مصطفى صباغ: لا حل سياسياً بسوريا بلا نجاح عسكري

29 ابريل 2014
صباغ: النظام لا يمانع بتقسيم سورية (كريم جعفر،فرانس برس،Getty)
+ الخط -
يرى القيادي في "الائتلاف السوري" المعارض، مصطفى صباغ، في حوار "العربي الجديد" معه، أن الحديث عن "جنيف 3"، لا بد وأن يترافق مع نجاح عسكري موازٍ يُغيّر الخريطة الميدانية، ويهدد، بشكل فعلي، وجود قوات النظام السوري.

ويشدد الصباغ على أن خلافه مع رئيس الائتلاف، أحمد الجربا، سياسي، وهو ما لا يلغي اتفاقهما على الهدف الأساسي، المتمثل بإسقاط النظام. وعن العلاقة بين أعضاء "الائتلاف"، يقول صباغ إن الاجتماع الأخير للهيئة العامة لـ"الائتلاف"، في اسطنبول، شهد تذويباً للجليد بين الكتل والشخصيات المختلفة، مشيراً إلى وصول مكوناته إلى توافق يمكن أن يُبنى عليه في المرحلة المقبلة.


ــ هل دفنت المعارضة "جنيف2"؟ وما هي النتيجة التي خلصتم إليها، وماذا عن "جنيف3"؟

* نؤكد دوماً دعمنا للحل السياسي، الذي يحقق مطالب السوريين في إسقاط النظام، ويُفضي إلى وقف شلال الدماء في سوريا. لكن يبدو أن النظام نسف من قاموسه فكرة الحل السياسي، بدليل أنه في الوقت الذي كانت تجري فيه مفاوضات "جنيف 2"، كانت البراميل تسقط على مدينة داريا وحلب وغيرهما، وكان الشعب السوري يُقتل بالتجويع الممنهج. وبالطبع، هذا السلوك الإجرامي للنظام كان بدعم من الحلفاء مثل روسيا وإيران، اللتين منحتاه ضوءاً أخضر لعدم تقديم أي تنازلات بشأن المفاوضات. أعتقد أن المجتمع الدولي يواجه مأزقاً في إصراره على أن الحل لا بد أن يكون "سياسياً"، مع إقراره أن هذا الحل، الذي اقُترح في جنيف، قد فشل، وأنه لا يمكن المُضي في "جنيف 3"، بسبب تعنُّت النظام وغياب التفاهم الروسي ـ الأميركي.

الحل السياسي لا يمكن أن يتم من دون نجاح عسكري موازٍ، يُغيّر الخريطة على الأرض، ويهدد وجود (الرئيس السوري بشار) الأسد فعلياً، كما حصل عندما لوحت الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية للنظام، قد تهدد موقعه في الحكم، إثر الهجوم الذي شنه بالأسلحة الكيماوية على الغوطة في أغسطس/آب الماضي. 

ــ منذ أيام، انتهى اجتماع الأمانة العامة لـ"الائتلاف"، بتعيين وزيرين للتربية والصحة، بالإضافة إلى توسيع عدد أعضاء الهيئة السياسية. هل هذا هو سقف الاجتماع؟ وهل ما خرجتم به هو ما جئتم من أجله؟

* شهد اجتماع الهيئة العامة الأخير تذويباً للجليد بين الكتل والشخصيات المختلفة، ووصلت المكونات إلى توافق يمكن أن يُبنى عليه في المرحلة المقبلة، للخروج من الاستقطابات والصراعات السياسية، وكنا قد جئنا إلى الاجتماع بهدف الوصول إلى توافق، نُنهي به حالة التشرذم والخلاف السابق والبناء لمرحلة جديدة، نقف فيها صفاً واحداً لدعم الجبهات الحساسة في سوريا. وقد تم الدفع بهذا الاتجاه، كما تم أيضاً نقاش قضايا اللاجئين والنازحين ومأسسة وحدة تنسيق الدعم، لتكون ضمن الجهاز التنفيذي لـ"الائتلاف" المتمثل في الحكومة السورية المؤقتة.

إن انتخاب وزيري الصحة والتعليم جاء بدرجة عالية من التفاهمات السياسية، بسبب الإرادة العامة للأعضاء في إحداث تغيير حقيقي على الأرض، من خلال تقديم الخدمات العامة. ويأتي انتخاب الهيئة السياسية الجديدة في السياق نفسه، الذي يريد الخروج من الجمود الذي أصاب عمل "الائتلاف". وسعت الكثير من الشخصيات لتشكيل هيئة استشارية تضم قادة كتل المعارضة، تعمل على تكريس مبدأ التوافق السياسي في مؤسسات المعارضة والثورة، لكنها لم تنجز بعد، وأعتقد أنه في حال اعتمادها، ستكون إضافة نوعية جديدة.

ــ يريد معظم أعضاء "الائتلاف" إصلاحه. ما المقصود؟ 
* تتطلب المرحلة المقبلة تعديلات بسيطة في آليات عمل "الائتلاف"، ليتحوّل إلى برلمان يمثل الثورة والشعب السوريين؛ يدعم ويراقب السلطة التنفيذية المتمثلة في الحكومة المؤقتة، كما يتطلب تأسيس سلطة قضائية مستقلة عنه وعن الحكومة المؤقتة، تُمثل الثورة وتطلعاتها في تأسيس نظام عادل يمتاز بالشفافية والمصداقية. العمل الأهم لنا في هذه المرحلة يتمثل في دعم مطالب الشعب السوري، وتمثيله سياسياً في الساحة الدولية والإعلامية، وحشد الرأي العام الداخلي والدولي لإسقاط النظام، ومحاسبته على جرائمه، وبناء نظام عادل يكفل للجميع حقوقهم بالتساوي.

ــ ما هي الجوانب التي تحتاج إلى الإصلاح برأيكم؟

* أعتقد أن أهم عمل هو دعم الحكومة السورية المؤقتة للوصول إلى الداخل، وتقديم الخدمات العامة لعموم الشعب السوري، من خلال المجالس المحلية، والمجلس الأعلى للإدارة المحلية، والروابط المجتمعية ومؤسسات المجتمع المدني.
إن دعم أهلنا في الداخل، من خلال جسم تقني ومهني، يشكل السلطة التنفيذية في البلاد، سينزع عبئاً عن "الائتلاف"، ويزيد من عملية المأسسة المطلوبة، ويجعله أكثر تفرغاً للعمل السياسي. وقد كان أداء الحكومة السورية المؤقتة في الفترة السابقة دون التوقعات، ولا يرتقي للمستوى المطلوب، وكانت تقاريرها أمام الهيئة العامة قليلة المهنية. ومن الأولويات التي يجب العمل عليها إصلاح المؤسسة العسكرية، المتمثلة في الأركان والمجلس العسكري، ودفع الدول لتقديم الدعم خارج المؤسسة، والإصلاح المطلوب مرتبط بتوضيح آليات العمل، والصلاحيات.

ــ لا يخفى على أحد خلافكم مع رئيس "الائتلاف"، أحمد الجربا. هل لك أن توضح لنا ما هو أصل هذا الخلاف وطبيعته وحقيقته، وهل لا يزال قائماً؟

* نحن على تواصل مع السيد رئيس "الائتلاف"، أحمد الجربا، وعلاقتي معه مباشرة وجيدة، وخلافنا سياسي، يتركز حول أولويات العمل في المرحلة الراهنة، وكيفية التعامل مع قوى الحراك الثوري والعسكري في الداخل. في المقابل، نحن متفقان على الأهداف والمبادئ بدعم مطالب الشعب السوري لإسقاط النظام ومحاسبته. ولا شك أن الحَكَم هو الشعب السوري، في ما يخص أداء الجربا، أثناء فترة ولايته، التي ستنتهي في شهر يوليو/تموز المقبل.

ــ الكتائب في الداخل مختلفة التوجهات والولاءات. هل حاولتم جمعها وتوحيدها؟

* لقد عملت سابقاً، وما زلت، على دعم الجهود لتوحيد الكتائب، والدفع بها للانضواء تحت مظلة الأركان بشكل مؤسساتي منتظم، وكذلك أيدت فكرة الجيش الوطني، الذي يضم كافة المقاتلين، ولا يقصي أحداً، ويعمل على تحقيق مطالب الشعب السوري.

إن مشكلة التطرف المتمثلة في تنظيم "القاعدة" و"جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام"، تُشكل خطراً على مستقبل الثورة، وبُنية المجتمع السوري، وتهدد بقطع الدعم العسكري، كما تشكل معركة الساحل مثالاً في ضرورة العمل على توحيد الفصائل، على الأقل، في معركة محددة، تهدف لتشكيل ضغط على حاضنة النظام. وكذلك الوضع في عدد من المعارك الساخنة، إذ يتم العمل على توحيد المجموعات في غرف عمليات مشتركة، وهو ما يبدو أسهل في المرحلة الحالية من العمل على التوحيد الشكلي للتنظيمات المقاتلة.

ــ يتحدث البعض عن خيار التقسيم كنتيجة للصراع، كيف تنظر إلى الأمر؟ وما مدى إمكانية تحققه؟

* نظام الأسد ليس لديه أي مانع لتقسيم سوريا، وعندما يجد نفسه أمام خيارين، زوال نظامه أو البقاء مع تقسيم سوريا، فإنه سيختار التقسيم. بشار الأسد يعتبر أن سوريا مزرعته الخاصة، ورثها عن أبيه، في حين تؤكد قوى الثورة والمعارضة كافة، وفي أكثر من وثيقة، على مطلب الحفاظ على وحدة تراب الأراضي السورية، ومنع مخططات التقسيم، من خلال عمليات نوعية، ودعم الجبهات الحساسة مثل حمص والساحل. 

في المقابل، من المؤكد أنه من الصعب العودة إلى دولة مركزية، تهيمن وتسيطر على كافة القطاعات والقرارات. ولذلك فإن على السوريين العمل على بلورة حلول سياسية، تكفل وحدة الأراضي السورية، للوصول إلى توافق سوري على آليات وأشكال الحكم فيها.

ــ بعد ثلاث سنوات على الأزمة وما حل بالبلاد، كيف ترون نهاية هذا الصراع؟

الحل سياسي - عسكري – حقوقي، يتطلب تضافر الجهود في هذه المجالات، وتقديم فريق سياسي إداري تعددي، يمتلك رؤية واضحة قادرة على الموازنة بين مصالح الدول الإقليمية والغربية، المتمثلة في استقرار الأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، وطمأنة الأقليات، وعدم تشكيل كيانات تهدد المنطقة أمنياً وسياسياً من جهة أولى، وبين مصالح ومطالب الشعب السوري السياسية والاقتصادية والأمنية والقانونية، في إسقاط بشار الأسد ومنظومته الأمنية، وبناء دولة الحق والعدل والقانون، وتحقيق الرفاه الاقتصادي وضمان التعددية وتداول السلطة من جهة ثانية.

الحل متعدد المناهج والآليات، ولا بد للسوريين من العمل على كافة المسارات، ضمن استراتيجية سياسية وأمنية وعسكرية تهدف لإسقاط الأسد ومنظومته ومحاسبة المجرمين، واستراتيجية شاملة لمحاربة الإرهاب، تتجسد في قتال مجموعات معينة، وتهميش مجموعات أخرى، واستيعاب وإعادة تأهيل السواد الأعظم من المقاتلين، تحت برامج فعَّالة ضمن الإطار الثقافي الحضاري السوري.