أسئلة كثيرة، يعاد طرحها كل مرة بعد إنتاج وعرض مسلسل عربي مشترك. إذْ من الواضح أن المحطات الفضائية تهمل كلّ الانتقادات الفنية التي تتعرَّض لها، ولا تبحث سوى عن الأرقام ونسب المشاهدة العالية، سواء أثناء عرض الأعمال أو بعدها. لم تظهر في السنوات الأخيرة، أي نصوص دراميَّة، يمكن أن تُصنَّف كنصوص دراميّة جديَّة، تخضع إلى معايير الدراما التلفزيونيَّة المعاصرة. ثمَّة أسئلة كثيرة حول النصوص التي تستحقّ أن تدخل مغامرة الإنتاج. ولكن يبدو أن الشركات الإنتاجيّة لا تهتم أبدًا بسوية الأعمال، بل بنسب المشاهدة فقط، بالإضافة إلى صفقات ومحسوبيات لم تعد تخفى على أحد.
بدأ في الأسبوع الفائت عرض مسلسل عربي مشترك جديد بعنوان "العودة"، إذْ يضم مجموعة من الممثلين الشباب من لبنان وسورية في قصّة دراميّة باردة جدًا تعتمد على قانون الصدفة، وتعاني من معالجة دراميّة ضعيفة في الطرح. يدور المسلسل حول قصّة "نسيم" التي تقوم ببطولتها الممثلة دانيللا رحمة. "نسيم" هي كاتبة هاجرت إلى أستراليا، وامتهنت الكتابة، ووصلت شهرتها إلى كلّ أنحاء العالم، وهذا ما يظهر بشكل واضح من خلال حفل توقيع روايتها في دبي. في هذا الحفل، وعندما يكون مدير أعمالها إلى جانبها، يأتيها اتّصال فجأة من زوجة والدها، تخبرها فيه بأن والدها قد تعرَّض لحادث سيارة، ويجب أن تعود إلى لبنان.
تصلُ "نسيم" إلى المستشفى، لتبدأ رحلة الصدفة في حياتها، إذْ إنَّ كل من تصادفه، تعود لتلتقيه بعد سنوات من الغياب، وهي إلى ذلك كله، الكاتبة التي تخطَّت شهرتها العالم. وفي مشهد، يطلب منها الطباخ في المطعم، صورة تذكارية يقول لها، بأنَّ زوجته تحبّها وتقرأ كل رواياتها.
كان بإمكان المنتج للمسلسل التدقيق أكثر في التفاصيل والسياق الخاص بالأحداث قبل تحويل العمل إلى مسلسل. ورغم الاستعانة بالإعلامي اللبناني طارق سويد، والذي يمتلك في رصيده محاولات في الكتابة التلفزيونية، إلا أن سقوط المخرج إيلي السمعان في فخ الصُدف منذ اللحظات الأولى لوصول "نسيم" إلى بيروت، قلَّل من أهميَّة وتسارع الأحداث في الحلقات الثلاث الأولى. وبالتالي، تتولَّد أسئلة كثيرة، إذا ما كانت "نسيم" وشهرتها، وسعي البعض إلى التقرب منها، هي ردات فعل مقصودة؟ أم هي مجرد رواية للتذكير بما حصل لنسيم قبل هجرتها.
المخدرات والأصدقاء والعائلة المتفككة، كلها تتداخل في إطار يفتقر إلى الحس الفني، معجون بسيناريو ضعيف. ثمَّة أسئلة عن السبب الذي يدور حوله فلك المسلسل، وهو السعي وراء رضى "نسيم". والواضح أن الشق العاطفي في حياة "نسيم" قبيل مغادرتها لبنان، كان القاعدة التي انطلق منها الكاتب، ليكشف لنا أننا أمام فتاة شابة، عانت في فترة سابقة من تعاطي المخدرات، وتفقد مع الوقت صديقتيها المقربتين في إطار من التشويق الهزلي، أو كنوع لكشف الماضي، وذلك قبل عودة "نسيم" إلى بيروت.
"العودة" هي محاولة بدت مخيبة للآمال على الرغم من المواهب الجيدة التي شاركت في هذا المسلسل، لكنها وقعت في فخ المخرج، وقلة الدراية في معالجة هذا النوع من المسلسلات، والتي لا تُبْنَى على الصدف كي ينتظرها المشاهد.