مصر: عباس كامل صاحب قرار اقتحام نقابة الصحافيين

04 مايو 2016
استعدى عبد الغفار أغلب النقابات المهنية (فرانس برس)
+ الخط -
ترتفع الأصوات المطالبة بإقالة وزير الداخلية المصري، مجدي عبد الغفار، على خلفية اقتحام  مقر نقابة الصحافيين من قبل الأمن لإلقاء القبض على كل من عمرو بدر، رئيس تحرير بوابة يناير الإلكترونية، وزميله في الموقع محمود السقا، مستمدة مبرراتها من أداء الوزارة المليء بالانتهاكات في عهد عبد الغفار، فيما يكشف مصدر سياسي مصري قريب من دوائر صنع القرار في مؤسسة الرئاسة، عن أنّ اللواء عباس كامل، مدير مكتب الرئيس المصري، عبد الفتاح السياسي، هو صاحب قرار اقتحام مقر النقابة.
ويقول المصدر نفسه لـ"العربي الجديد" إنّ "كامل اتصل بوزير الداخلية المصري، اللواء مجدي عبد الغفار، وكلّفه بتنفيذ القرار"، متابعاً "ربما يكون الهدف من تلك الخطوة هو كسْر النقابة أمام الرأي العام بعد تعالي أصوات بعض الصحافيين بالنقد ضد رئيس الجمهورية، وانطلاق هتافات من على سُلم الصحافيين تطالب بسقوط السيسي وحكم العسكر في أعقاب قرار إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والذي تخلت القاهرة بمقتضاه عن سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير للمملكة". ويشير المصدر نفسه إلى أن "الكثير من رموز مؤسسة الرئاسة المصرية لم يكونوا يتوقعون رد الفعل الغاضب، والذي تمثل في تحوّل بعض الإعلاميين البارزين المؤيدين للنظام إلى الهجوم عليه، وعدم استجابتهم للتحذيرات من مغبة ذلك، والتي ساقتها لهم قيادات أمنية بارزة".

ووفقاً للمصدر، فإن كامل، مدير مكتب الرئيس المعروف بمسؤول الأذرع الإعلامية، ومساعده الرائد أحمد شعبان، مهّدا لتلك الخطوة بإجراء استباقي من خلال حلقة موجّهة في برنامج "العاشرة مساء" الذي يقدمه الإعلامي وائل الإبراشي، ركزت حول دور نقابة الصحافيين في الفترة الأخيرة واستقبال سُلمها لتظاهرات غاضبة ضد رئيس الجمهورية، فضلاً عن الهجوم على مجلس النقابة، واتهامه بالتواصل مع أطراف خارجية لهزّ استقرار الدولة من خلال استضافة اثنين من الصحافيين المعروف عنهما علاقتهما بالأجهزة الأمنية.

استعداء النقابات

وبينما عادت المطالبات بإقالة وزير الداخلية لترتفع على وقع تفاعل قضية اقتحام نقابة الصحافيين، فإن الدعوات إلى تغييره لم تتوقف على مدار الشهور القليلة الماضية، مع تصاعد حدّة انتهاكات وتجاوزات جهاز الشرطة. وبات عليه شخصياً ثأر لدى العديد من الفئات سواء المهنية أو حتى قطاعات من الشعب المصري.

وتوسّعت وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية في عمليات الانتهاكات منذ تولي الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، سدة الحكم، قبل عامين، بيد أن تلك الانتهاكات وصلت إلى درجة غير مسبوقة في عهد الوزير الحالي. وفي كل الوقائع السابقة التي أثارت حالة من الغضب والاستياء الشعبي أو الفئوي، لم تتحرك مؤسسة الرئاسة لإقالة عبد الغفار، على الرغم من تحذير مراقبين من انعكاس ممارسات الأجهزة الأمنية على السيسي نفسه والنظام بأكمله.
ودخل عبد الغفار في عداء كبير مع مختلف شرائح المجتمع، حتى أن الانتهاكات وصلت في عهده إلى درجة غير مسبوقة، والصدام مع النقابات المهنية والأحزاب والشباب بات العنوان العريض لسياساته الأمنية.
وتعدّدت تجاوزات الشرطة من عمليات تصفية جسدية إلى اعتقالات ممنهجة وعشوائية لمعارضي السيسي، وقتْل للمواطنين في الشوارع والطرقات، فضلاً عن قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، والاعتداء على الأطباء والمحامين والصحافيين، وأخيراً اقتحام قوات الأمن نقابة الصحافيين.

وفي أواخر شهر يناير/كانون الثاني الماضي، اعتدى أمناء شرطة على أطباء مستشفى المطرية التعليمي، في واقعة خلّفت حالة غضب كبيرة، لجأت معها نقابة الأطباء إلى عقد جمعية عمومية طارئة، ولا سيما بعد إخلاء سبيل المتهمين في عملية الاعتداء. وأعقب عملية الاعتداء على أطباء المطرية، اعتداءات مماثلة على أطقم طبية في مستشفيات أخرى، بعد محاولة أفراد الشرطة استخدام سلطتهم في إجبار الأطباء والأطقم المعاونة على تنفيذ مطالبهم بمعالجة ذويهم.
وفي عهد عبد الغفار أيضاً، توسّعت عمليات القبض على المحامين، حتى أن أحدهم ويدعى، كريم حمدي، قُتل داخل قسم المطرية، بعد عملية تعذيب من قبل الضباط. وطالبت نقابة المحامين، أواخر العام الماضي، بإقالة وزير الداخلية بعد واقعة مقتل حمدي، ونظم المحامون وقفات أمام نقابتهم، وسط تصاعد حالة الغضب ضد الوزير الحالي.
وتوالت عمليات الشرطة في القبض على محامين، وآخر تلك الحوادث تمثلت في اعتقال إسلام سلامة، وهو محامي أهالي المختفين قسرياً، في شهر مارس/آذار الماضي، لتخرج دعوات أخرى بإقالة الوزير.

وأخيراً دخل عبد الغفار في صدام هو الأعنف مع نقابة الصحافيين بعد اقتحام رجال الأمن المبنى، وبحسب روايات شهود العيان، فإن ما لا يقل عن 30 من أفراد الأمن، بزي مدني، اقتحموا مبنى النقابة، مساء الأحد الماضي، للقبض على الصحافيين عمرو بدر رئيس تحرير بوابة يناير، ومحمود السقا. وخلفت هذه الواقعة، التي تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ نقابة الصحافيين على مدار تاريخها، حالة غضب واستياء واسعة لدى جموع الصحافيين، الذين توافدوا إلى مقر النقابة حتى الساعات الأولى من صباح يوم الإثنين الماضي.
وتواصلت الاحتجاجات على سلالم نقابة الصحافيين، في إطار رفْض هذا الاقتحام والحشد والتحضير للجمعية العمومية الطارئة اليوم الأربعاء.
وعقد أعضاء مجلس نقابة الصحافيين اجتماعاً طارئاً طالبوا فيه بشكل واضح وصريح إقالة وزير الداخلية، باعتباره الحد الأدنى لرد كرامة الصحافيين.


ثأر شعبي

وبخلاف الصدام والعداء بين شخص وزير الداخلية، والنقابات المهنية، فكان هناك ثأر شعبي، بعد عمليات القتل الواسعة لمواطنين في الشارع أمام الجميع من قبل أفراد الشرطة.

وأطلق ثلاثة من رجال الشرطة النار في ثلاث وقائع مختلفة خلال أقل من ثلاثة أشهر، في مناطق الدرب الأحمر، والرحاب، وأخيراً في الألف مسكن. وتشترك الوقائع الثلاث في أن أفراد الشرطة أطلقوا النار على المواطنين بسبب أمور شخصية، لا تتعلق بتنفيذ مهامهم بحفظ الأمن. الواقعة الأولى حينما أقدم أمين شرطة على إطلاق نار على سائق في منطقة الدرب الأحمر، في شهر فبراير/شباط الماضي، وما ترتب عليه من محاصرة أهالي المنطقة لمديرية أمن القاهرة. وخرجت الروايات الأمنية، تتحدث عن تدخل أمين الشرطة لفض مشاجرة فأطلق النار، وأصابت رصاصات سائقاً، ليتبين أن أمين الشرطة هو سبب المشكلة واستغل سلاحه الميري وسلطته في قتْل شاب بطلقتين في البطن والرأس. لم يكد يمر شهران على واقعة الدرب الأحمر، حتى فوجئ الجميع بإطلاق أمين شرطة آخر النار على ثلاثة مواطنين في منطقة الرحاب، قتل أحدهم وأصيب اثنان. مرّ الأمر أيضاً دون إقالة وزير الداخلية، وخرجت التصريحات لتؤكد "فردية" هذه التصرفات. أيام قليلة مرت على واقعة الرحاب، ليطلق ضابط النار على سائق في منطقة الألف مسكن، بعد مشادة حدثت بينهما.
وبخلاف هذه الأزمات والصدام العنيف مع النقابات المهنية وشرائح شعبية، فإن وزير الداخلية حدثت في عهده جريمة مقتل الباحث الإيطالي، والتي أثرت على علاقات مصر القوية مع إيطاليا، فضلاً عن تأثرها بدول الاتحاد الأوروبي، حتى أن البرلمان الأوروبي أوصى الدول الأعضاء فيه بمراجعة شاملة للعلاقات مع القاهرة.

خيارات النظام وصراعات الأجهزة

ويرى مراقبون أن مسألة إقالة وزير الداخلية، على خلفية اقتحام مبنى نقابة الصحافيين، واردة لكنها ليست الخيار الأكيد والأوحد لدى مؤسسة الرئاسة. ويقول مراقبون إن النظام ربما يلجأ إلى التعامل مع مطلب الصحافيين مثلما حدث مع الأطباء، بتركهم يفرّغون شحنات الغضب في الوقفات والتظاهرات، لكن دون اللجوء إلى إقالة عبد الغفار أو دفعه إلى تقديم استقالته. وكان تكرار حوادث وانتهاكات وزارة الداخلية، وما يعرف بصراع الأجهزة داخل جسد النظام الحالي، الذي ينعكس على شعبية وصورة السيسي نفسه، قد دفع أجهزة سيادية إلى مطالبة السيسي بإقالة عبد الغفار، وهو ما نشرته "العربي الجديد" في وقت سابق.
وطالبت بعض الأجهزة السيادية السيسي بشكل واضح وصريح بإقالة وزير الداخلية، لأن ممارسات جهاز الشرطة تؤثر سلباً على الوضع سواء داخلياً واستعداء فئات كبيرة من الشعب فضلاً عن تأثير ذلك على صورة مصر خارجياً، بخلاف مسألة صراع الأجهزة ورغبة الأمن الوطني في بسْط سيطرته على الوضع، كما كان في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك .
وتقول مصادر مقربة من دائرة اتخاذ القرار في مؤسسة الرئاسة، إن مسألة إقالة وزير الداخلية أحد الخيارات المطروحة وتتم دراستها.

وتضيف المصادر أن السيسي يفكر في إقالة عبد الغفار والتضحية به، لكن الإطاحة بوزير الداخلية ليست الخيار الأول بالنسبة له، بانتظار ما ستسفر عنه الخطوات التصعيدية للصحافيين. وتشير المصادر نفسها إلى أن بعض المقربين من الرئاسة والأجهزة تطالب السيسي بإقالة عبد الغفار فوراً، منعاً لتأزم الوضع مع الإعلام والصحافة خلال الفترة المقبلة، ولا سيما بعد اعتبار جموع الصحافيين أنّ اقتحام مبنى النقابة إهانة لهم.
وترى المصادر أنه بات يوجد إدراك تام بضرورة التضحية بوزير الداخلية، لكن ربما يكون الأمر متعلقاً بالوقت، ولا سيما أن السيسي لا يريد أن يكون مسلسل الإقالات والاستقالات لمسؤولين كرد فعل لضغط فئوي أو شعبي. وتلفت المصادر إلى أن هناك مشكلة خلال الفترة الماضية تحول دون اتجاه السيسي لإقالة وزير الداخلية، تتعلق بعدم وجود بديل مناسب له، ولا سيما لجهة ما هو معروف عن عبد الغفار من أن له شخصية قوية داخل الوزارة، فضلاً عن أنه ينتمي إلى جهاز الأمن الوطني. كما أنه مدعوم من مستشار السيسي للأمن القومي، اللواء أحمد جمال الدين.
من جهته، يقول الخبير السياسي، محمد عز، إن وزير الداخلية ثبت فشله على كل المستويات سواء مواجهة الإرهاب والتنظيمات المسلحة، فضلاً عن اتخاذ خطوات تؤثر على استمرار النظام الحالي. ويبدي عز، في حديثه مع "العربي الجديد"، استغرابه مما يقول إنه "إبقاء السيسي على عبد الغفار على الرغم من الأخطاء والكوارث التي حدثت في عهده"، قبل أن يضيف "لكن يبدو أن السيسي موافق على سياسات وزارة الداخلية، لأنها ذراعه في التنكيل بمعارضيه". ويرى عز أنّ استمرار وزير الداخلية، على الرغم من الانتهاكات والتجاوزات، يعكس رغبة السيسي في استمرار الوضع كما هو عليه، وبالتالي دخول الرئيس الحالي نفسه في صدام مع فئات الشعب التي لها تأثير ويمكن أن تتكتل ضده. ويستبعد عز أن تكون مؤسسة الرئاسة لا تعلم باقتحام الداخلية نقابة الصحافيين، ولا سيما أن الإعلام والصحافة لا يمكن التعامل معهما بنفس التعامل مع فئات أخرى، فضلاً عن معرفة تبعات هذه الخطوة، ولذلك فالقرار لا بد من أن يكون على مستوى عالٍ. وبشأن التصريحات التي خرجت بعدم علم الرئاسة، يعتبر عز أن تأتي في إطار "محاولات لحفظ ماء وجه السيسي من بعض المقربين منه، لكنها تعكس ما هو أخطر من الموافقة على اقتحام النقابة، وتثبت صراع الأجهزة وأن السيسي شخصية ضعيفة لا يسيطر على كل مفاصل وأجهزة الدولة"، على حد قوله.
وكان رئيس تحرير صحيفة "أخبار اليوم"، ياسر رزق، من المقربين لمؤسسة الرئاسة، قد نفى أن يكون لدى الرئاسة علم بمسألة اقتحام قوات الأمن لمبنى نقابة الصحافيين، مطالباً بإقالة وزير الداخلية.

المساهمون