مصر: "التأجيل لأسباب أمنية" عبارة تلخص محنة المعتقلين

01 يوليو 2016
محنة مستمرة للمعتقلين في السجون المصرية (الأناضول)
+ الخط -
"التأجيل لأسباب أمنية"، عبارة رائجة في مصر حالياً، وباتت تمثل كلمة السر التي من خلالها يتم الإبقاء على المعتقلين في السجون أو أماكن احتجازهم، لأطول فترة ممكنة، دون النظر في قضاياهم والإسراع بالفصل فيها. لم يعد يمر يوم من دون تأجيل دعاوى لأسباب أمنية، يتم خلالها امتناع مصلحة السجون عن إرسال المعتقلين إلى مقار محاكماتهم، والاكتفاء بإرسال إخطار إلى المحكمة بتعذر إحضار المتهمين للمحاكمة في عدة مرات متلاحقة دون أسباب.



يقول الرئيس السابق لمحكمة جنايات القاهرة المستشار محمد سمير، لـ"العربي الجديد"، إن "الأسباب الأمنية" منصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية، ومن الوارد حدوثها. ويضيف: "لكن هذا العذر الأمني يجب أن يكون في أضيق الحدود، وليس متكرراً، ويكون لسبب ما أو ظرف ما يحول دون نقل المتهمين إلى المحاكمة، وعلى المحكمة أن تستوضح أسباب العذر الأمني في حالة تكراره، لأن ذلك يعد حبساً دون محاكمة، ودون سند من القانون، ويتحول الأمر إلى اعتقال، وتفقد المحكمة ولايتها الأساسية على المحاكمة".


ويتابع الرئيس السابق لمحكمة جنايات القاهرة: "فالمحكمة لها العديد من البدائل لإماكن الانعقاد والتي تصل إلى حد انتقال هيئة المحكمة إلى مقر حبس المعتقلين، بعد أخذ موافقة وزير العدل بعد العرض عليه، وهو ما شاهدناه في بعض الحالات، وذلك لتحقيق مبدأ العدالة الناجزة".

ويؤكد أنه في "الحقيقة لا يوجد مبرر لهذا الكمّ المتلاحق من التأجيلات بدعوى الأسباب الأمنية، لا سيما أن جميع المحاكمات ذات البعد السياسي الأمني الهامة، في هذه الأيام، محدد لها أماكن مؤمّنة بشدة، مثل أكاديمية الشرطة، ومعهد أمناء الشرطة، ومحكمة التجمع الخامس في القاهرة الجديدة، وجميعها أماكن بعيدة عن نطاق التجمعات السكنية، ومؤمنة بشكل قوي يصعب اختراقه من الأساس، فمن أين تأتي الأسباب الأمنية المتلاحقة التي تجعل نقل المتهمين لمقر محاكمتهم متعذراً"؟ كما يتساءل سمير.



وفي السياق نفسه، يؤكد الناشط الحقوقي، المحامي صالح حسب الله، أن الأجهزة الأمنية أصبحت هي الممسكة بزمام الأمور بما يتعلق بالمحاكمات، أكثر من المحكمة صاحبة الاختصاص الأول والأصيل بل والأوحد في التصرف في القضية، والتي من المفترض أن تكون لديها كافة السلطات أو الاختصاصات بشأن القضية منذ اللحظة التي تحال إليها القضية من النيابة العامة أو قاضي التحقيق.

ويقول إن "هناك معاناة حقيقية لدى أعضاء هيئة الدفاع عن المعتقلين في المحاكمات، فرغم المجهود الشاق للوصول إلى أماكن انعقاد المحاكمات في المناطق البعيدة، وعدم توفير مواصلات من مسافة تتراوح بين 2 إلى 3 كيلومترات من موقع المحاكمة للاحتياطات الأمنية، يتم خلالها السير على الأقدام، وعندما نصل للمحاكمات في ظل هذه المعاناه نجد أن المعتقلين لم يحضروا من قبل السلطات الأمنية، مما يعد إنهاكاً لأعضاء الدفاع".

ويوضح حسب الله أن هناك بعض الأحكام يصدر فيها الحكم في جلسة واحدة أو جلستين أو ثلاث جلسات، وتستكمل فيها إجراءات المحاكمة في ظل غياب معتقل لظروف صحية، أو لانشغاله في محاكمة أخرى تعقد في ذات التوقيت، أو غيرها من الأسباب، وقد تكون المحكمة غير مكتملة أو يكون الدفاع غائباً، ورغم ذلك تستكمل المحاكمات إذا كانت هناك رغبة في سرعة الفصل فيها"، مشيراً إلى أنه "في حالات أخرى يتم تعمد تأجيل المحاكمات بزعم الأسباب الأمنية للإبقاء على المعتقلين في أماكن اعتقالهم، وذلك لتأديبهم والتنكيل بهم، أو لمرور فترة زمنية تسمح بضياع أدلة تعذيبهم بعد تماثلهم للشفاء لمرور الوقت أو غيرها من الأسباب".

في سياق متصل، يقول مصدر أمني بارز من حرس المحاكمات، فضل عدم ذكر اسمه، إن الأعذار الأمنية قد تكون "فضفاضة" بعض الشيء إلا أنها ضرورية، مبرراً إياها بالظروف الأمنية التي تمر بها مصر. ويضيف في تصريحات خاصة أنه قبل المحاكمات الهامة والتي تتخذ طابعاً سياسياً أمنياً، يتم دوماً إجراء تحريات أمنية ومتابعة الموقف، ورفع التقارير للقيادات الأمنية حتى يكون القرار تحت تصرفها.

ويوضح المصدر الأمني أن أسباب الأعذار الأمنية قد تكون متعلقة بتظاهرات أو تجمعات واعتصامات أو مناسبات سياسية ما، أو احتفالات أو تحذيرات من وقوع عمليات مسلحة، أو رصد تحركات مريبة أو حتى عدم تواجد حراسات بالعدد الكافي نظراً لكثرة المحاكمات، أو الرغبة في نقل جميع المعتقلين لأماكن محاكمتهم حتى لا تكون هناك تجمعات كبيرة لذويهم قد تتحول لتجمعات حاشدة واشتباكات أو غيرها.