مش مهم تتعلم... اسمع موسيقى وهدي أعصابك

08 يناير 2015
"هو المرتّب فيه كام 1500 جنيه؟!" (Getty)
+ الخط -

هنا القاهرة حيث يقطن 18 مليون مواطن مصري، أي ثلث تعداد سكان المحروسة، وهنا المحافظة الأكثر كثافة سكانية واكتظاظا في مصر، حيث لا تخلو يومياً من تظاهرات أو تفجيرات أو حوادث طرق تؤدي إلى شلل كامل في حركة السير، وتعطيل العديد من الشوارع والطرق الرئيسية، مما يتسبب في إهدار وقت الكثيرين من سكان القاهرة وزائريها أو العاملين فيها.

وأمام الشوارع التي لا تتحرك، وتفيض بالمتنقلين عليها والمعطلة لهم، إلى جانب أسعار الوقود التي ارتفعت بشكل حاد بسبب رفع الدعم الحكومي عنها، وهو العامل الذي أدى إلى مضاعفة أجرة الاستفادة من خدمات جميع وسائل المواصلات بلا استثناء، هنا، وأمام مثل هذه المعطيات يُصبح أمام طلاب الجامعات من الطبقات المتوسطة والفقيرة حل واحد أوحد للوصول إلى مقاعد الدراسة في كلياتهم ومعاهدهم وكلياتهم في المواعيد المحددة لهم، وهذا الحل يتمثل في مترو الأنفاق، حيث يعتبر وسيلة المواصلات العامة الأقل تكلفة، كما أنه وسيلة النقل الوحيدة المضمون ألا يُعطل خط سيرها شيء، أي المنزهة عن معضلة أزمة السير ما لم يكن الطالب من أصحاب الحظ السيئ ويفاجئ بانقطاع التيار الكهربائي، وهو مصدر الطاقة الأساسي لحركة المترو، عن القطار الذي يركبه، وفي مثل هذه الحالة لن يشك فقط في وصوله في الموعد المحدد له، بل يشك أيضاً في خروجه على قيد الحياة من عربة مغلقة منقطعة عنها كل وسائل التهوية والتحكم في درجة الحرارة، يكتشف راكبها حينها أن الإنسان كائن قابل للانكماش، كما التمدد والتقلص ضمن معادلات الفيزياء الكونية التي لا مفر منها، فالعربة المقرر لها أن تحمل خمسين راكباً على أقصى تقدير، يتم حشوها لتتسع إلى ما يتجاوز المائتي راكب، يجدون أنفسهم مضطرين لأن يتكيفوا جميعاً مع ذلك الوضع غير الآدمي، والذي يستحيل وصفه بأي شيء يقترب إلى الأوضاع الإنسانية والشروط التي يفترض توافرها في مثل هذا الصنف من وسائل المواصلات في أي مكان في الكوكب، ولا يقتصر الأمر عند حد الانكماش والتكيف الفيزيائي وصعوبة التنفس.. إلخ، بل يتعدى ذلك إلى الوقوع بين فكي ضيق المكان ووجود متحرشين ولصوص "نشالين" على كل خط نقل، وضمن كل رحلة أو مواصلة، كل هذا في مقابل وصول الطلبة في مواعيد دوامهم الدراسي تفاديا للأزمة الخانقة في الطرق والشوارع فوق الأرض، دون إغفال عامل توفير النفقات عن كاهل أسرهم ومعيليهم كأحد الأسباب الأساسية التي تدفع بالطلبة لأن يتخذوا هذا الخيار في تنقلاتهم، وتجدر الإشارة إلى تناسب زيادة كثافة مستخدمي المترو طردياً مع ارتفاع الأسعار في السلع الأساسية ومن ضمنها الوقود.

وأمام مثل هذا الوضع اللاإنساني، الذي يجد الطالب نفسه مجبرا على تحمله، يخرج رئيس هيئة مترو الأنفاق، اللواء إسماعيل النجدي، ليوجه سؤالاً، كان المفترض أن يُوجه له، لا أن يوجهه هو، لكنه قرر عكس الآية، وخرج على شاشة قناة الحياة الفضائية طارحاً سؤاله على ركاب المترو: "ما رأيك في حال مترو المرج حلوان؟"، وقبل أن يتلقى الإجابة، تابع حواره وتساؤلاته قائلاً: "الوضع خطير جداً، وخسائر الشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق، وصلت هذا العام إلى حد مائة وثمانين مليون جنيه مصري، ومن المتوقع أن تصل العام المقبل إلى حد أربعمائة مليون جنيه مصري".

وأضاف "أن الهيئة تحتاج إلى تغيير أنظمة التحكم والسيطرة التي وصل عمرها إلى خمسة وثلاثين عامًا، وباتت بحاجة إلى التغيير، بالإضافة إلى حاجة الهيئة إلى تجديد المحطات وماكينات التذاكر وشراء قطارت وعربات حديثة".

والحل الوحيد لتنفيذ ذلك بحسب وجهة نظر اللواء النجدي "أن يشارك المواطن ويتقبل زيادة ارتفاع سعر التذكرة" متعجبًا من ثبات سعرها على جنيه واحد منذ عشر سنوات، قائلاً: "ده لو شحات مش هياخد منك جنيه، وزيادة التذاكر ستأتي في مقابل سماع الراكب المهموم للموسيقى العربية لتهدئة أعصابه وتحسين الخدمة المقدمة له".

وعن الزيادة المقرر تطبيقها على أسعار تذاكر المترو بدءاً من يناير/كانون الثاني، صرح مصدر في وزارة النقل والمواصلات أنها "ستكون جنيهاً واحداً فقط، لأول خمس عشرة محطة، ومن خمس عشرة إلى خمس وعشرين محطة جنيهان، وثلاثة جنيهات إلى أكثر من خمس وعشرين محطة، من أصل تسع وخمسين محطة، هي إجمالي محطات الخطوط الثلاثة لمترو الأنفاق.

أي أن الأسرة المصرية مطلوب منها مضاعفة ميزانياتها المرتبطة بمواصلات أبنائها إلى ضعفين أو ثلاثة، على حسب عدد محطات المترو التي يحتاجون التنقل بينها، في مقابل أن يصلوا في مواعيدهم، وهم يمرون عبر بوابات إلكترونية ويستمعون إلى الموسيقى في عربات بلا تهوية ولا نظافة لا تصلح حتى لنقل البضائع.

عقب نشر الزيادة المقررة بدأ تداول النقاش حولها داخل عربات المترو، التي كان لركابها ردود أفعال بين الغاضبة والساخرة من قرار الحكومة.

تقول نجلاء علي، أم لأربعة طلاب جامعيين "الحكومة رفعت أسعار الغاز، قلنا هنقلل الطبيخ، رفعت أسعار الكهرباء طفينا الأنوار، رفعت أسعار المياه والأكل قللنا أكل وشرب علشان نعرف نعيش، رفعوا سعر البنزين بطلنا نركب مواصلات وقلنا نموت في المترو أوفر، إنما لما يرفعوا أسعار المترو كمان نعمل إيه نبطل نروح شغلنا، ولا نبطل نعلم عيالنا، إحنا كنا بندفع كل شهر 500 جنيه على المترو، دلوقتي هنجيب 1500 جنيه في الشهر منين علشان بس يوصلوا جامعتهم، وأوصل شغلي وبعدين ندور على فلوس أكل وشرب وكتب، هو المرتب فيه كام 1500 جنيه؟!".

وعقب انتهاء تساؤلها ردت عليها مروة أحمد، طالبة في كلية الحقوق، قائلة "معلش يا أمي ما هم بيقولوا الموسيقى غذاء الروح وغلولنا التذكرة علشان نسمعها بالعافية يبقى نبطل أكل وشرب ونيجي المترو نفطر ونتعشى غذاء روح".

غضب عامة الشعب له مبرره ، نظرا لأنه المتضرر الأول من قرار الحكومة، لكن القرار أيضاً كان مستفزاً لقطاعات عديدة، فهاجمه إعلاميون وسياسيون لا يجدون له مبرراً على الإطلاق.

يقول الدكتور عبد المطلب عبد الحميد، أستاذ الاقتصاد في أكاديمية السادات، إن "هذا القرار يعني أن الإدارة الحكومية ليست بالكفاءة المطلوبة، بالإضافة لوجود فساد يمارسونه رجال الحكومة، لذلك يقومون برفع الأسعار لتغطية فسادهم، مستمرين في نفس السيناريو الحكومي الذي لم يختلف تماماً منذ 30 عاماً".

موضحاً أنه "على المستوى الاقتصادي كان يمكن دراسة التكاليف الحقيقية التي يتحملها مترو الأنفاق وترشيدها جيداً ووضع ميزانية يتم على أساسها فرض زيادة منطقية بنسبة بسيطة لا تزيد أعباء المواطن بدلاً من اتخاذ قرار غير محسوب بهذا الشكل للإفلات من المسؤولية، والذي سيتضرر به بالدرجة الأولى طلاب الجامعات الذين توفر لهم كل سبل الراحلة في العالم أجمع حتى يبدعوا ويفيدوا وطنهم، أما في مصر فنثقلهم كل يوم بحمل أكبر، فيصبحون كارهين للتعليم والوطن ويُصبح هدفهم الأول الهجرة خارجه، وإن لم يستطيعوا تحولوا لإرهابيين ينتقمون من بلدهم، ومن لم يفعل هذا أو ذاك تحول إلى مجرد رقم ضمن 90 مليون لا أكثر ولا أقل، لتكون النهاية وطنا في ذيل الأمم لا أمل له في التقدم يوماً".

المساهمون