مشروع نتنياهو وقوننة العنصرية الإسرائيلية

05 ديسمبر 2014

عناصر من جيش الاحتلال قرب مخيم قلنديا شمال القدس(14نوفمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

صوتت الحكومة الإسرائيلية بأكثرية 14 ضد 6 أصوات على مشروع قانون، يحدّد إسرائيل بأنها "الدولة القومية للشعب اليهودي". وقد تم رفعه إلى الكنيست للتصويت عليه، حيث من المتوقع إقراره، بأغلبية كبيرة، ليصبح ساري المفعول. بموجبه، يتعزز الدور التقليدي للقانون اليهودي الذي يعطي اليهود حقوقاً تفضيلية كثيرة، في حين يؤكد على الحقوق المنقوصة لغير اليهود من المواطنين في إسرائيل، ما يؤدي إلى مزيد من الإنكار لحقوق الشعب الفلسطيني، تمهيداً لشطبها كلياً. فلا أثر في هذا القانون لكلمة مساواة بين مواطني إسرائيل. كما لا وجود لكلمة ديمقراطية إلا عند ذكر إسرائيل بجانبها، فضلاً عن أنه يخرج اللغة العربية كلغة رسمية، ويخص العبرية فقط بهذا الامتياز. وبهذا، يكون قد نفى حقوق الفلسطينيين العرب بصورة كاملة. يزعم نتنياهو أنه لو ترك المجال للفلسطينيين المواطنين في إسرائيل، لأقاموا كيانهم، وانفصلوا عن إسرائيل. ولقْطع الطريق على مثل هذا الاحتمال، جاء بهذا القانون، لحرمانهم من حقوقهم، وللتراجع عن ما ورد في إعلان استقلال إسرائيل بأنها تضمن المساواة الكاملة، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً لسكانها كافة. فالمشروع الجديد ينسف ذلك الزعم، ويمحوه حتى على الورق. وكأن إسرائيل التي يشكل غير اليهود ربع سكانها لا تكتفي باحتكار مؤسسات الحكم، حيث كل أعضاء حكومتها يهود؛ بل تصرّ على معاملة مواطنيها العرب بصورة دونية، تؤكد على عنصريتها الفوقية القائمة على فكرة نكران الآخر، بل إلغاؤه. يملك يهود العالم ما يسمى حق العودة إلى إسرائيل، لكن الفلسطينيين فيها يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية. ناهيك عن اللاجئين الممنوع عليهم مجرد طرح موضوع العودة.

في ظل هذه القوننة لعنصرية إسرائيل، من حق، بل من واجب، 1.6 مليون فلسطيني داخل إسرائيل أن يتساءلوا عن مواطنيتهم، في ظل هذا الإجراء الفوقي الجديد. كذلك، يطرح التساؤل حول مصير سكان المستوطنات: هل هم، في النهاية، مواطنون إسرائيليون في الضفة، أم أنهم مواطنون يهود من إسرائيل؟ هذه إشكالية ناجمة عن أخرى أشد وأدهى، ألا وهي مقولة الاحتلال. اعتماد هذا التوصيف الخطأ، والذي أخذنا به من دون التبصّر في حقيقته، أدى إلى تمرير وقائع فرضتها إسرائيل على الأرض، وجعلتها ورقة مساومة، ثم مع الوقت كرستها واقعاً غير قابل للبحث. أولاً إسرائيل في الأراضي الفلسطينية ليست قوة احتلال، بل هي قوة غزو، اجتاحت أرض غيرها، وقضمتها بصورة تدريجية، بنية عدم التخلي عنها. نتنياهو يقول إنه ليس هناك ما يدعو إلى التخلي عن الأرض الواقعة غرب نهر الأردن. يعني كل الضفة. فقد اعتمدت إسرائيل تسمية الضفة يهودا والسامرة، تدليلاً على ملكيتها المزعومة لها، بعد فتوحاتها العسكرية للأراضي الفلسطينية. ثم لو كانت أراضي محتلة، فعلى المحتل الإسرائيلي التقيد بموجبات اتفاقية جنيف الرابعة، لجهة عدم جواز التصرف بالجغرافيا، ولا بالديمغرافيا القائمة في المناطق الواقعة تحت الاحتلال.

وبالتالي، فإن كل ما قامت به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية باطل، وينبغي إزالته، من مستوطنات وجدار فاصل ومناطق عسكرية وغيرها. اعتراف الأمم المتحدة عام 2013 بفلسطين دولة عضواً تحت الاحتلال، لا بدّ من العمل على ترجمته، وفق اتفاقية جنيف، وتحت البند السابع من ميثاق المنظمة الدولية. وتكمن أهميته في العمل على تفعيله من جانب السلطة الفلسطينية التي ينبغي عليها ممارسة حضورها في الأمم المتحدة، وفق مضمونه، كدولة تحت الاحتلال الذي تدعو إلى إزالته. والتفعيل يجب أن يحصل بصورة حاسمة، بالتأكيد على مقولة الدولة الواقعة تحت الاحتلال في المداولات التي تجري في المنظمة الدولية، والاستقواء به، لترسيخه معطى غير قابل لتجاوزه، أو تجاهله؛ بحيث، من جهة، يؤكد على الحق الفلسطيني، ومن جهة ثانية، يكون حجر عثرة في طريق الزحف الاستيطاني والعنصري الذي يبدو على وشك الانفلات من عقاله، مع هذا القانون.

تمييز إسرائيل ضد الفلسطينيين ليس أمراً جديداً، هو ممارسة رافقت ولادتها. لكن تكريسه بهذا القانون يشكل حجر الزاوية في عملية مأسسته، وتحويل إسرائيل إلى نظام أبارتايد فاقع، تكون خطوته اللاحقة اقتلاع فلسطينيي إسرائيل، باعتبارهم ليسوا من مواطني الدولة اليهودية، وبالتالي يقتضي ترحيلهم. في النهاية، تمارس إسرائيل استباحة غزة، بزعم أنها "كيان عدائي"، يحق لها مهاجمته متى شاءت. وفي الوقت نفسه، تستبيح الضفة، بزعم أنها أرضها، بعدما وضعت يدها عليها بغزواتها العسكرية. والآن، تأتي بهذا القانون، لاستكمال المشهد، بتكريس عنصرية دولتها، بوضعها فوق مواطنيها غير اليهود.

لا شك أن إسرائيل تغتنم فرصة التفكك العربي الجاري، لتهويد دولتها، والتأكيد على طابعها العنصري، بصورة قانونية. يوم كان الالتزام بفلسطين هو البوصلة العربية، ما كانت تحصل مثل هذه الاستباحة. ولا يستقيم الرد، ما لم تتم استعادة هذه البوصلة، عبر بلورة الالتزام الجماهيري العربي بفلسطين، وتحويله إلى سياسات ملموسة، تكفل ردع إسرائيل وعدوانيتها.