وقالت مصادر من الخريجين، الذين حضروا تلك الدورات الشهر الماضي، إن الانضمام إليها كان إلزامياً لإتمام إجراءات التعيين في الهيئة القضائية، وإن الدورات تضمنت خليطاً من المناهج الإدارية والقانونية والاستراتيجية والعسكرية، فيما يُعتبر "تطويراً" للدورات التي حصل عليها المختارون للعمل بالهيئتين من قبْل في أكاديمية ناصر العسكرية. وكانت "العربي الجديد" كشفت في فبراير/شباط الماضي أن الأعضاء الشبان الجدد في هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة تلقوا محاضرات على يد ضباط من الجيش والشرطة خلال دورة الخبرة القضائية الأولى التي حصلوا عليها بعد نجاحهم في الالتحاق بالهيئتين، وهي الدورة السنوية التي تنظمها الهيئتان لصقل المهارات والمعارف القانونية للأعضاء الجدد. وعندما سأل الأعضاء الشباب عن سبب إقحام مواد أمنية وعسكرية واستراتيجية في الدورة، التي من المفترض أن تخصص لدراسة التطبيقات القضائية وتدريب الشباب على يد الأعضاء الأكبر سناً والأكثر خبرة، كانت الإجابة على الأسئلة من بعض أعضاء الأمانة العامة للهيئتين بأن "هذه تعليمات من وزير العدل، حسام عبد الرحيم، حتى يعرف أعضاء الهيئات القضائية الجدد المزيد عن المخاطر التي تهدد الأمن القومي المصري، من الداخل والخارج، والدور الذي يجب أن تؤديه السلطة القضائية بهيئاتها المختلفة مع باقي السلطات للدفاع عن الدولة".
وغابت هذه التساؤلات، هذه المرة، في دورات الأكاديمية الوطنية للشباب، نظراً لما أصبح عليه الأعضاء من معرفة بمقتضيات التقرب من الهيئات القضائية من النظام، وحجم الضغوط التي تمارس عليها من قبل السلطات. وقالت المصادر إن القسم الأكبر من المواد كان يتعلق بطرق إدارة الأزمات، والتعامل مع الهياكل الإدارية، وسياسة مصر الإقليمية وموقفها من القضايا العالمية، أما الجزء الأقل، فهو المتعلق بالقانون والنظام القضائي المصريَين ومقارنتهما بالقضاء في أوروبا والعالم العربي. وأضافت المصادر أن الالتحاق بهذه الدورات جاء بديلاً من الدورات التي كان يحصل عليها المعينون الجدد في الهيئتين في مركز الدراسات القضائية التابع لوزارة العدل، والتي كان يغلب عليها الطابع القانوني، وبدأت في العامين الماضيين فقط إضافة مواد خاصة بالعلوم الاستراتيجية ومحاضرات عن الأخطار التي تتعرض لها مصر. ويعكس هذا التدرج من دورات وزارة العدل إلى محاضرات أكاديمية ناصر وانتهاء بدورات أكاديمية تأهيل الشباب تمهيداً لإنشاء مشروع أكاديمية القضاة، خطة النظام المستمرة لتطويع القضاء والسيطرة الكاملة على قواعده، من خلال التحكم في الأجيال الجديدة من الملتحقين به، وعدم الاكتفاء بإجراء تحريات أمنية أو رقابية، بل الإصرار على تنميط عقول ومعارف وخلفيات الملتحقين الجدد لضمان ولائهم للنظام.
من جهتها، قالت مصادر في وزارة العدل إن من بين أسباب تأخر قبول الدفعات الجديدة المختارة للعمل بالنيابة العامة ومجلس الدولة، أن بعض كبار القضاة في مجلس القضاء الأعلى ومجلس الدولة يعترضون على إجبارهم على تدريب القضاة الشبان بالبرامج والدورات الجديدة، واشتراط التحاقهم بأكاديمية تأهيل الشباب. وأضافت المصادر أن بعض القضاة في المجلسين يتخوفون من الآثار السلبية لما قد يخلفه هذا الاتجاه الجديد، ليس فقط على المحصلة القانونية للقضاة الجدد ومدى قدرتهم على استيعاب القضايا المعروضة وإدراك مفاهيم العدالة، بل أيضاً على علاقتهم بزملائهم الأقدم والأكثر خبرة، وانضمامهم إلى الحقل القضائي، محملين بأفكار وانتماءات تتناقض مع السمات المفترض تمتّع القضاة بها، كالحياد والنزاهة والابتعاد عن السلطة التنفيذية.
وكانت "العربي الجديد" قد كشفت منتصف الشهر الماضي عن دراسة مشروع لإنشاء أكاديمية لتخريج القضاة الجدد، بسلطات وصلاحيات واسعة تلغي تقريباً صلاحيات المجالس العليا للهيئات القضائية في اختيار أعضائها الجدد من بين خريجي كليات الحقوق والشرطة والشريعة في الجامعات المختلفة، باسم "أكاديمية القضاة" تكون تابعة لوزارة العدل، ويلتحق بها دورياً جميع الخريجين الجدد الذين تختارهم المجالس العليا للهيئات القضائية، كمرشحين للعمل كمعاونين للنيابة العامة أو قضاة بمجلس الدولة أو أعضاء بالنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، بعد اختيار المرشحين بواسطة اختبار تحريري وآخر شفهي واجتيازهم اختبار القبول. وبعد إرسال أسماء المرشحين إلى جهاز الأمن الوطني وهيئة الرقابة الإدارية للإفادة بالتحريات الأمنية والمالية عنهم وعن ذويهم، سيتم إلحاق المرشحين المجازين أمنياً ورقابياً بالأكاديمية، ليبدأوا فترة دراسة تستغرق 6 شهور تقريباً، سيتم من خلالها تحديد القضاة الجدد، مع خروج باقي المرشحين.
ويترأس جميعَ الهيئات القضائية المصرية حالياً مستشارون معينون بقرار جمهوري من السيسي، بالمخالفة لقاعدة الأقدمية المعمول بها منذ نشأة القضاء المصري، استناداً إلى القانون الذي أصدره في إبريل/نيسان 2017 والمطعون فيه أمام المحكمة الدستورية حالياً، والذي استُبعد بسببه المستشاران يحيى دكروري وأنس عمارة من رئاسة مجلس الدولة ومحكمة النقض على الترتيب، بسبب تقارير أمنية اعتبرتهما من معارضي النظام، بسبب إصدار الأول حكماً بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، وتأييد الثاني تيارَ الاستقلال القضائي في العقد الماضي. وبعد أحداث منتصف العام 2013 والإطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، تم إقصاء العشرات من القضاة وأعضاء النيابة الإدارية وقضايا الدولة بتهمة الانتماء إلى حركة "قضاة من أجل مصر" والعمل لمصلحة جماعة "الإخوان" والاشتراك في فعاليات سياسية لمساندة مرسي، كما تم إدراج بعضهم في قائمة الإرهاب بعد اتهامهم بقضايا مختلفة.