مصلِّح بوابير

08 يناير 2015
"صبي البوابرجي" في القدس/ قبل احتلال البلدة القديمة
+ الخط -

يخال لنا أحياناً أن مهنة المحرر في طور الانقراض وأن هذا الكاهن القديم فقد سلطته في زمن الصحافة الإلكترونية، إذ أتاحت التقنية نشر ملايين النصوص كل يوم بلا تحرير، بدءاً من نصوص "الإعلام الاجتماعي" وصولاً إلى صحافة "مواقع" متخففة من أصول الصنعة.

يجادلني زميل بأنه حتّى موقع جريدة الغارديان الإلكتروني (وهي عنده مرجع) يعج بالأخطاء اللغوية وبأن الأمر ظاهرة عالمية. لا يقتنع هذا الزميل بأن للصحافة قواعد لا دخل للوسيط التقني بها. الوسيط قد يغيّر في الشكل ولكنه لا يمسّ القواعد كثيراً. الزميل لا يشغله الوفاء لما نسميه أصول الصنعة وقواعدها.

أجل هي صنعة قبل كل شيء. والمحرر، مثله مثل البنّاء وميكانيكي السيارات ومصلِّح بوابير الكاز. الأخير انقرضت صنعته وانطوت في الذاكرة. متى آخر مرة شاهدنا فيها بابوراً؟

في اللغة الشعبية مطلع القرن الماضي، كان كل ما يدور بالمحرّك، من المطحنة إلى الباخرة، يسمّى بابوراً. كان "الببّور" (تضيع الألف) هو القطار بين يافا والقدس. المفردة العثمانية تصبح في مصر "وابور". و"يا وابور قل لي رايح على فين" أغنية عبد الوهاب الخفيفة التي كتبها أحمد رامي لفيلم في الثلاثينيات.

في "الأدب الصغير والأدب الكبير"، يشرح ابن المقفع لقارئه أن معرفة الأصول واجبة، أما معرفة الفروع فإنها مكمّلة. وهذا كلام أثير على قلب المحرر/ الكاهن القديم ومصلِّح بوابير الكاز.

المساهمون