تتجه مصر نحو اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على قروض جديدة تساعدها على الحد من أزمتها المالية وسداد أقساط وفوائد ديونها التي وصلت إلى مستويات قياسية. ويأتي ذلك في ظل مخاوف من إلغاء مجانية التعليم والعلاج، ما يفاقم الأعباء المعيشية على المواطنين.
وحسب مصادر برلمانية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، هناك اتجاه نحو إلغاء مجانية التعليم الأساسي والجامعي بصورة تدريجية خلال السنوات المقبلة، بحجة "عدم قدرة الدولة على تمويل مشروعات تطوير التعليم". وأكدت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن هذا الاتجاه سيأتي في إطار الاتفاق الجديد المرتقب مع صندوق النقد الدولي في حالة إقراره.
وتراجعت نسبة الإنفاق على قطاعات الصحة والتعليم الأساسي والعالي والبحث العلمي إلى الناتج المحلي الإجمالي، من 5.21 في المائة عام 2015 إلى 3.33 في المائة عام 2019، بما يخالف مواد الدستور المصري التي أقرت نسبة إنفاق لا تقل عن 10 في المائة من الناتج الإجمالي لهذه القطاعات مجتمعة.
واعتبر وزير التعليم طارق شوقي، في تصريحات سابقة أمام لجنة المشروعات الصغيرة بمجلس النواب، أن مجانية التعليم تمثل سبباً رئيساً في تراجع عملية التطوير، قائلاً: "هذا الوضع لا يجب أن يبقى طويلاً، لأن المجانية أصبحت ظلماً اجتماعياً، وتحد من قدرتنا على الحركة، والدولة والأهالي هم من يدفعون فاتورة الدروس الخاصة التي تصل إلى 200 مليار جنيه (الدولار = نحو 16 جنيهاً)".
تجدر الإشارة إلى رفض وزارة المالية طلب وزارة التعليم تخصيص 138 مليار جنيه لميزانيتها في العام المالي الحالي، مكتفية بتخصيص 99 ملياراً فقط، الأمر الذي تكرر مع ميزانية وزارة الصحة التي طلبت 96 ملياراً لتفعيل نظام التأمين الصحي الشامل، لم تحصل منها إلا على 63 مليار جنيه.
وحذرت المصادر، في حديثها لـ"العربي الجديد" من أن الاتفاق الجديد مع صندوق النقد قد يصاحبه فتح ملف العلاج بالمجان، ولا سيما مع بدء تطبيق المرحلة الأولى من منظومة التأمين الصحي الشامل في محافظات بورسعيد والإسماعيلية والسويس وجنوب سيناء والأقصر وأسوان، التي تستهدف في المقام الأول "خصخصة" المنظومة الصحية، من خلال بيع المستشفيات الحكومية غير المؤهلة للمنظومة الجديدة، وتسعير الخدمات العلاجية بشكل لا يتناسب مع دخول المواطنين.
وكلفت وزارة الصحة الآلاف من الأطباء العمل في محافظات المرحلة الأولى بطريقة عشوائية، بالتزامن مع بدء تطبيق المنظومة الجديدة، التي لم تصاحبها حالة من التأهيل أو التطوير للمستشفيات العامة، وسط شبهات فساد تلاحق المنظومة بأكملها منذ إعلانها قبل عامين، على وقع استحواذ شركة "أبراج كابيتال" الإماراتية على عدد كبير من المستشفيات المصرية الحكومية والخاصة.
وكان رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قد أعرب عن تطلع بلاده إلى استمرار علاقات التعاون مع صندوق النقد من خلال برنامج جديد، خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الأميركية واشنطن، وهو ما يعني الاتجاه نحو توقيع اتفاق جديد يتضمن اشتراطات جديدة، بعد أن التزمت القاهرة تنفيذ شروط القرض الذي حصلت بموجبه على 12 مليار دولار، ولعل أبرزها تحرير الدعم نهائياً عن الوقود والطاقة.
غير أن ثغرات قد تؤجل الاتفاق المزمع بين الحكومة المصرية والصندوق، حسب مراقبين، نتيجة تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، وتأثر القطاع الخاص سلباً جراء توسع شركات الجيش في الأنشطة العامة، فضلاً عن ارتفاع الدين الخارجي للبلاد على نحو غير مسبوق.
ويتحمل المصريون أوضاعاً معيشية صعبة بسبب الزيادات المتوالية في أسعار السلع والخدمات الأساسية، بعد رفع سعر الوقود أربع مرات منذ توقيع اتفاق الصندوق، وزيادة سعر بيع الكهرباء والغاز والمياه ثلاث مرات، مقابل خفض نسبة الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، على غرار معاشي الضمان الاجتماعي و"تكافل وكرامة"، ودعم السلع التموينية، وألبان الأطفال والأدوية، والتأمين الصحي، والعلاج على نفقة الدولة.
في المقابل، رفعت الحكومة تقديراتها لمخصصات باب "المصروفات الأخرى" في الموازنة الجارية، من 74.69 مليار جنيه إلى 90.44 ملياراً، التي تذهب لميزانيات الدفاع والأمن القومي، إلى جانب مخصصات باب "قطاع النظام العام وشؤون السلامة العامة" من 61.72 مليار جنيه إلى 69.68 ملياراً، منها 54.37 مليار جنيه لأجور خدمات الشرطة، والسجون، والمحاكم، ووزارتي الداخلية والعدل، والمحكمة الدستورية، والهيئات القضائية.
وتوقعت المصادر أن يشهد دور الانعقاد الحالي للبرلمان اقتراحات تشريعية بإقرار "حوافز إيجابية" للأسر التي تنجب طفلاً واحداً أو طفلين على الأكثر، في إطار جهود الدولة إزاء مواجهة الزيادة المطردة في السكان "المعرقلة" لخطط التنمية.
ومن ضمن هذه الحوافز، بحسب المصادر، إعفاء الطفل الوحيد من الرسوم الدراسية في مراحل التعليم المختلفة، ومنحه أولوية في العمل.
وكان رئيس الوزراء المصري قد أصدر قراراً بحصر الدعم النقدي في برنامج المساعدات النقدية المشروطة "تكافل وكرامة" على الأسر التي تضم طفلين فقط، واستبعاد الأسر التي تضم ثلاثة أطفال فأكثر (مليون أسرة تقريباً).