في ظل وجود أمني مكثف لتأمين مرور موكب شيخ الأزهر أحمد الطيب في الخامس من يوليو/تموز الماضي، كان محمود عبد اللطيف، الطالب بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة (20 عاماً) يقف مع رفاقه في شارع المعز لدين الله الفاطمي في منطقة القاهرة التاريخية. اعتقلته قوات الأمن مع آخرين. لكنّ الشبّان تمكنوا من إجراء اتصال هاتفي واحد أبلغوا أهلهم فيه بالقبض عليهم. اختفوا منذ ذلك الحين.
أنكرت أقسام الشرطة المحيطة بالمنطقة بالكامل وجودهم لديها. لا معلومة واحدة عنهم حتى الآن على الرغم من تقدم أهلهم ببلاغات اختفاء إلى النيابة العامة المصرية عقب البحث عنهم في أقسام الشرطة ومديريات الأمن وباقي أماكن الاحتجاز.
محمود رقم إضافي في كشوف المفقودين، واسم جديد يضاف إلى وسم "أوقفوا الاختفاء القسري" على منصات التواصل الاجتماعي، وحالة أخرى قد يطول البحث عنها.
لا توجد أرقام رسمية في مصر تعبّر عن تنامي ظاهرة الاختفاء القسري، فالنظام لا يعترف بوجود مختفين لديه. وهو ما جاء على لسان مساعد وزير الداخلية المصري لشؤون الإعلام والعلاقات العامة أبو بكر عبد الكريم.
تشير التقديرات غير الرسمية الصادرة عن منظمات حقوقية مصرية ودولية، إلى تنامي ظاهرة الاختفاء القسري في مصر وتكررها يومياً. وبحسب التقارير الشهرية الصادرة عن مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب (مجتمع مدني) فإنّ هناك نحو 975 ضحية اختفاء قسري منذ تسلّم الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في يونيو/حزيران 2014. ففي العام الأول لحكمه سجلت 119 حالة اختفاء قسري. وفي العام الثاني حتى يوليو/تموز الماضي اختفى 638 مواطناً، لكن ظهر منهم 337 بعد ذلك. أيّ أنّ مصر حالياً تشهد 757 ضحية اختفاء قسري لا يعرف عنهم شيئاً منذ بداية حكم السيسي.
أما المفوضية المصرية للحقوق والحريات (منظمة مجتمع مدني) فقد وثقت وحدها نحو ألفي حالة اختفاء قسري في الفترة من يناير/كانون الثاني 2015، حتى مارس/آذار 2016. وتبين للمفوضية أنّ القطاع الأكبر من المختفين ينتمي إلى الطبقة المتوسطة أو ما دون. كما تبيّن لها أنّ معظم المختفين هم من الطلاب. وتحظى القاهرة بالنصيب الأكبر من الحالات.
تلك الأعداد لا تعبّر حقيقة عن المختفين قسرياً، ولا عن حجم الأزمة. فهي أرقام ترصدها المنظمات الحقوقية المصرية من خلال ما ينشر في وسائل الإعلام فقط، بينما باقي الحالات التي لم يقدم أهلها بلاغات رسمية باختفاء أصحابها، أو تلك التي لا تنشر في الصحف، لا تُدرج في التقارير.
والاختفاء القسري موجود في مصر منذ سنوات كثيرة، بحسب الباحثة في مركز النديم ضيّ رحمي التي أشارت إلى أنّ "أخبار المختفين قسرياً بدأت تظهر إلى الرأي العام والإعلام في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك". في هذا الإطار، ترصد المنظمة المصرية لحقوق الإنسان (مجتمع مدني) 57 حالة اختفاء قسري في مصر منذ 1992 حتى 2011.
ومنذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 اختفى كثير من الشباب، ثم ظهر بعضهم. لكنّ ظاهرة الاختفاء القسري بدأت تأخذ شكلاً ممنهجاً عقب الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، تحديداً مع فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، والذي أحدث مذبحة بشرية، وترك وراءه مئات المختفين.
تقول رحمي: "منذ فض الاعتصامين، بات الاختفاء القسري ظاهرة وأسلوباً منهجياً تعتمده وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني". تضيف: "نحو 90 في المائة من المعتقلين أخفوا قسرياً في البداية. بعضهم أخفي أياماً وآخرون سنوات".
تشير إلى أنّ الاختفاء القسري ليس مرتبطاً بظاهرة خطف شخص بعينه من الشارع فقط، بل في أحيان كثيرة تقتحم قوات الأمن البيوت، أمام الأهل والجيران، وتلقي القبض على مواطنين، ثم تنكر وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني وجودهم لديهما.
في منتصف يوليو/تموز الماضي أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً ألقت فيه الضوء على الارتفاع غير المسبوق في حالات الاختفاء القسري في مصر مطلع عام 2015. قالت فيه إنّ "قطاع الأمن الوطني في مصر يختطف الناس ويعذبهم، ويخضعهم إلى اختفاء قسري في محاولة منه لترهيب المعارضين واستئصال المعارضة السلمية".
كشف التقرير الذي حمل عنوان "مصر.. رسمياً: أنت غير موجود.. اختطاف وتعذيب باسم مكافحة الإرهاب" عن موجة من اختفاء الأشخاص من دون أدنى أثر على يد الدولة. وهي حالات تشمل بحسب التقرير مئات الطلاب والنشطاء السياسيين والمتظاهرين، من بينهم أطفال لا تزيد أعمارهم على 14 عاماً.