مصير المناطق العراقية المتنازع عليها مُرحَّل للحكومة الجديدة

18 مارس 2018
النزاع يزداد كلما اقترب موعد الانتخابات (مروان إبراهيم/فرانس برس)
+ الخط -
تُعدّ أزمة المناطق المتنازع عليها بين بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل إحدى أكثر الأزمات حدّة منذ الاحتلال الأميركي للبلاد ولغاية اليوم. وتصاعد الخلاف بشأنها بعد احتلال تنظيم "داعش" مساحات شاسعة من العراق، بينها محافظات نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين، التي تعتبر مناطق تماس حدودية للإقليم الذي اقتطعه الأكراد لأنفسهم بعد عام 2003. وتمكّنت قوات "البشمركة" الكردية من تحرير غالبية المدن التي تحتوي على وجود كردي في تلك المناطق وأطلقت عليها تسمية "حدود الدم"، واعتبرتها ضمن حدود الإقليم، بما في ذلك محافظة كركوك، قبل أن تشرع بغداد بحملة عسكرية واسعة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استعادت على إثرها السيطرة على أكثر من 90 في المائة من تلك المناطق، وذلك عقب تداعيات تنظيم أربيل استفتاءً شعبياً للانفصال عن العراق.

وخلال الأسبوع الجاري، ردّت المحكمة الاتحادية العراقية على سؤال توجّه به نواب أكراد حول تعريف المناطق المتنازع عليها، بالقول إنها "المناطق التي كانت تُدار من قبل الحكومة العراقية المركزية قبل 19 مارس/آذار 2003 (يوم انطلاق العمليات العسكرية لاحتلال العراق)"، موضحةً في قرار صدر الاثنين الماضي، أنّ هذه المناطق "تقع في محافظات كركوك ونينوى (شمال العراق) وديالى (شرقاً)".

إلى ذلك، كشف مسؤول حكومي رفيع المستوى عن أنّ ملف المناطق المتنازع عليها وإنهاء الخلاف حولها، بما في ذلك ملفات النفط والغاز وترسيم حدود الإقليم، "سترحّل جميعها للحكومة المقبلة، وقد يضع الأكراد هذه الملفات، وخصوصاً قضية المناطق المتنازع عليها، في قائمة شروط تصويتهم لصالح رئيس الوزراء المقبل، سواءً كان حيدر العبادي نفسه، أو أي شخص غيره، حتى لو كان هادي العامري، زعيم الحشد الشعبي، الذي يقدّم نفسه اليوم كمرشح لرئاسة الوزراء المقبلة". وأضاف المسؤول "قد يعرض الأكراد على العامري تأييدهم له في رئاسة الوزراء إذا ما ضمن لهم خارطة طريق مناسبة لحل ملف المناطق المتنازع عليها، وهذا يشمل أيضاً العبادي وأي شخص آخر".

في المقابل، قال المستشار الإعلامي في ديوان رئاسة إقليم كردستان كفاح محمود لـ"العربي الجديد"، إن هذه المناطق "تُعرف باسم المناطق المستقطعة من الإقليم وليست المتنازع عليها، والجميع يعلم بكردستانيتها"، موضحاً أنّ "الحوار في النهاية هو السبيل الوحيد لحل ملف إدارتها ووفقاً للدستور العراقي النافذ". وتمثّل هذه المناطق "بُعداً انتخابياً مهماً بالنسبة للأحزاب الكردية"، وفق ما قال عضو البرلمان العراقي عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" ماجد شنكالي، مؤكداً في مقابلة تلفزيونية أنّ الأكراد "يعوّلون على إمكانية حصولهم على عدد من المقاعد البرلمانية في هذه المناطق". وأوضح أنّ أهميتها الانتخابية "تتطلّب الاهتمام بها، لا سيما وأنها تمثّل موطناً لعدد كبير من السكان الأكراد".

واتهم شنكالي بعض الفصائل المسلحة "بالتأثير على إرادة الناخبين" في المناطق المتنازع عليها، مشيراً إلى أنّه تلقّى اتصالات هاتفية من مواطنين في هذه المناطق "يؤكدون خشيتهم من الخروج للتجوال بسبب تشابه أسمائهم مع أسماء مطلوبين، الأمر الذي قد يعرضهم للاعتقال على يد هذه الفصائل". ولفت إلى مشاركة أمراء "الحشد العشائري" وقيادات في "الحشد الشعبي" في عدد من قوائم الانتخابات المقبلة، مؤكداً أن بعض أعضاء البرلمان مثل النائب أحمد الجبوري "لديه فصائل عشائرية يمكن أن يستفيد منها في الانتخابات".

وتوقّع شنكالي أن يحصل حزبه على عدد مهم من المقاعد في نينوى، ومقاعد عدة في المناطق المتنازع عليها الأخرى، معبراً في الوقت ذاته، عن خشيته من قيام بعض الأطراف بتزوير الانتخابات والتلاعب بإرادة الناخبين.

وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة للمناطق المتنازع عليها بالنسبة للأكراد، إلاّ أنّ إقليم كردستان لم يعد قادراً على تقديم الخدمات هناك أو ممارسة نفوذه، وفق نائب رئيس حكومة الإقليم، قوباد الطالباني، الذي أكّد أنّ هذا الأمر "يقع الآن على عاتق الحكومة الاتحادية". ودعا الطالباني خلال مؤتمر صحافي عقده في أربيل، حكومة بغداد إلى فتح صفحة جديدة مع إقليم كردستان، مؤكداً "عدم وجود أي ذريعة بعد الآن لها لتأخير صرف مرتبات موظفي إقليم كردستان". وأشار إلى أنّ "الحوارات مستمرّة بين بغداد وأربيل من خلال الوفود المتبادلة".


وفي هذا الإطار، قال السياسي الكردي المستقل حسين كريم لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الحوارات يجب ألا تقتصر على مسائل مالية فقط، كالموازنة والمرتبات، بل من الضروري أن تشمل أيضاً تطبيق مواد الدستور"، موضحاً أنّ هذه المناطق "كانت وما تزال بؤرة للصراع بين بغداد وأربيل". وشدّد على "ضرورة التوصّل إلى حلّ بشأنها من خلال تطبيق المادة 140 من الدستور".

وكان عضو البرلمان العراقي عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" محسن السعدون، أكد في حديث لـ "العربي الجديد" أن الأكراد "لا يخشون على مكاسبهم التي حصلوا عليها في ظل الدستور"، مضيفاً أن "النتيجة النهائية هي الحصول على جميع حقوقنا وفقاً للمادة 117 من الدستور". في مقابل ذلك، حذّر الزعيم القبلي حميد الجبوري من محاولات القوى الكردية العودة إلى المناطق المتنازع عليها لا سيما في كركوك، مؤكداً في حديث لـ "العربي الجديد" أن "للأحزاب الكردية المتنفذة تاريخاً سيئاً في هذه المناطق". ورفض الجبوري دعوات القيادات الكردية المتكررة للعودة إلى حكم كركوك، موضحاً أن "المدينة تعرّضت خلال السنوات التي تلت الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، إلى عمليات تكريد واسعة تسبّبت في تغيير الواقع الديموغرافي لصالح القوات الكردية". وأشار إلى أنّ نزاع النفوذ بين العرب والتركمان من جهة، والأكراد من جهة أخرى، "لا يقتصر على كركوك، بل يشمل مناطق أخرى شمال العراق وشرقه"، مبيناً أن هذه المناطق "لا تخلو من التوتر نتيجة لصراع النفوذ".

من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، حسان العيداني، أنّ الخلافات بين بغداد وأربيل "ستبقى معلّقة لحين التوصّل إلى حلّ نهائي بشأن المناطق المتنازع عليها"، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد" أن هذه المناطق "غالباً ما تتعرّض لعمليات تغيير في تركيبتها السكانية من قبل أية جهة تسيطر عليها". وأضاف العيداني أنّ "الأكراد متهمون اليوم بالتلاعب بديموغرافية كركوك، وهذا الأمر لا يمكن أن تعترف به القوى الكردية بسهولة"، موضحاً أنّ الصراع على المناطق المتنازع عليها "يزداد كلما اقتربنا من موعد الانتخابات". ورأى أنّ "الحل الأمثل بأن تعرض جميع المشاكل بين بغداد وأربيل ومن بينها أزمة المناطق المتنازع عليها، على الدستور، الذي عالجها في أكثر من مادة"، مبيناً أنّ قرار المحكمة الاتحادية الأخير بشأن هذه المناطق "قطع الشكّ باليقين بعد أن وضع تعريفاً واضحاً لها".

المساهمون