدين.
أقرأ أيضًا:خسائر أفلام الأضحى 25 مليون جنيه
هكذا فإنّ محمد عبد الوهاب - وليس عبد الحليم حافظ - هو أوّل مطرب يقوم بتمثيل الأفلام، ومن خلاله تمّ اكتشاف الشيء المدهش الذي تمنحه للمغني - قبل عقود من الفيديو كليب - وهي ترسيخ الصورة الذهنية التي يريدها عند جمهوره، و"استغلال" الأفلام لخدمة مشروعه الغنائي.
عبد الوهاب: الثلاثينيات والأربعينيات
الصورة التي حملها عبد الوهاب في أفلامه هي صورة "الأفندي الأنيق"، الطربوش الذي لا يفارقه في أغلب المشاهد يحمل إرثاً شعبياً في ذلك الوقت له علاقة بالهوية والرقي، وهو بالطبع شخص شَريف، ومُحب، وصوته جميل، وإن كان لا يُلاحق فكرة أن يكون مطرباً كما سيحدث مع "حليم" مثلاً لاحقاً.
قصص الأفلام في ذاك الزمن كانت بسيطة. الأفلام كلها تتحدّث عن قصّة الحبّ التي تمرّ في عقباتٍ قبل أن تنتصر في النهاية، وتبدو المشاهد أو الدراما ذاتها مجرد وصل أو تمهيد لكي يغني عبد الوهاب أغنية له ذات صلة بالموقف، كأن تسافر حبيبته في "ممنوع الحبّ" فيغني لها "يا مسافر وحدك".
وقد توقّف عبد الوهاب عن أداء البطولات السينمائية مع آخر أفلامه "لست ملاكاً" عام 1946 (من إخراج محمد كريم بالطبع). وعلى الأغلب كان ذكياً بما يكفي لالتقاط أنّه بدأ يكبر قليلاً في العمر، وأنّ السينما في مصر تتغير بعد الحرب العالمية الثانية. وأنّه ربما إن استمرّ في الحكايات القديمة نفسها فقد تفشل الأفلام.. وهي مخاطرة غير مقبولة بالنسبة لرجلٍ يحمل قيمته.
عبد الحليم: الخمسينيات والستينيات
صوت الثورة والآمال الكبيرة، الضعيف المقهور الذي ينتصر في النهاية بفضل صوته. تلك هي الصورة الذهنية التي ترسخها أفلام عبد الحليم حافظ: الرقيق، الحالم، الرومانسي، الذي ينتهي الفيلم دائماً بصوته.. فائزاً.
على عكس عبد الوهاب وأم كلثوم اللذين أتيا إلى السينما بنجوميتهما، فإنّ الأفلام كانت أحد العناصر المكوّنة لنجومية عبد الحليم حافظ: عصر ذهبي وكلاسيكي للسينما، الوقوف أمام ممثلات أيقونيات، انتشار أغانيه القصيرة، اعتماده على ملحّنين وكتّاب جدد، والشعبية التاريخية التي نالها بين الشباب حينها نتيجة كلّ ذلك. فقد كان صوت شباب العصر الثوري الجديد الذي يبحث عن صوت معبّر عنه بعيداً عن أصوات آبائه، منهم عبد الوهاب وأم كلثوم. وفي كلّ ذلك كانت السينما والأفلام وسيلة مثالية لحليم.
أقرأ أيضًا: ارجع يا زمان
سبعينيات اللا أحد
بعد الهزيمة الحربية في 1967 بدأ المزاج العام في مصر يتغيّر مرّة أخرى. اهتزاز كبير للحكم الناصري وللصورة المثالية التي حملتها تلك الفترة. فيلم عبد الحليم الوحيد بعدها كان "أبي فوق الشجرة" في 1969. وهو فيلم ظهر خلاله بصورة مختلفة عن الأجواء الحالمة للأفلام الأسبق. بعد ذلك مات عبد الناصر، فلم تعد الدولة تدعم السينما بالقدر نفسه. مرّت السينما والأغاني في ترنّح شديد خلال السبعينيّات، ولم يقم حليم ببطولة أيّ فيلم آخر حتى وفاته.
المرحلة الانتقالية العنيفة التي مرّ بها كلّ شيء في مصر خلال السبعينيات جعلت من الممكن القول إنّه لا يوجد مغنّ نجح في السينما بقوّة، وحمل صورة جيله كما حدث قبلها وبعدها. فبدت السبعينيات كأنّها جيل اللا أحد.
أقرأ أيضًا: في ذكرى وفاته.. لماذا أحب المطربون بليغ حمدي؟
عمرو دياب ومحمد منير: حراك الثمانينيات
مع مجيء الثمانينيات كان هناك حراك يحدث في كلّ شيء، في السينما هناك جيل جديد يخلق ما عُرِفَ بعد ذلك بـ"الواقعية الجديدة"، وفي الغناء كان هناك ثورة على مستوى الصوت والتوزيع.
الجانب الفني من هذا الحراك الغنائي كان وجهه محمد منير. بدا خيار الشباب المثقف الذي يبحث عن صوته الثائر على السياسات الحالية. التفّت حوله مجموعة من أهمّ شعراء وملحّني ومثقفي مصر. وقفوا وراء الشاب الأسمر النحيل الذي راح يكسر الصورة المعتادة أصلاً عن نجم الغناء. وجوده في السينما كان به القدر نفسه من التكسير، إذ شارك في أفلام مخرجين كبار مثل يوسف شاهين وخيري بشارة، وبأدوار "درامية" مساندة، لا تعتمد أبداً على أنّ "صوته حلو"، حتى لو غنّى أحياناً.
عمرو دياب الأسطورة
أما عمرو دياب فقد حقّق نجاحاً أسطورياً في أواخر الثمانينيات مع أغنية وألبوم "ميال". شارك في 4 أفلام سينمائية فقط، ربما لأنّ الفيديو كليب في ذلك الوقت بدأ ينتشر جداً، ولم يعد المطرب بحاجة إلى السينما من أجل التفاعل كشخص مع الجمهور.
لكنّ الملحوظة المهمة أن دياب في أفلامه، خصوصاً "آيس كريم في جليم" مثلاً أو "ضحك ولعب وجدّ وحبّ"، راح يعكس صورة شاب وسيم وقوي البنيان، ليس ضعيفاً ولا مهزوماً، على العكس من "حليم" سابقاً، وهو طموح وذكي ويحارب واقعه. أليس ذلك انعكاساً للعصر تحديداً؟
تامر حسني: الصايع "النسونجي"
في العقد الأخير، وسواء راق ذلك للبعض أو لا، فإنّ تامر حسني هو نجم الغناء الأكثر نجاحاً وتأثيراً في السينما. عبد الوهاب الأفندي الأنيق، عبد الحليم الرومانسي الحالم، عمرو دياب القوي والوسيم، وفي النهاية هناك تامر حسني كجزء من السلسلة. والصورة الذهنية التي يتلاعب بها هو الشاب "الصايع" صاحب اللغة الشبابية والعلاقات النسائية الكثيرة.. لكن في جوهره يبحث دائماً عن الحبّ ليكون مخلصاً فيه.
تكرّر ذلك في كلّ الأفلام التي قام حسني ببطولتها، تحديداً عمله الأنجح الذي قدّمه في ثلاثة أفلام من سلسلة "عمر وسلمى" أمام مي عز الدين.
أقرأ أيضًا:خسائر أفلام الأضحى 25 مليون جنيه