مصطفى زبدي:لا غطاء على مَن ينتهك حقوق المستهلك

09 فبراير 2015
مصطفى زبدي (العربي الجديد)
+ الخط -
*إلى أي مدى وصل مستوى العمل الجماعي في إطار حماية المستهلك ‏وتوعيته على مختلف المخاطر والمشاكل التي تواجهه يومياً؟
للأسف الشديد، حركة الجمعيات المختصة في حماية المستهلك في ‏الجزائر، لا تزال ضعيفة إلى حد ما. فنشاطها لم يبرز إلا في ‏السنوات الأخيرة فقط، وبالتالي يمكن اعتبار أن المستهلك الجزائري لم ‏يتشبّع بما فيه الكفاية بالثقافة الاستهلاكية حتى يتمكن من الدفاع عن ‏مصالحه المادية والمعنوية. وللأسف المنظمات الناشطة في هذا المجال ‏في الجزائر ضعيفة مادياً وبشرياً، لأن هناك تردداً من قبل المستهلكين للانضمام إليها، كونها جمعيات تطوعية فقط، عكس الجمعيات الرياضية أو الثقافية ‏التي تعتبر قبل كل شيء مجالاً لممارسة هواية ما.

*ما الذي قامت به جمعيتكم، جمعية حماية وإرشاد المستهلك، لزيادة وعي المستهلك وحمايته؟

نحن في الجمعية رفعنا التحديات إلى أعلى مستوى، وتطرقنا إلى مواضيع ‏كانت من التابوهات في ما سبق، فتطرقنا إلى مواضيع استهلاكية لم تكن في السابق موضع ملاحقة من جمعيات المستهلك. إذ يتم تأطير عمل ‏المدافعين عن المستهلك بالأكل والشرب، ولكن توجهنا مثلاً إلى قضايا اقتناء السيارات الجديدة وعلاقة الزبائن بمتعاملي الهاتف ‏النقال، وكذا السياحة، ما جعل المستهلك الجزائري يعلم أن معنى الاستهلاك هو ‏مجال أوسع ممّا كان يعتقد.‏ وكذلك، تمكنّا من التطرق إلى جميع ‏جوانب الاستهلاك، وحتى وإن لم نتعمّق في بعضها، إلا أننا استطعنا على الأقل ‏تسليط الضوء عليها.‏

*على ذكركم قضية السيارات الجديدة التي أحدثت ضجة ‏في الشارع الجزائري، خاصة في ما يتعلّق بمطابقة هذه السيارات لمعايير ‏التصنيع الدولية، هل لكم أن توضحوا أكثر هذه القضية وما هي نتائج ‏تحرككم في اتجاه فضح هذا التلاعب بالمستهلك الجزائري؟

لا يخفى على أحد أن الجزائر هي ثاني أكبر سوق للسيارات في أفريقيا بعد ‏دولة جنوب أفريقيا، والاستثمار في هذا القطاع هو من أنجح الأعمال حالياً في البلاد، ‏حيث تم سنة 2012 تسويق نحو 500 ألف سيارة جديدة في الجزائر، وهذا ‏رقم ضخم يسيل لعاب كثير من المتعاملين الاقتصاديين. كما أن هناك أكثر ‏من 100 وكيل سيارات معتمد، ومنهم حتى وكالات سيارات من الصين ‏تتنافس على السوق الجزائرية. ونظراً لبعض الزيادات الهامة التي ‏شهدتها أجور العمال الجزائريين في السنوات الاخيرة، فقد توجه المستهلك ‏الجزائري إلى هذا النوع من السلع، وهنا حدثت الكثير من الاشكاليات، ‏خاصة في ما يتعلق بتطبيق المرسوم التنفيذي 07/390، الخاص بالسيارات ‏الجديدة، الذي بدأ تطبيقه في سنة 2009، حيث كانت هناك بعض الثغرات ‏في المرسوم وأيضاً بعض الثغرات في دفتر الشروط سمحت للكثير من ‏الوكلاء، وللأسف الشديد، بالقيام بخروقات كبيرة في حق المستهلك، أحصينا منها ما يتجاوز الـ22 خرقاً، أدخلتنا في صراعات شديدة مع ‏ماركات كبرى للسيارات.
ولحسن الحظ هناك مَن اعترف بنا أخيراً ‏كشريك، ونحن الآن في تواصل وتنسيق دائمين لحل جميع ‏الإشكالات. وهناك مَن لم يعترف بنا لحد الساعة، أو أنه انقلب علينا نظراً ‏للخروقات الكبيرة والمتكررة التي يقوم بها، وبالتالي لم يستطع مسايرتنا.

*ما هو نوع هذه التجاوزات في سوق السيارات؟

من بين التجاوزات، يمكن أن أذكر تأخر آجال التسليم، وكذالك ما ‏يسمى بالعربون. فالمرسوم التنفيذي يحدد العربون بـ10‏‎%‎‏ من سعر السيارة، وهناك من ‏الوكلاء من يحدده بـ30‏‎%‎، وهناك خروقات تصل أيضاً إلى درجة بيع ‏سيارات معطوبة جرى إصلاحها لتباع على أنها جديدة وخالية من العيوب. كما أن هناك بعض النماذج من السيارات ما زالت لا تتوفر على شروط السلامة ‏إلا على حزام الأمان. كما أن بعض الوكلاء يبيعون سيارات مصنّعة قبل ‏سنوات على أنها مصنعة خلال سنة السير. وهنا للأسف، ثغرة في دفتر ‏الشروط الذي لا يتحدث عن سنة التصنيع ويشير فقط إلى سنة السير، حيث ‏سجلنا بيع سيارات مصنعة سنة 2011 على أنها مصنعة سنة 2014.‏


*هناك مشكل استهلاكي أيضاً أثرتم حوله عدة سجالات ونقاشات وهو ‏مشكل السلع المقلّدة، هل تغيّر شيء في هذا الموضوع بعد حملات التوعية ‏التي باشرتم بها؟

السلع المقلّدة نوعان، هناك سلع مقلّدة تشكل خطراً على صحة ‏وسلامة المستهلك ومصالحه المادية، وهناك سلع مقلّدة لا تضر المستهلك ولا ‏تشكل خطراً لا على صحته ولا على مصالحه المادية، فهذا النوع الاخير ‏من السلع لا نحاربه، مثل البرامج المعلوماتية المقلّدة التي تباع بأسعار ‏تنافسية، حيث يصل سعر برامج الويندوز مثلاً إلى دولار واحد فقط، وكذا ‏بعض علامات الألبسة التي تصنّع بنوعية جيدة وبأثمان زهيدة أيضاً، فهذا ‏مشكل لا يعنينا وهو من صلاحيات العلامة الاصلية. وقد تلقينا عروضاً عدة ‏من مكاتب محاماة مختلفة كي نعمل كطرف مدني ضد السلع المقلّدة ‏لمنتوجاتها مقابل أرباح طائلة، لكننا رفضنا هذه العروض، لأن ذلك سيضر ‏بالقدرة الشرائية للمستهلك، فنحن جمعية لحماية المستهلك وليس لحماية ‏الماركات التجارية.‏
أما المنتوجات المقلّدة المضرة بصحة المواطن ومصالحه المالية، فنحن ‏تصدينا ونتصدى لها، كقطع غيار السيارات، الأجهزة الكهربائية والمدافئ ‏وغيرها، وقد أصبح لدى المستهلك وعياً كبيراً ‏بخطورتها.‏

*ولكن على الرغم من ذلك، ما زالت هناك عدة مواد استهلاكية في السوق، ‏وخاصة ما يتعلق بالمضافات الغذائية غير الملائمة صحياً، والتي باتت ‏تشكل خطراً على صحة المواطن، فكيف السبيل إلى تجنبها؟

خلال الأسبوع الماضي نظّمنا يوماً دراسياً حول المضافات ‏الغذائية، لأننا موجودون في العالم الثالث، وما زالت غالبية هذه المضافات الغذائية ‏عبارة عن مواد كيماوية، عكس ما يتم العمل به في البلدان المتقدمة. ونحن ‏نسعى إلى العمل الدائم من أجل محاربة هذه الظاهرة أو التقليل منها على ‏الأقل من أجل غذاء صحي طبيعي، على الرغم من أنها مضافات مقننة. ‏وهناك إشكالية كبيرة تطرح في هذا المجال، خاصة في مادة الأجبان ومشتقات ‏الحليب بصفة عامة. فالإشكال الذي وجدناه نحن كجمعية حماية المستهلك ‏هو أن المكونات التي تدخل في تركيبة هذا المنتج وغيره من المنتجات ‏ذات المصدر الحيواني، ليست مطابقة قانونياً. إذ إن الكثير من هذه المواد المستوردة، كالجيلاتين ‏مثلاً، ذات مصدر خنزيري أحياناً، وفي حالة المصدر البقري، فنحن لا نعلم ‏إن كان بقراً مذبوحاً أم لا. وبالنسبة للأجبان، هناك إشكال في أن تكون حلالاً أم لا. وهنالك مرسوم تنفيذي يفرض أن تكون هذه المواد ‏الاستهلاكية المستوردة تحمل شهادة مطابقة على أنها حلال.
ولكننا نظن أن ‏هناك مشكلاً عالمياً يتمثل في وجود هيئات تعطي شهادات ذبح حلال أو ‏مكونات حلال وهي في الواقع ليست كذلك. ‏هذا ما وقفنا عليه من خلال إحدى الدراسات الميدانية، حتى أن هنالك بعض ‏المراكز الثقافية الاسلامية التي يوجد فيها أشخاص يعطون شهادات حلال ‏لمصانع عالمية تنتج مواداً غذائية ذات مصدر حيواني، وهي ليست حلال. ‏
‏ ‏
*آخر نشاط قمتم به على المستوى الوطني كان تنظيمكم ليوم احتجاجي ‏تحت عنوان يوم بلا تسوّق، ما هدفه الفعلي؟ هل حققتكم ‏المبتغى من تنظيمه؟

سبق لنا أن نظّمنا حملات مقاطعة وطنية لمنتوجات مختلفة، وكل ‏مرة خصصناها لمادة معينة بسبب غلائها، لكنها كانت مواداً غذائية غير أساسية، كالموز والبيض مثلاً، لكن هذه المرة، ومع الغلاء الفاحش الذي ‏عرفته أسعار جميع المواد الغذائية الأساسية، قررنا تنظيم يوم رمزي ‏للاحتجاج والتنديد بهذا الغلاء الذي عانى منه المستهلك. وطلبنا من ‏العائلات الجزائرية ألا تتسوق في هذا اليوم، 20 ديسمبر/ كانون الأول، وكانت فيه ‏نسبة استجابة مهمة لكنها متفاوتة من منطقة إلى أخرى. كما أننا لم نتلقَّ ‏أي معارضة من أي جهة كانت لهذه المبادرة، لا الجمعيات المهنية ولا حتى ‏من طرف ممثلي التجار، عدا، وللأسف، الحملة المضادة التي تبنتها هيئة ‏أخرى تدعي أنها تحمي المستهلك، وهي بكل أسف، فيدرالية حماية ‏المستهلك.‏

*وهل حقق هذا اليوم الاحتجاجي النتائج المرجوّة منه؟
بتنظيمنا لهذا اليوم بلا تسوق أرى أنه قد حققنا أهم الأهداف التي ‏سطرناها وهي: أولاً إيصال تذمر المستهلك، ثانياً المطالبة بضبط الأسعار، ‏ثالثاً توحيد كلمة المستهلكين وإظهار أن عملهم الموحد يمكن أن يقلب ‏الموازين، رابعاً دفعنا نسبة مهمة من التجار الذين هم في الوقت نفسه ‏مستهلكون، لمساندتنا في الحملة، ولو أن نسبة المشاركة لا يمكن أن تكون ‏قوية ولكن اعتبرنا أن النتائج جد مرضية بالنسبة لنا.‏

*هل أنتم مطمئنون لازدياد نسبة الوعي الاستهلاكي لدى المواطن ‏الجزائري، في ظل حملات التوعية التي تقومون بها وتقوم بها ‏مختلف الجمعيات الناشطة في المجال؟

صراحة نحن متفائلون ومتخوفون في الوقت نفسه، فنحن متفائلون لأن الوعي الاستهلاكي بدأ ينتشر في الجزائر، ولا يخيفنا التاجر ‏الغشاش أو المنتج المضلل إشهارياً بقدر ما تخيفنا، وأنا مسؤول عمّا أقول، ‏الهيئات التي تدعي حماية المستهلك وهي تسير في نهج مخالف لمصالحه ‏وحقوقه. لأنه أحياناً بعض الجهات الادارية والتنظيمات المهنية تستشير ‏هذه التنظيمات مثلما نستشار نحن وغيرنا، ويتم أخذ مشورة الجميع، وأحياناً يتم العمل بالرأي الذي يخدم مصالح معينة بحجة أن الرأي صادر عمّن ‏يمثل المستهلك، وبالتالي هؤلاء يمكن أن يكونوا خطراً على المستهلك أكثر ‏من الذي يمكن أن يشكله التاجر الغشاش أو المنتج المخادع. وهنا نشعر بأن ‏المسؤوليه الملقاة على عاتقنا هي أكبر وأعظم ممّا كنّا نتصوّر.‏

من الغذاء إلى الأسعار
أكد رئيس جمعية حماية وإرشاد المستهلك في الجزائر، مصطفى زبدي، على أن جمعيات حماية ‏المستهلك تفتقر إلى المورد المالي كونها لا تمتلك برنامجاً تتبعه كي ‏تتلقى وفقه إعانات مادية من الدولة، "ونحن ارتأينا أن نعتمد على أنفسنا فقط في هذا المجال، حفاظاً على حريتنا في العمل الميداني، وهذه كلها أمور جعلت جمعيات المستهلك غير قوية بما فيه الكفاية لمجابهة التحديات ‏الكبرى".‏ وكانت الجمعية قد نظّمت عدداً من التحركات المتعلقة بمصالح المستهلكين، خصوصاً في ما بتعلق بالغش في قطاع السيارات، إضافة إلى المواد الغذائية الفاسدة ومنتهية الصلاحية، وصولاً الى قضية عدم إشهار الأسعار من قبل التجار، ما يؤدي إلى عدم وصول المستهلك إلى السعر بسهولة. وكذلك تطرقت الجمعية إلى قضايا تكوينات المواد الاستهلاكية الغذائية، وكذا مكونات المياه المعبأة والمخصصة للشرب. وقالت بيانات الجمعية، في أكثر من مناسبة، إن سوق المواد الغذائية خاضع للاحتكار التجاري في الجزائر، ما يساهم في ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة. كما لفتت إلى ضرورة أن يعي المستهلك حقوقه وأن يدافع عنها، كون عدم قيامه بذلك يساهم في زيادة انتهاك مصالحه. كما أكدت الجمعية على أهمية زيادة العمل الرقابي في الأسواق، وخصوصاً على السلع التي ترتبط مباشرة بصحة المواطن.

بطاقة: 
الدكتور مصطفى زبدي هو رئيس جمعية حماية وتوجيه المستهلك والأمين العام السابق للفيدرالية الجزائرية للمستهلكين. ناشط منذ سنوات في مجال قضايا حماية المستهلك، وقد ساهمت جمعيته في كشف الكثير من المخالفات، خصوصاً خلال الفترة الأخيرة، والتي ألحقت الضرر بمصالح المواطنين الجزائريين وحقوقهم.

المساهمون