مشروع "الإدارة الذاتية" شرقي الفرات... تراجع أم بداية انهيار؟

17 أكتوبر 2019
حظيت "قسد" بدعم أميركي كبير (كريس ماكغراث/Getty)
+ الخط -
لم يكن أكثر المتشائمين بين السوريين الأكراد يتوقع أن تظهر التصدعات في مشروع أحزاب سورية كردية في منطقة شرقي نهر الفرات تحت عنوان "الإدارة الذاتية"، بهذه السرعة، إذ بدأ هذا المشروع يترنّح تحت وطأة الضربات التركية المتلاحقة، والتي بدأت في عام 2016 في غربي نهر الفرات مع عملية "درع الفرات" في ريف حلب الشمالي، ومن ثم عملية "غصن الزيتون" في منطقة عفرين، شمال غربي حلب، والآن عملية ثالثة هذه المرة في قلب شرقي الفرات. كما يُعدّ الاتفاق لعودة قوات النظام إلى منطقة شرقي الفرات لمواجهة العملية العسكرية التركية الراهنة، خطوة أخرى نحو تلاشي هذا المشروع، أو على الأقل تقليص قدرته إلى الحد الأدنى.

مع الأشهر الأولى من الثورة السورية عام 2011، شعر النظام أنه لم يعد قادراً على فرض سيطرته على كامل الجغرافيا السورية، فسهّل ظهور ما سمي بـ"وحدات حماية الشعب" الكردية في محافظة الحسكة، والتي سلّم قيادتها إلى مجموعة من الأكراد السوريين الذين انحدروا من جبال قنديل، مركز قيادة حزب "العمال الكردستاني"، والذين شعروا عندها بأن الفرصة حانت للبدء في مشروع لطالما خططوا له في شمال شرقي سورية لإنشاء إقليم شبيه بإقليم كردستان في العراق. توسعت الوحدات الكردية برضى النظام وسيطرت على كل المناطق التي يشكل الأكراد أغلبية سكانها في الحسكة وفي ريف حلب حيث عين العرب وعفرين، بل إن النظام سلّمهم أحياء داخل مدينة حلب فيها أكراد منها حي الشيخ مقصود.

مع صعود تنظيم "داعش" في العام 2014 ومهاجمته مدينة عين العرب، اعتمد التحالف الدولي الوحدات الكردية ذراعاً برية له في سورية، وقدّم لها كل الدعم الذي مكّنها من التصدي للتنظيم في محافظة الحسكة والبدء في حرب استرداد المناطق التي سيطر عليها "داعش". وفي أواخر عام 2015 سهّل التحالف الدولي تشكيل "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من تحالف فصائل كردية وعربية وسريانية وتركمانية، ومنح الوحدات الكردية مهمة القيادة والتوجيه فيها، وهو ما أسبغ على هذه القوات الطابع الكردي، وبدا واضحاً أن مسارها حُرف لخدمة مشروع كردي واضح المعالم في شرقي الفرات وغربه.

على مدى أكثر من عامين طردت هذه القوات تنظيم "داعش" من منطقة شرقي الفرات ولكن بثمن موجع وكبير، وتم تدمير مدينة الرقة ما أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين في المدينة. وكانت أحزاب كردية، وفي مقدمتها حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية له، أعلنت مطلع عام 2014 ما سمّي بـ"الإدارة الذاتية" في المناطق التي وقعت تحت سيطرة الوحدات الكردية. وتوسع المشروع بعد ذلك وضم معظم منطقة شرقي الفرات التي يشكّل العرب فيها ما يربو على 83 في المائة من سكانها، وهو ما ولّد قلقاً تركياً استدعى التدخّل في عام 2016 لطرد تنظيم "داعش" من ريف حلب الشمالي لقطع الطريق على الوحدات الكردية التي كانت تتقدّم باتجاهه، ثم في مطلع عام 2018 لطرد الوحدات من منطقة عفرين، وحالياً في شرقي الفرات للقضاء نهائياً على مشروع الوحدات الكردية الذي ترى المعارضة السورية أنه "انفصالي" يهدد بتقسيم البلاد.


وتقلّصت المساحة الجغرافية التي تُحكم من خلال "الإدارة الذاتية"، فخرجت منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية عن سيطرة الإدارة بشكل كامل، وهو ما يمهّد الطريق أمام القضاء على الإدارة في غربي الفرات. ولا يزال للوحدات الكردية وجود في مدينة تل رفعت وريفها، وهي منطقة نفوذ روسي من المتوقع أن تخرج من سيطرة الوحدات في سياق التفاهمات التركية الروسية، ومن المتوقع أن يعاود النظام السيطرة عليها أو تؤول لفصائل المعارضة. وخلال الحملة العسكرية التركية الراهنة خسرت "الإدارة الذاتية" مدينة تل أبيض وقسماً كبيراً من ريفها. وكانت تل أبيض ذات الغالبية العربية من السكان تحظى باهتمام كبير من قبل "الإدارة الذاتية" كونها تقع وسط المناطق التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية"، ومن ثم فإن خسارتها ترتب أعباء كبيرة على "الإدارة الذاتية"، خصوصاً لجهة التنقل بين شاطئ الفرات الشرقي وشاطئ نهر دجلة الغربي. كما سيطر الجيش التركي و"الجيش الوطني" السوري التابع للمعارضة على معظم ريف مدينة رأس العين، شمال غربي مدينة الحسكة، وهو في طريقه للسيطرة على مدينة رأس العين حيث لا تزال المعارك محتدمة داخلها. كما سيطرت القوات التركية على جانب من الطريق الدولي الذي يصل مدينة حلب، شمال البلاد، بمدينة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي، والمعروف باسم "ام 4"، وهو ما يُعدّ خسارة كبيرة لـ"الإدارة الذاتية"، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي.

وحاولت "قسد" مجابهة العملية العسكرية التركية من خلال إحياء التحالف مع النظام السوري الذي أرسل بالفعل وحدات عسكرية، لكن مصادر محلية قالت لـ"العربي الجديد"، إن جلّ هذه الوحدات هي من عناصر "قسد" بدلوا لباسهم العسكري ورفعوا راية النظام. وبموجب الاتفاق في حال تنفيذه، تنتشر قوات النظام من "عين ديوار" في أقصى الشمال الشرقي من سورية، وحتى الضفة الشرقية المقابلة لمدينة جرابلس غرباً. وتؤكد مصادر في "قسد" أن الاتفاق لا ينص على دخول النظام إلى المدن والبلدات على الأقل في هذه المرحلة "أي أن يبقى الوضع الإداري والخدمي كما هو عليه اليوم تحت إشراف الإدارة الذاتية". واحتفظ النظام طيلة سنوات الصراع بمربع أمني داخل مدينتي الحسكة والقامشلي وبعض القرى في محيطهما.

ونفى عضو الهيئة الرئاسية والرئيس المشترك لممثلية "مسد" (المجلس السياسي لقسد) في واشنطن، بسام إسحق، في حديث مع "العربي الجديد"، وجود أي تصدّع في "قسد" وجناحها السياسي أو في "الإدارة الذاتية". وقال: "لا أشعر بأن قيادة (قسد)، أو (مسد) فيها تصدع اليوم، بل على العكس الغزو التركي قوّى الترابط والعمل المشترك بين مكوناته، لأن جميع مكوّنات مسد/ قسد شعرت بالخطر من هذا الغزو".

وفي المقابل، لا تزال "الإدارة الذاتية" تسيطر على مساحات جغرافية كبيرة في منطقة شرقي نهر الفرات، تشكّل نحو ثلث مساحة سورية، فهي لم تخسر في شرقي الفرات حتى اللحظة سوى 1600 كيلومتر مربع. وتسيطر "قسد" على قسم كبير من محافظة الرقة، شمال نهر الفرات، ولم تخسر سوى تل أبيض وريفها في ريف الرقة الشمالي. وتسيطر على مدينة الطبقة الاستراتيجية إضافة إلى شريط القرى على الضفة الجنوبية من نهر الفرات الممتد من قرية "شعيب الذكر" غرباً، إلى قرية "كسرة شيخ الجمعة" شرقاً. وتسيطر "قسد" على كامل ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات الغني بالنفط، إضافة إلى معظم محافظة الحسكة مترامية الأطراف في شمال شرقي سورية والتي تضم أكبر حقول البترول في سورية والتي تعد المصدر الرئيسي لتمويل هذه القوات والإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سورية.