بات مستقبل مجموعة بن لادن، أكبر شركة مقاولات في السعودية، مجهولاً بعد أن أمر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بتجميد نشاطها وحرمانها من المشاريع الحكومية الجديدة ومراجعة كل المشاريع الحالية التي تقوم بها بشكل صارم، ومنع مجلس إدارتها من السفر لحين الانتهاء من التحقيقات حول سقوط رافعة بناء في الحرم المكي.
ولن تكون العقوبات الحكومية القاسية فقط ما يهدّد مستقبل الشركة، فقد تواجه الفترة المقبلة سيلا جارفا من الدعاوى القضائية والتعويضات التي سيرفعها عليها المتضررون وعائلاتهم (111 حاجا متوفى و239 مصابا)، لاسيما أن القرار الملكي فتح المجال لمقاضاة الشركة، ما سيكلفها نحو 200 مليون ريال حسب تقديرات البعض، وقد تجد المجموعة نفسها مضطرة لدفع التعويضات بعيدا عن شركات التأمين، خاصة بعد أن أكدت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة على أنه تم تحذيرها من العاصفة التي ضربت مكة، قبل وقوعها بـ24 ساعة، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى رفض شركات التأمين دفع التعويضات.
وأكد الرئيس العام للأرصاد وحماية البيئة عبد العزيز الجاسر، في تصريحات أعقبت الحادث، أنهم أطلقوا تنبيها قبل وقوع العاصفة.
وتعتبر مجموعة بن لادن الأكبر من نوعها في السعودية، وواحدة من أكبر 5 شركات مقاولات في الشرق الأوسط، وتستحوذ على حصة الأسد من الإنفاق الحكومي المقدر بأكثر من 690 مليار ريال (184 مليار دولار)، وتحصل عادة على هذه المشاريع بالأمر المباشر.
ومع أنه لا توجد تقديرات للقيمة السوقية للشركة العملاقة، لكونها شركة خاصة غير ملزمة بنشر قوائمها المالية وغير مقيدة في البورصة، يقدّر صاحب مكتب استشارات، المحامي عبد العزيز القاسم قيمة المشاريع التي تتولاها الشركة بأكثر من 200 مليار ريال (53.3 مليار دولار)، وهي مشاريع تدر أرباحاً سنوية صافية بأكثر من 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار).
ويؤكد الخبير العقاري سعود الدلبحي، أن مجموعة بن لادن تستحوذ على نحو 80 % من المشاريع الحكومية، وهو ما يعني أن الشركة ستتضرر بشكل كبير، جراء منعها من تلك المشاريع، وقد يهدد بتصفيتها بالكامل.
ويرى مدير إدارة أحد الصناديق العقارية، فيصل الشماس، أن القرارات الملكية الأخيرة كانت بمثابة إعلان نهاية المجموعة، لأنها ستجد نفسها بلا دخل.
ويقول الشماس، لـ"العربي الجديد"، إن الشركة في طريقها للموت، إلا إذا حدث أمر يغير هذا الواقع، فعندما تجمّد مجموعة مقاولات بهذا الحجم، لا بد أن يبدأ النزيف المالي، حيث سيعاني المدير المالي للشركة من توفير النفقات الضرورية للبقاء، فحتى لو كانت المشاريع الحالية قائمة، فهي في نهاية المطاف ستنتهي، وستجد الشركة نفسها بلا عمل، فمستقبلاً لن يكون لها نشاط".
ويشدّد الشماس على أن القرارات ستؤثر كثيراً على وضع المجموعة في السوق، وسيعرضها لمخاطر وأمور سلبية كثيرة، لأن القرار يجمد أغلب مشاريعها الجديدة، ولن تقدم على أية مناقصات.
ويضيف، "هذا يعني أنها انتهت، فالدخل الأكبر لها يأتي من خلال مشاريع الحكومة، وهي لب عملها، وليس في المشاريع الخاصة، هكذا تم القضاء على الشركة، فالشركة لها نفس ومصاريف ورواتب تُصرف، والاحتياط النقدي المتوفر لها له نفس محدد، فهي لا تستطيع الاستمرار على السحب منه بلا قيود"، ومع أن الشركة بالغة الضخامة بأعمال تتجاوز 53 مليار دولار سنويا، إلا أن الدخل الفعلي لدخل بن لادن، يأتي من المشاريع الحكومية، ويتابع: "القرار قطع شريان مهم لإيرادها، ولهذا ستتضرر داخليا، وسيكون هناك وقفة وإعادة جدولة لتكاليفها، والوظائف فيها".
ويستبعد الشماس أن يتأثر سوق المقاولات في السعودية، متوقعاً أن تستفيد بعض الشركات من إفساح الطريق لها في المشروعات الجديدة، التي كان ستتحصل عليها المجموعة قبل الحادث، ويضيف، "لم يكن من الخطأ منح بن لادن كل هذه المشاريع، لأنه فعليا ليست من تقوم بكل
هذه المشاريع، فخلفه جيش من المقاولين من الباطن، ولكن ستظل الشركة هي المقاول الرئيسي، وهو أمر قد يكون مقبولا، لصعوبة توزيع عشرات المشاريع على المقاولين، ولكن يجب أن تتدخل الحكومة في اختيار المقاولين من الباطن، ولا يُترك الأمر فقط للمقاول الرئيسي، وتتأكد منهم.
اقرأ أيضاً: منع سفر مسؤولي "بن لادن"وصرف تعويضات لضحايا "رافعة الحرم"
ويشدّد الشماس على أن "تاريخ بن لادن مع توسيع الحرمين كان جيداً، ولم تكن هناك حوادث، ولكن هذا لا يمنع أنها أخطأت في ما حدث، وهو خطأ متراكم، نجم عن سلسلة من الأخطاء السابقة، خاصة في جانب الرقابة، والمحاسبة".
ويضيف، "الخطأ لن يتحمله بن لادن فقط، بل ستتحمله معه شركات صغيرة التي كانت تعمل من الباطن"، مشيراً إلى أنه يجب أن تكون البلديات والأمانات ذات رقابة أكثر جودة وصرامة.
وحوّل الديوان الملكي ملف القضية لهيئة التحقيق والادعاء العام، للبدء في التحقيقات الجنائية حول الحادثة، وتحديد المسؤولين بعينهم عما حدث، وتحويلهم للقضاء، ولحين ذلك سيظل كبار مديري وأعضاء مجلس أدارة بن لادن ممنوعين من السفر، والأهم ستظل الشركة بعيدة عن أي مشاريع جديدة.
ولكن على الرغم من كل هذه الإجراءات لن تكون مجموعة بن لادن الوحيدة التي ستدفع ثمن الخطأ الفادح، فهناك أكثر من 420 شركة مقاولات من الباطن قد تخسر عقودها مع الشركة العملاقة، حسب الشماس، إضافة إلى مصارف أقرضت المجموعة عشرات المليارات، ولكن الطرف الأضعف في كل هذه المعادلة هم أكثر من 170 ألف موظف قد يخسرون أعمالهم، في حال استمر تعليق نشاط الشركة طويلا.
ويؤكد عضو اللجنة العقارية الوطنية عبدالله المغلوث، أن هناك أطرافاً خارجية ستتضرر من العقوبات التي فرضت على المجموعة، خاصة بشكل مباشر، متوقعا ألا يقتصر الضرر فقط على المجموعة ذاتها، وموظفيها الذين سيطولهم التسريح.
ويقول المغلوث، لـ"العربي الجديد" إن "مثل هذه القرارات لابد أن يكون لها تبعات، ولكن على الرغم من كل ذلك يظل قرارا إيجابيا لكي يثبت أن على المقاولين الذين تتعاقد معهم الحكومة أن يتحملوا جزءاً من أخطائهم، ويكون ذلك رادعا للآخرين من غيرهم من المقاولين، لأن الضرر الناجم عن الخطأ الفادح لم ينعكس على الشركة فقط، بل على سمعة السعودية".
ويضيف، إن "أكثر المتضررين خارج الشركة هم المقاولون من الباطن، الذين تتعامل معهم بن لادن السعودية، إضافة إلى المصارف التي لديها علاقات واسعة مع الشركة، وأقرضتها عشرات المليارات عبر تسهيلات بنكية واسعة، وهذا قد يؤثر على قدرة الشركة على الإيفاء بهذه المتطلبات المالية الضخمة".
ويشدّد المغلوث على أن نتائج التحقيقات التي يخضع لها كبار ملاك الشركة ومديريها، سيكون حاسماً في تحديد مستقبلها، ولكنه يتوقع أن تنهض من كبوتها، لأنها تملك من القدرة المالية ما يمكّنها من تجاوز هذه العثرة، ويضيف، "سيكون هناك محاسبة قاسية لكل المسؤولين في الشركة لتحديد الأخطاء التي وقعت، ولكن في كل الحالات تظل بن لادن السعودية شركة كبيرة وقوية، خاصة إذا انتهى التحقيق سريعا، فهي قادرة على استيعاب ما حصل، ولكن إجمالا إذا كان هناك أخطاء من بعض المديرين، فسيشمل بالتأكيد إداريين كباراً فيها".
وتحاول المصارف المقرضة لمجموعة بن لادن التريث قبل التحرك لتحصيل ديونها التي قدّرها مختصون بأكثر من 22 مليار دولار، خصوصاً أن تأخر الشركة في العودة للسوق قد يتسبب في عجزها عن الإيفاء بديونها، ويؤكد الخبير المالي عبدالله الدويش، إنه كلما تأخرت الشركة في العودة فستعاني من نقص في الإيرادات، وهو ما يعني توقف تسديد ديونها، ومتى ما تعرضت الشركة لانكشاف مالي فسيضر هذا بالعديد من البنوك الدائنة التي قد تفشل في استيفاء حقوقها، خاصة وأن شركات المقاولات لا تملك أصولاً توازي حجم قروضها.
ويقول الدويش، لـ"العربي الجديد"، "إلى حين الانتهاء من التحقيق وإغلاق الملف تماما، ستعاني بن لادن السعودية من مشاكل كبيرة، خاصة وأن الأمر الملكي تضمن تكليف وزارة المالية والجهات المعنية عاجلاً بمراجعة جميع المشاريع التي تنفذها المجموعة، ما قد يقود لعقوبات وغرامات ضخمة، ناهيك عن قيمة التعويضات التي ستدفعها للضحايا"، ويتوقع أن تلزم هيئة سوق المال، المصارفَ السعودية بالإعلان عن حجم قروضها للشركة، لمعرفة مدى تضرر تلك المصارف من إيقاف تصنيف الشركة.
وأكد الدرويش قطاع أن التأمين سيتضرر بدفع جزء كبير من التعويضات، إلا إذا رفض لكون الحادثة وقعت نتيجة إهمال الشركة ولم يكن كارثة طبيعية.
وكانت بن لادن تنوي طرح جزء من أسهم شركاتها للاكتتاب العام، خلال عامين، ولكن الحادثة ستؤخر هذه الخطط وربما تلغيها. وتمتلك المجموعة حصة تقدر بـ10.94% من شركة مكة المدرجة، و1.53% من شركة أسمنت حائل المدرجة المدرجتين في سوق الأسهم السعودية.
اقرأ أيضاً: تعثر مشروعات الإسكان المدعم في السعودية