مصر: يريدون صحفاً لا تزعج أحداً

07 اغسطس 2017
تشريد وسجن مئات الصحافيين (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يكن صحافيو "اليوم السابع" المصرية الخاصة، لمالكها رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، هم الحالة الأولى لفصل صحافيين على خلفية مواقف سياسية معادية للنظام المصري الحالي، فقد سبقهم في طابور الفصل والتشريد عشرات، إن لم تكن مئات، الحالات ما بين أعضاء نقابة صحافيين أو منتسبين للمهنة. 

وأجبرت صحيفة "اليوم السابع" 4 صحافيين هم عبد الرحمن مقلد، ومدحت صفوت، وماهر عبد الواحد، وسمر سلامة، على الحصول على إجازة بدون راتب لمدة عام قابلة للتجديد، قبل أن تجلب أمن المؤسسة لهم ليجبرهم على الرحيل، وسط تهديدات بالفصل حال عدم التوقيع على الإجازات.

إلا أن تلك الواقعة وإن كانت أكثر فجاجة من غيرها، سبقها العديد من عمليات تصفيات الصحافيين المعارضين للنظام الحالي في المؤسسات المختلفة، من خلال سلاح الفصل التعسفي الذي انتشر في عدد من الصحف والقنوات الخاصة على مدار السنوات القليلة الماضية.
وعلى الرغم من أن العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، تحججت في فصل صحافييها بـ"الأزمات المالية"، إلا أن صحافيين وأعضاء مجلس نقابة صحافيين، يدركون جيدا أن ما وراء الفصل لم تكن العثرات المالية وحسب، بل إن تصفيات سياسية طاولت العديد من الصحافيين، بدءًا من الموقّعين على قوائم "صحافيون ضد الانقلاب"، في يوليو/تموز 2013، في أعقاب الانقلاب العسكري، مرورًا بالموقّعين على بيانات رفض ما تعرف بـ"وثيقة رؤساء التحرير"، وغيرها، وصولا إلى الموقّعين على بيان "تيران وصنافير مصرية".

وكان معظم رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة والحزبية في مصر، قد أبرموا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ما يعرف بـ"وثيقة رؤساء التحرير"، في اجتماع ضمّهم بمقر حزب الوفد المصري، على خلفية حادث سيناء التفجيري آنذاك، وقرروا فيه "التوقف عن نشْر البيانات الصادرة التي تدعم الإرهاب وتدعو إلى تقويض مؤسسات الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر، والتعامل بموضوعية ومن دون مبالغة مع أخبار المظاهرات التخريبية لجماعة الإخوان داخل الجامعات وخارجها، ووضع آلية للتنسيق المشترك بين الصحف كافة لمواجهة المخططات الإرهابية، والسعي إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة هذه المخططات التي من شأنها منْع تسلل العناصر الداعمة للإرهاب إلى الصحافة، ومواجهة الثقافة المعادية للثوابت الوطنية".



وهو البيان الذي اعتبره صحافيون مستقلون "تأميماً للصحافة في مصر"، ووقّع أكثر من 487 صحافياً على بيان ضد إعلان رؤساء التحرير الصحف القومية والخاصة والحزبية، ونقيب الصحافيين، شددوا فيه على أن ما صدر عن اجتماع رؤساء التحرير "ردة عن حرية الصحافة، وقتل متعمد للمهنة، وإهدار لكرامة الصحافي، وانتصار للإرهاب، عبر إعلان التخلي الطوعي عن حرية الرأي والتعبير".

وبحسب تقرير لـ"اللجنة الدولية لحماية الصحافيين"، الصادر في يونيو/حزيران من العام الماضي، بشأن كشف الصحف المتعثرة ماليا والتي لجأت إلى تسريح العاملين فيها، فقد امتد، على مدار الأعوام القليلة الماضية، ليشمل مؤسسة الأهرام، عقب إصدارها قراراً بفصل 160 صحافيًا، بحجة "تقليل النفقات" أيضا، وجريدة "اليوم السابع"، التي فصلت 134 صحافياً من دون إبداء أسباب، لتعود مرة أخرى وتبرر موقفها، بأنهم "متدربون"، وكذلك موقع "دوت مصر" الذي فصل 76 صحافيًا من دون سابق إنذار، ولجأت إدارة الموقع إلى مساومة المفصولين على حقوقهم المادية، لإثنائهم عن المطالبة بحقوقهم المشروعة. وجريدة "الدستور" التي فصلت 30 صحافيًا، وكذلك جريدة "الصباح" فصلت نفس العدد المشار إليه، وكذلك أقدمت صحيفة "الشروق" على فصل ما يقرب من 40 صحافياً، وفصلت صحيفة وموقع "التحرير" عدداً آخر من الصحافيين.

في السياق ذاته، أصدر المرصد العربي لحرية الإعلام، بيانًا، في الذكرى الرابعة للانقلاب العسكري في مصر في الثالث من يوليو/تموز 2013، أكد فيه أنه، بعد مرور 4 سنوات على الإطاحة بالحكم المدني المنتخب "يعيش الإعلام المصري أسوأ أيامه في ظل قهر تام، وتكميم للأفواه، واعتماد إعلام الصوت الواحد".

ودعا المرصد، في بيانه، "كل المعنيين بحرية الصحافة في العالم، إلى مساندة حرية الصحافة في مصر، والتحرك للإفراج عن الصحافيين السجناء، وإعادة الصحف والقنوات المغلقة، ومنع ملاحقة الصحافيين والمصورين، وتقديم المعتدين للعدالة".
وأكد المرصد، في بيانه، أنه "على مدار السنوات الأربع الماضية، عانى الإعلام المصري أشد المعاناة من ممارسات عملية وصلت إلى حد القتل للعديد من الصحافيين والمصورين، ومن تشريعات قمعية كفيلة بإخراس أي صوت ناقد، أو غلق أي منبر حر".

وأشار المرصد إلى أن "نحو 300 صحافي دخلوا السجون وأقسام الحجز المصرية، خلال تلك السنوات الأربع، لمدد متفاوتة، بين احتجاز مؤقت وحبس احتياطي وحبس حكمي، ظل منهم نحو مائة صحافي ومصور حتى الآن بعضهم قضى نحو 4 سنوات من الحبس، وبعضهم تجاوز مدة الحبس الاحتياطي التي يقدرها القانون بسنتين كحد أقصى ولم يفرج عنهم، ولم توجه لهم اتهامات جدية، وبعضهم يعاني أمراضا فتاكة في محبسهم، وترفض إدارات السجون نقلهم للعلاج خارج السجون، ولو على نفقتهم الشخصية (هشام جعفر- محسن راضي- مجدي حسين نموذجا".

كما أكد المرصد أن "10 صحافيين قُتلوا بسلاح الجيش والشرطة، (أحمد عاصم- أحمد عبد الجواد- حبيبة عبد العزيز- مصعب الشامي – مايك دين- محمد الديب- تامر عبدالرؤوف- مصطفى دوح- محمد حلمي- ميادة أشرف)، ولم تتم معاقبة قتَلتهم حتى هذه اللحظة".
وخاض مجلس نقابة الصحافيين السابق، معركة كبيرة مع الصحافيين المفصولين تعسفيًا من الصحف والمواقع الإخبارية، لم تنجح واحدة منها في إثناء الإدارة عن قرار الفصل، وتحولت حالات الفصل إلى أكوام من الشكاوى والمذكرات المقدمة للجنة التسويات في النقابة، أو المحولة إلى دعاوى قضائية تصدر فيها الأحكام بعد سنوات.

وكان ملف الفصل التعسفي، أحد أهم الأسباب التي أطاحت بمجلس نقابة الصحافيين السابق، خاصة مقرر لجنة الحريات ورئيس لجنة التسويات، خالد البلشي، ومن قبله النقيب السابق يحيى قلاش، في الانتخابات الماضية التي أجريت في مارس/آذار الماضي.



المساهمون