اختار المصريون القدامى يوم 21 أبريل/نيسان للاحتفال بالربيع وتعادل الليل والنهار، واعتدال الطقس، كان اليوم الفرعوني يعرف باسم "شمّو" ثم حوّلوه إلى "شمّ النسيم". طالما أحبّوا الاعتدال والعدل، وإن لم يحظوا بهما على مرّ التاريخ. اليوم، يأتي هذا الاحتفال مناسبة لتجديد محبّة المصريين للحياة والاعتدال والعدل والفرح بالحياة، على الرغم من الواقع الراهن القاسي، الا أنّهم أصرّوا على تحدّيه.
إن كانت الشمس في هذا اليوم، وفق الرواية الفرعونية، تستطيع أن تقسم الهرم (تتعامد على رأس الهرم وقت الغروب) فلا بدّ لها أنّ تبدّد الحزن وتشطر الظلام.
يوم في الهواء الطلق والشمس ونسائم الربيع عاشه المصريون في المحافظات كافة، وتجلّى في القاهرة والجيزة في أبهى حلّة.
منذ الصباح وحتى غروب الشمس، ازدحمت المنتزهات والحدائق والميادين العامة في مصر بآلاف المحتفلين بيوم "شمّ النسيم" على طريقتهم المصرية الخالصة، ولم يسمحوا للظروف الصعبة التي تحاصرهم أن تغيّرها أو تهزم بهجتها.
حتى كوبري أكتوبر في وصلته العابرة لنهر النيل التي تصل محافظتي القاهرة والجيزة، لم يسلم من مظاهر الاحتفال، حيث اصطفت السيارات على جانبيه، ونزلت منها العائلات لالتقاط صور خلفيتها مياه النيل، وكادرها مليء بألوان البهجة والاحتفال.
وعلى كوبري أكتوبر وجد الباعة الجائلون مصدر رزق جديد، ينافسون به زملاءهم على كوبري عباس الشهير بالعشّاق والمتحابّين، حيث وقفت عربات "حمص الشام والترمس وغزل البنات".
امتلأت ميادين رئيسية مثل "عبد المنعم رياض" و"التحرير" بالزوار الذين افترشوا الأرض والتقطوا الصور. وعلى كورنيش النيل من أمام مبنى ماسبيرو وفي امتداده للمعادي وحلوان، كان حضور الشباب من الفئة العمرية الأصغر سناً طاغياً، الأمر نفسه انطبق على مراكب النزهة النيلية "فالوكة"، التي تميزت بوجود بعض العائلات وصخب الأغاني الشعبية الصادرة منها.
جميع حدائق القاهرة والجيزة العامة والمنتزهات امتلأت بالمحتفلين، الذين افترشوا الأرض، وأقاموا ولائم "الفسيخ والرنجة والسردين"، وهي الوليمة التي لا تكتمل سوى بوجود البصل الأخضر والليمون والخس والخيار.
ميدان النهضة بالجيزة، المقابل للبوابة الرئيسية لحديقة حيوانات الجيزة، كان من أكثر المناطق ازدحاماً، على الرغم من اختفاء ظاهرة الزحام من محافظتي القاهرة والجيزة اليوم، فقد شهد حضور العشرات الذين تجمعوا لالتقاط الصور في الميدان بجوار تمثاله الشهير "نهضة مصر".
وعلى بوابة حديقة حيوانات الجيزة الرئيسية، وقفت عربات "الكارو" المحملة بفاكهة الحرنكش والدوم والنبق والتفاح المغطى بالكريز المكرمل.
5 جنيهات فقط، تدخلك عالماً آخر داخل "حديقة الحيوان" المعمّرة، (قرن وربع القرن من العمر)، التي عزف زوارها اليوم، عن مشاهدة الحيوانات والتقاط الصور معهم إلى حد كبير، وانشغلوا بأكل "الفسيخ والرنجة"، ولعب كرة القدم، أو حتى النوم تحت ظلال الشجر العتيق.
"الودع.. اقرا الودع"، نادت سيدة ترتدي عباءة سوداء على مرتادي الحديقة، في كفّها بضع حجيرات، تدّعي من خلالها أنها تطّلع على تفاصيل الحاضر والمستقبل.
خطوات بسيطة أخرى، وتسمع نداء "أيس كريم بجنيه.. بيكسب بجنيه.. الأيس كريم بجنيه"، والصوت هذه المرة من شاب ثلاثيني، ينادي لبيع المثلجات الملونة على عربة مثلجات صغيرة.
لافتات ضخمة تحتوي على صور لأطفال بوجوه مرسومة على أشكال قطط وفراشات وحيوانات أخرى، وقف أمامها شباب عدة في العشرينات من العمر، يحملون فُرش وعلب ألوان، ويرسمون وجوه الأطفال.
مباريات كرة قدم، وكرة طائرة هنا وهناك، قد ترتطم الكرة بوجه أي من المارة، فيعقبها عبارة "آسف، عمو"، من صغير جاء ليحمل الكرة ويعاود اللعب مرة أخرى.
زحام شديد في الممرات الضيقة الواصلة بين أركان الحديقة الواسعة (80 فداناً) أو أمام أقفاص الحيوانات، الجميع يبحثون عن فسحة خضراء يفترشونها، ومن لم يحظ بها يكتفي بالتجوّل والفرجة، والاستمتاع بفسحة من البهجة رافقتها ضحكات الأطفال وأغنيات الشابات، قبل أن يتأخّر الوقت، وتعلو صيحات المغص من حالات التسمّم التي ترافق المناسبة، وقبل أن تعلو الشكاوى من تحرشات متوقّعة.