يمارس النظام المصري ضغوطاً على الهيئات القضائية المختلفة للانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة وترك المقار الرئيسية لتلك الهيئات في القاهرة، وتقديم خطة واضحة لكيفية التعامل مع جمهور المتقاضين وكيفية استغلال المباني الحالية. ويرغب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في إنشاء مدينة متكاملة للعدالة في العاصمة الجديدة، تضم دوراً لمحكمة النقض ومحاكم الجنايات والنيابة العامة ومجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، فضلاً عن إنشاء مبنى جديد للمحكمة الدستورية العليا في موقع خاص قريب من المقار الرئاسية والعسكرية في العاصمة الجديدة.
وعلى الرغم من امتعاض أعضاء المجالس العليا للهيئات القضائية، وعلى رأسها مجلس القضاء الأعلى، من فكرة ترك القاهرة إلى ضواحي بعيدة عن قلب العاصمة الحالية، إلا أنهم يتعاملون مع الأمر باعتباره تعليمات نافذة ولا جدال فيها، بحسب مصدر قضائي في محكمة النقض، ذكر لـ"العربي الجديد"، أن مشروع مدينة العدالة في العاصمة الإدارية الجديدة سينفذ بنسبة 100 في المائة، لكن المشكلة في قابلية المشروع للنجاح، وعدم وجود تصور لما يمكن فعله في تلك الدور الجديدة النائية عن العمران والمواصلات.
وأوضح المصدر أن عمليات إنشاء الدور القضائية الجديدة في العاصمة الجديدة مسندة بالكامل للهيئة الهندسية للجيش، وتتم من دون مراجعة إدارات الهيئات القضائية إلا في أضيق الحدود، إذ تم عرض عدد محدود من التصميمات على كل رئيس هيئة، وبعد اختيار التصميم بدأت عملية التنفيذ بإشراف كامل من الرئاسة والمخابرات العامة ووزارة الدفاع، وتمت مراجعة الهيئات في بعض التصميمات الداخلية بشأن قاعات الجلسات واشتراطاتها الفنية.
وأضاف المصدر أن الأمر نفسه حدث بالنسبة للمحكمة الدستورية التي سيتمتع المبنى الخاص بها بضخامة استثنائية بالنسبة لباقي الدور، بالإضافة لقربه من البرلمان والرئاسة ومبنى وزارة الدفاع ومجمّع السفارات الجديد الذي لم يتم إنشاء وحداته حتى الآن في انتظار موافقة الدول الأجنبية على نقل سفاراتها من القاهرة أو إنشاء ملحقيات لها.
لكن هناك العديد من المشاكل التي تواجه الهيئات القضائية، وتدفع المصدر الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، وغيره من القضاة، لوصف الأمر بـ"إهدار حقيقي للمال العام". أول هذه المشاكل أنه من الناحية العملية لن تتمكن المحاكم من عقد جلسات محاكمة في العاصمة الجديدة، لأن المحاكمات يشترط أن تكون علنية، والعاصمة الجديدة ستُبنى بشكل "مجمّع عمراني مغلق" لن يُسمح بدخوله لأي شخص، الأمر الذي يمنع انعقاد المحاكمات فيه عملياً، فضلاً عن تكبّد الشرطة تكاليف مالية ضخمة في نقل المتهمين من السجون إلى العاصمة الجديدة.
المشكلة الثانية هي أن المتقاضين لن يستطيعوا التردد على الهيئات القضائية للسبب السابق نفسه، حتى وإن لم يكونوا متهمين، خصوصاً بعد فشل تجربة مقر النيابة العامة الجديد في القاهرة الجديدة في تحقيق التواصل مع المواطنين الذين يتوافدون حاملين شكاواهم وبلاغاتهم من دون أن يتمكنوا من مقابلة أي مسؤول، وهو ما تسبّب فقط في فرض مزيد من العزلة على أعضاء النيابة العامة بحجة توفير الحماية الأمنية لهم، مقابل تعطل البلاغات وتأخر الرد على المواطنين.
اقــرأ أيضاً
أما المشكلة الثالثة فهي أن ابتعاد إدارات الهيئات القضائية عن جموع القضاة، سيتسبّب في ضعف التواصل ويثير حفيظة رؤساء المحاكم، وهذا قائم بالنسبة للمقترحات المتداولة في أوساط وزارة العدل بنقل انعقاد المجلس الأعلى للقضاء والمجلس الخاص لمجلس الدولة والمجلسين العاليين للنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة فقط إلى مدينة العدالة الجديدة، وترك المباني الحالية لجموع القضاة وانعقاد دوائر المحاكم، مما ينطوي على تمييز غير محبب للقضاة الذين كان يسهل عليهم دائماً التواصل مع المجالس العليا الخاصة بهم والتي تدير شؤونهم.
والمشكلة الرابعة خاصة بمحكمة النقض، فالمنصوص عليه في اللوائح الداخلية للمحكمة أن تنعقد كل الدوائر في القاهرة، وليس في أي مكان آخر، على الرغم مما يترتب على ذلك من تعطيل لسير القضايا لعدم انعقاد الدائرة إلا مرة واحدة كل شهر. وإذا انتقلت بعض الدوائر بالفعل إلى العاصمة الجديدة، فسيفتح هذا باب التشكيك في أحكام تلك الدوائر، لأنها مكانياً لم تعد في القاهرة، وبالتالي ستكون أحكامها عرضة للطعون.
أما المشكلة الخامسة التي ينبغي حلها لإزالة عقبة دستورية، فهي تتعلق بالمحكمة الدستورية العليا وحدها، وتتمثّل في أن المادة 191 من الدستور تنصّ على أن مقر المحكمة مدينة القاهرة، ولذلك فلا أحد يعرف كيف ستنعقد المحكمة في العاصمة الإدارية الجديدة، إلا إذا كانت العاصمة تابعة إدارياً للقاهرة، وهذا لن يحدث في ظل تداول معلومات عن استحداث محافظة لها، وبالتالي سيصعب انعقاد المحكمة فيها من دون تعديل دستوري لهذه المادة تحديداً.
وهناك حل "متحايل" يمكن استخدامه ولكن بشكل مؤقت استناداً إلى نص في المادة ذاتها، يجيز للمحكمة الدستورية في حالة الضرورة انعقادها في أي مكان آخر داخل البلاد بموافقة الجمعية العامة للمحكمة، ولكن يصعب التحجج بأن هناك حالة ضرورة دائمة تستدعي انعقاد المحكمة بعيداً عن مقرها الرئيسي في المعادي، جنوب القاهرة.
وتشرف القوات المسلحة على العاصمة الإدارية الجديدة بالكامل، إذ تدير المشروع شركة مشهرة بين الجيش ووزارة الإسكان ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ويجري حالياً إنشاء حي حكومي في العاصمة تديره لجنة شكّلها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي باسم "لجنة الانتقال إلى العاصمة الجديدة"، ستكون مهمتها تحديد أولويات إخلاء الأراضي والعقارات المشغولة حالياً في دواوين الوزارات في وسط القاهرة، ودراسة بدائل استغلالها والتصرف فيها.
وسبق أن قالت مصادر حكومية مطلعة إن الأراضي والعقارات الخاصة بالوزارات والهيئات التي ستنتقل إلى العاصمة الإدارية الجديدة (شمال شرق القاهرة) ستنقسم إلى نوعين: الأول سيبقى بحوزة الوزارات، إذ ستستمر بتشغيله بعض الإدارات والهيئات التابعة للوزارات والتي لا يمكنها الانتقال إلى العاصمة الإدارية لأسباب سياسية، أو إدارية لضخامة عدد العاملين واستحالة نقلهم بالكامل إلى العاصمة الجديدة، وبالتالي ستنتقل فقط مكاتب الوزراء ومساعديهم.
أما النوع الثاني فهي العقارات التي ستحدد اللجنة الجديدة أولوية استثمارها والاستفادة منها مالياً بالبيع أو الإيجار، وسيتم نقل الدواوين القائمة فيها إلى العاصمة الإدارية فوراً. ومن الوزارات المرشحة بقوة لتكون عقاراتها من هذا النوع: وزارة الصحة التي يقع ديوانها إلى جانب مقر مجلس الوزراء في مواجهة مجلس النواب، وتطل على شارعي مجلس الشعب والفلكي، ووزارتا التموين والتعليم العالي ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في شارع قصر العيني، ووزارة التعليم في شارع صفية زغلول، ووزارتا الإنتاج الحربي والإسكان في شارع سليمان أباظة.
اقــرأ أيضاً
وعلى الرغم من امتعاض أعضاء المجالس العليا للهيئات القضائية، وعلى رأسها مجلس القضاء الأعلى، من فكرة ترك القاهرة إلى ضواحي بعيدة عن قلب العاصمة الحالية، إلا أنهم يتعاملون مع الأمر باعتباره تعليمات نافذة ولا جدال فيها، بحسب مصدر قضائي في محكمة النقض، ذكر لـ"العربي الجديد"، أن مشروع مدينة العدالة في العاصمة الإدارية الجديدة سينفذ بنسبة 100 في المائة، لكن المشكلة في قابلية المشروع للنجاح، وعدم وجود تصور لما يمكن فعله في تلك الدور الجديدة النائية عن العمران والمواصلات.
وأضاف المصدر أن الأمر نفسه حدث بالنسبة للمحكمة الدستورية التي سيتمتع المبنى الخاص بها بضخامة استثنائية بالنسبة لباقي الدور، بالإضافة لقربه من البرلمان والرئاسة ومبنى وزارة الدفاع ومجمّع السفارات الجديد الذي لم يتم إنشاء وحداته حتى الآن في انتظار موافقة الدول الأجنبية على نقل سفاراتها من القاهرة أو إنشاء ملحقيات لها.
لكن هناك العديد من المشاكل التي تواجه الهيئات القضائية، وتدفع المصدر الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، وغيره من القضاة، لوصف الأمر بـ"إهدار حقيقي للمال العام". أول هذه المشاكل أنه من الناحية العملية لن تتمكن المحاكم من عقد جلسات محاكمة في العاصمة الجديدة، لأن المحاكمات يشترط أن تكون علنية، والعاصمة الجديدة ستُبنى بشكل "مجمّع عمراني مغلق" لن يُسمح بدخوله لأي شخص، الأمر الذي يمنع انعقاد المحاكمات فيه عملياً، فضلاً عن تكبّد الشرطة تكاليف مالية ضخمة في نقل المتهمين من السجون إلى العاصمة الجديدة.
المشكلة الثانية هي أن المتقاضين لن يستطيعوا التردد على الهيئات القضائية للسبب السابق نفسه، حتى وإن لم يكونوا متهمين، خصوصاً بعد فشل تجربة مقر النيابة العامة الجديد في القاهرة الجديدة في تحقيق التواصل مع المواطنين الذين يتوافدون حاملين شكاواهم وبلاغاتهم من دون أن يتمكنوا من مقابلة أي مسؤول، وهو ما تسبّب فقط في فرض مزيد من العزلة على أعضاء النيابة العامة بحجة توفير الحماية الأمنية لهم، مقابل تعطل البلاغات وتأخر الرد على المواطنين.
أما المشكلة الثالثة فهي أن ابتعاد إدارات الهيئات القضائية عن جموع القضاة، سيتسبّب في ضعف التواصل ويثير حفيظة رؤساء المحاكم، وهذا قائم بالنسبة للمقترحات المتداولة في أوساط وزارة العدل بنقل انعقاد المجلس الأعلى للقضاء والمجلس الخاص لمجلس الدولة والمجلسين العاليين للنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة فقط إلى مدينة العدالة الجديدة، وترك المباني الحالية لجموع القضاة وانعقاد دوائر المحاكم، مما ينطوي على تمييز غير محبب للقضاة الذين كان يسهل عليهم دائماً التواصل مع المجالس العليا الخاصة بهم والتي تدير شؤونهم.
والمشكلة الرابعة خاصة بمحكمة النقض، فالمنصوص عليه في اللوائح الداخلية للمحكمة أن تنعقد كل الدوائر في القاهرة، وليس في أي مكان آخر، على الرغم مما يترتب على ذلك من تعطيل لسير القضايا لعدم انعقاد الدائرة إلا مرة واحدة كل شهر. وإذا انتقلت بعض الدوائر بالفعل إلى العاصمة الجديدة، فسيفتح هذا باب التشكيك في أحكام تلك الدوائر، لأنها مكانياً لم تعد في القاهرة، وبالتالي ستكون أحكامها عرضة للطعون.
وهناك حل "متحايل" يمكن استخدامه ولكن بشكل مؤقت استناداً إلى نص في المادة ذاتها، يجيز للمحكمة الدستورية في حالة الضرورة انعقادها في أي مكان آخر داخل البلاد بموافقة الجمعية العامة للمحكمة، ولكن يصعب التحجج بأن هناك حالة ضرورة دائمة تستدعي انعقاد المحكمة بعيداً عن مقرها الرئيسي في المعادي، جنوب القاهرة.
وتشرف القوات المسلحة على العاصمة الإدارية الجديدة بالكامل، إذ تدير المشروع شركة مشهرة بين الجيش ووزارة الإسكان ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ويجري حالياً إنشاء حي حكومي في العاصمة تديره لجنة شكّلها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي باسم "لجنة الانتقال إلى العاصمة الجديدة"، ستكون مهمتها تحديد أولويات إخلاء الأراضي والعقارات المشغولة حالياً في دواوين الوزارات في وسط القاهرة، ودراسة بدائل استغلالها والتصرف فيها.
وسبق أن قالت مصادر حكومية مطلعة إن الأراضي والعقارات الخاصة بالوزارات والهيئات التي ستنتقل إلى العاصمة الإدارية الجديدة (شمال شرق القاهرة) ستنقسم إلى نوعين: الأول سيبقى بحوزة الوزارات، إذ ستستمر بتشغيله بعض الإدارات والهيئات التابعة للوزارات والتي لا يمكنها الانتقال إلى العاصمة الإدارية لأسباب سياسية، أو إدارية لضخامة عدد العاملين واستحالة نقلهم بالكامل إلى العاصمة الجديدة، وبالتالي ستنتقل فقط مكاتب الوزراء ومساعديهم.
أما النوع الثاني فهي العقارات التي ستحدد اللجنة الجديدة أولوية استثمارها والاستفادة منها مالياً بالبيع أو الإيجار، وسيتم نقل الدواوين القائمة فيها إلى العاصمة الإدارية فوراً. ومن الوزارات المرشحة بقوة لتكون عقاراتها من هذا النوع: وزارة الصحة التي يقع ديوانها إلى جانب مقر مجلس الوزراء في مواجهة مجلس النواب، وتطل على شارعي مجلس الشعب والفلكي، ووزارتا التموين والتعليم العالي ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في شارع قصر العيني، ووزارة التعليم في شارع صفية زغلول، ووزارتا الإنتاج الحربي والإسكان في شارع سليمان أباظة.