وكشفت باحثة تمويل ومحاسبة في المصلحة، طلبت عدم ذكر اسمها، أن مصالح الشهر العقاري في المحافظات تعد حالياً قوائم بعدد العاملين من خريجي كليات التجارة، لوضعهم في وظائف إدارية مثل قسم المطالبات أو السكرتارية أو الأرشيف، وهي وظائف لا تناسب تخصصهم الجامعي، مبينة أن خريجي التجارة بات دورهم يقتصر في المصلحة على التوقيع في دفتر "الحضور والانصراف".
وقالت الباحثة في حديث مع "العربي الجديد"، إن عدد موظفي خريجي التجارة في الشهر العقاري يصل إلى 8 آلاف موظف، إذ لم تُعين المصلحة أيا من خريجي كليات التجارة منذ عام 2004، وقصرت التعيينات منذ حينها على خريجي القانون، مؤكدة أن هناك اتجاهاً داخل المصلحة للتخلص من خريجي التجارة في المصلحة بحجة أنهم "عمالة زائدة"، تفعيلاً لأحكام قانون الخدمة المدنية.
بدوره، قال موظف آخر -عضو مالي- إن المصلحة تتجه بالفعل إلى تقليص دور المحاسبين رغم دورهم الهام والحيوي في الحسابات المالية، معتبراً أن هناك من يجهز لـ"مذبحة جديدة" إزاء العاملين في الجهاز الإداري للدولة، في ضوء المساومات الجارية بشركات القطاع العام لإنهاء الخدمة والتقاعد، مقابل الحصول على مبلغ مالي ومعاش ضعيف.
وحسب حديث الموظف، الذي طلب هو الآخر عدم ذكر اسمه، فإن هذه الإجراءات تخلق نوعاً جديداً من البطالة، خصوصاً أن كل العاملين بمصلحة الشهر العقاري من خريجي كليات التجارة أعمارهم تتراوح بين 40 و50 عاماً، ومعظمهم جرى تعيينهم في المصلحة لأنهم من أوائل الخريجين، حين كانت الحكومة تلتزم بتعيين أوائل الخريجين في الوزارات الحكومية الهامة.
وأشار إلى أن بعض المسؤولين داخل المصلحة يضيقون الخناق على الموظفين من خريجي كليات التجارة، في إطار الترويج لتحول المصلحة إلى هيئة قضائية مستقلة تضم خريجي كليات الحقوق من "أبناء الحظوة"، الذين لم يحالفهم الحظ في اختبارات الجهات القضائية الهامة مثل النيابة العامة ومجلس الدولة، على حد تعبيره.
إلى ذلك، قال مسؤول في مصلحة الشهر العقاري إن تحولها إلى هيئة قضائية أو هيئة مستقلة عن وزارة العدل، إشكالية مثيرة للجدال منذ سنوات عدة، في ضوء عدم الاستجابة لمطالب موظفي المصلحة، الذين نظموا وقفات احتجاجية عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، تدعو إلى انفصال المصلحة عن تبعية وزارة العدل.
وأضاف المصدر في حديث خاص لـ"العربي الجديد" أن وزارة العدل ترفض مطالب فصل تبعية الهيئة عنها مالياً وإدارياً، لأنها جهة مالية هامة تدر الملايين من الجنيهات يومياً إلى خزانة الوزارة، مستطرداً أن "العدل" تتمسك بعدم تحويل مصلحة الشهر العقاري إلى هيئة قضائية، باعتبارها جهة توثيق وإشهار فقط، ولا علاقة لها بالقضاء أو المنازعات.
وكان 70 نائباً في البرلمان قد تقدموا بمشروع قانون يهدف إلى تحويل الشهر العقاري إلى هيئة مستقلة، بدعوى تسريع وتيرة إجراءات تسجيل العقارات، وتحسين الخدمات التي تقدمها مصالح الشهر العقاري في المحافظات، في ظل تدني مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين لضعف النفقات المخصصة لذلك، والذي لا يقارن بحجم الإيرادات التي تدخلها المصلحة لحساب وزارة العدل.
في المقابل، انتهت الحكومة من إعداد مشروع قانون جديد يلغي التشريع الخاص بنظام السجل العيني، تمهيداً لإرساله إلى مجلس النواب في وقت قريب، بهدف تبسيط إجراءات عمليات التسجيل للعقارات، وإلزام جهات الدولة بتبادل المعلومات المتعلقة بهذا الشأن، مع استمرار العمل بقوانين الشهر المعمول بها في المناطق التي لم يُطبق فيها نظام السجل العيني.