مشاريع مجمّدة... التمويل أبرز عقبة أمام المخطط الجديد لحكومة الجزائر

27 يونيو 2017
الأزمة المالية تجمّد مشروعات إسكانية (فرانس برس)
+ الخط -
تلقت الحكومة الجزائرية برئاسة عبد المجيد تبون، الضوء الأخضر من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لإرسال مخطط عملها حتى 2019، وهي السنة التي تنتهي فيها عهدة بوتفليقة الرابعة، إلى البرلمان وذلك بعدما صادق مجلس الوزراء، الذي اجتمع أخيراً، لأول مرة خلال السنة الحالية بسبب الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة التي دفعته للغياب لعدة أشهر.
وحسب خبراء اقتصاد تحدثوا لـ"العربي الجديد"، ستواجه الحكومة الجديدة العديد من العقبات لتنفيذ مخططها المرتقب، أبرزها عدم توفر التمويل اللازم في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها البلاد بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية والتي أدت إلى تآكل الاحتياطي النقدي.
ووضعت حكومة تبون حماية القدرة الشرائية للمواطن كأول أولوية لها في ورقة الطريق التي وضعتها، بعدما تعهدت بتحسينها طيلة الفترة التي سيكون فيها على رأس الجهاز التنفيذي.
ومن ضمن النقاط الأخرى التي يرتكز عليها مخطط عمل الحكومة الجزائرية تعزيز المجال الاقتصادي والمالي من خلال البحث عن السبل الكفيلة بتنويع الاقتصاد، الذي يجعل من البلاد مركزا للتصدير لا للاستيراد، حيث سبق لتبون عندما كان يسيّر قطاع التجارة أن شدد على ضرورة العمل برخص الاستيراد والسماح بإدخال المنتجات المصنفة في خانة الضروريات وحسب احتياجات البلاد. كما تسعى الحكومة الجديدة إلى استكمال مشاريع السكن التي تعرف تعثراً في إنجازها بسبب غياب الأموال. واللافت أن الحكومة الجزائرية لم تكشف بعد عن التفاصيل المتعلقة بالجانب المالي والاعتمادات التي ستخصصها لبرنامجها الممتد حتى إبريل/ نسيان 2019، كما لم تكشف حكومة تبون عن آليات ترجمة "ورقة الطريق" التي وضعتها في وقت سابق على أرض الواقع، في فترة يعيش فيها الاقتصاد الجزائري أوضاعا يقول عنها الخبراء إنها أسوأ من تلك التي عاشها قبل عشرين سنة في ما يعرف بـ"العشرية السوادء"، بعدما انهار الاقتصاد وأفلست الشركات العمومية ووقعت الجزائر بين فكي كماشة صندوق النقد الدولي.
وفي قراءة أولى لمخطط الحكومة الجديدة، يقول الخبير الاقتصادي فرحات علي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة مرة أخرى تفضل مخاطبة الشعب بلغة الشعارات عوض لغة الأرقام والواقعية. فالمتابع لتصريحات رئيس الوزراء يجده يتحدث عن حماية القدرة الشرائية وتنويع الاقتصاد ومحاربة الفساد وإصلاح المنظومة البنكية، وكل هذه تبقى أقوالاً يمكن لأي شخص أن يقولها".
وأضاف المتحدث نفسه أن "الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بدوره استعمل جملاً براقة حين خاطب الحكومة في اجتماعها، أخيراً، فتحدث عن تصفية مناخ الأعمال وتطهير الاستثمارات وإصلاح المنظومة البنكية، وكلها شعارات وظفت لأغراض سياسية أكثر منها اقتصادية"، حسب الخبير الاقتصادي.
ويبقى الرهان الأكبر للحكومة الجزائرية الجديدة هو توفير المال اللازم لإكمال المشاريع المجمدة، خاصة في قطاعات السكن والصحة والتربية والبنى التحتية، وذلك في وقت يعرف فيه "صندوق ضبط الإيرادات" نضوب رصيده الذي بلغ 40 مليار دولار بعدما كان 70 مليار دولار، والصندوق الذي تلجأ إليه الحكومة لسد أي عجز تسجله الخزينة العمومية أو ميزانية الدولة بفضل أموال الجباية النفطية التي تحول إليه مباشرة. إلا أن تهاوي عائدات النفط أثر سلبا على الصندوق السيادي، ويضاف إلى كل هذه المعطيات، غلق باب الاستدانة الخارجية من طرف بوتفليقة، ليزيد من متاعب حكومته التي لجأت أخيرا للاقتراض من البنك الأفريقي للتنمية من أجل تمويل مشاريع في مجال نجاعة الطاقة بقيمة 950 مليون دولار.
وإلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي والمستشار الحكومي عبد الرحمن مبتول، لـ"العربي الجديد"، إن "إقدام الرئيس على تحذير حكومة تبون من اللجوء إلى الاستدانة الخارجية خلال اجتماعه بها، يعتبر أمرا إيجابيا، لكنه بالنسبة للحكومة صفعة قوية، حيث كانت الحكومة تراهن على الاستدانة الخارجية لتمويل جزء كبير من مخططها الذي سيمتد حتى عام 2019".
وأضاف المتحدث أن "الحكومة الحالية وحتى سابقتها لم يكشفا عن مصير 260 مليار دولار التي خصصت منتصف 2014 للمخطط الخماسي 2014/ 2019، فهل أنفق الغلاف المالي أم بقي منه ما يكفي لتمويل باقي المخطط الخماسي؟".
وتوقع الخبير الجزائري أن "تلجأ الحكومة الجزائرية استثنائياً للاستدانة الخارجية مستقبلا بعد استشارة الرئيس بوتفليقة، لأنها في الوقت الراهن شر لا بد منه".
ويتوقع مبتول أن "تطلق الحكومة عملية اقتراض داخلي عن طريق طرح سندات دين حكومي مثلما فعلت السنة الماضية، وإلا فإن المخطط الحكومي لن يرى النور".
ومن المنتظر أن ترسل الحكومة الجزائرية نسخة من مخططها إلى البرلمان الأسبوع القادم، لمناقشته قبل نزول رئيس الوزراء إلى الغرفة التشريعية لمواجهة النواب لإقناعهم، بالرغم من أن الأغلبية العددية "المريحة" التي نالتها "أحزاب السلطة" في الانتخابات النيابية التي أجريت الشهر المنصرم، تجعل من تمرير المخطط الحكومي مسألة وقت لا غير، حسب مراقبين.
ويكشف رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني، صاحب الأغلبية في البرلمان، النائب سعيد لخضاري، أن "مخطط الحكومة سيكون التصويت عليه بعد عيد الفطر مباشرة بالنظر لضيق الوقت".
وأضاف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد"، أن "برنامج الحكومة الحالية مستمد من برنامج الرئيس بوتفليقة، وبالتالي سنصوت لصالح المخطط من أجل مصلحة الجزائر".
وفي المقابل، تؤكد المعارضة في البرلمان الجزائري على رؤية أخرى تصب في مجملها على ضرورة منح البرلمان صلاحية الرقابة بعد اعتماد الخطة على بنود تنفيذها. وإلى ذلك، قال النائب رمضان تاعزيبت، عن حزب العمال (اليسار)، إنه "لا جدوى من مناقشة برنامج الحكومة وكيفية تمويلها لهذا البرنامج في حالة عدم تقديم تقييم لعملها عند تنحيتها، مثلما حدث مع رئيس الوزراء السابق عبد المالك سلال، الذي عرض مخطط حكومته على البرلمان في يونيو/ حزيران 2014 بغلاف مالي نحو 260 مليار دولار، ثم غادر سلال الحكومة دون تقديم كشف حساب وفق ما ينص عليه الدستور الجزائري".
وأضاف البرلماني الجزائري لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الحالية لن تتكلم عن البطالة وتفشي الفساد في المناخ الاقتصادي في مخطط عملها للسنوات القادمة، وستكتفي بتقديم معطيات عن البرنامج الجديد في فترات متفاوتة".
المساهمون