مساعدات أميركية غير مسبوقة للأردن.. نفرح أم نقلق؟

11 ابريل 2018
+ الخط -
أعلنت السفارة الأميركية في عمّان ووزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية قبل أيام عن إقرار الكونغرس الأميركي بصورة نهائية تقديم مساعدات للأردن بقيمة 1,525 مليار دولار في الحد الأدنى خلال العام الجاري. وهو مبلغ لا يفوق فقط حجم المساعدات الأميركية للعام الماضي (2017) التي بلغت 1,3 مليار دولار، وإنما يفوق أيضاً حجم المساعدات الأميركية المقدرة للعام 2018 بمقدار ربع مليار دولار!
ويلاحظ في صيغة الخبر الذي تداولته الصحف الأردنية في الأول من إبريل/ نيسان الجاري أن أرقام المساعدات المقررة تتبع بعبارة "كحد أدنى"، ما يعني أن الرقم مرجّح للزيادة، خصوصا فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية المقدرة بقيمة 425 مليون دولار. وكان قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال جوزيف آل فوتيل، قد صرح من واشنطن عن استمرارية دعم الولايات المتحدة الأردن لمواجهة تحديات كثيرة، وجهوده في مكافحة الإرهاب، ووصف الأردن بأنه أحد شركاء واشنطن "العظماء" في المنطقة.
وقد احتفى وزير التخطيط الأردني، عماد فاخوري، بأرقام المساعدات الأميركية للأردن هذه، إذ قال إنها تفوق، وبشكل ملموس، ما تم الاتفاق عليه ضمن مذكرة التفاهم التي تحكم المساعدات الأميركية للمملكة للأعوام الخمس (2018-2022)، علماً أن المذكرة المشار إليها نصت على تقديم 1,275 مليار دولار للأردن حدّا أدنى سنوياً. وخلص الوزير إلى أن إقرار الكونغرس مساعدات بهذا الحجم يعكس تقديره، هو والإدارة الأميركية، الأردن وعمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وقال القائم بأعمال السفير الأميركي في عمان إن موازنة المساعدات التي تقدمها بلاده للأردن تعكس الالتزام الأميركي بدعم جهود الأردن الأمنية والاقتصادية، ووصف هذه الالتزام بأنه "أقوى من أي وقتٍ مضى".
ويسجّل إقرار الكونغرس مساعدات سنوية بهذا الحجم للأردن لصالح الدولة الأردنية التي تمر 
في هذه المرحلة بمنعطف وجودي خطير، أبرز مظاهره وصول المديونية الأردنية إلى أرقام فلكية، حيث بلغت في يناير/ كانون الثاني الماضي 27.44 مليار دينار، أو ما يعادل 95.6% من الناتج المحلي الإجمالي. إضافة الى اختلال تحالفات الأردن الإقليمية، وتراجع المساعدات الخليجية. والأخطر هو تصاعد التوتر على الجبهة الفلسطينية – الإسرائيلية، جراء انقلاب الرئاسة الأميركية على قرارات الشرعية الدولية بخصوص الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية، وحل الدولتين، إضافة إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس التي اعتبرتها عاصمة دولة إسرائيل. وهي تطورات خطيرة لا تمس فقط الحقوق الفلسطينية، وإنما تهدد، بتداعياتها وآثارها المحتملة، الأردن أيضاً.
وبينما يؤكد قرار الكونغرس رفع حجم المساعدات المالية للأردن استقرار، بل ازدياد الدعم الدولي للمملكة، فإن جولات الملك عبد الله الثاني إلى عدة عواصم أوروبية أخيرا أرسلت إشاراتٍ إلى المواطن الأردني، تطمئنه على استقرار الأوضاع في بلاده، وإلى ظهور علاماتٍ على تحسن الأوضاع الاقتصادية في السنوات القليلة المقبلة، فإن السوابق الإقليمية والتجربة التاريخية تدعو هذا المواطن إلى الحذر من هذه "النجاحات" التي يُخشى أن تكون مؤقتة وغير قابلة للاستدامة، وإن استمرت سنوات منظورة، فالنجاح الحقيقي لا يعتمد فقط على قدرة الأردن على استدراج التعاطف الغربي، خصوصا أن هذا التعاطف يقترن غالباً بأهداف ومصالح في الإقليم، حيث يلعب الأردن، على هذا الصعيد، دوراً حيوياً في حفظ هذه المصالح وحمايتها، سواء باستباقه تهديداتٍ، أو باستدراك هذه التهديدات وتطويقها عند وقوعها، كما هو حاله في الحرب على الإرهاب.
وبخلاف ذلك، يجب أن يوجّه الرهان نحو بناء القدرات الإنتاجية الذاتية الأردنية، تطبيقاً للشعار الذي رفع أخيرا، الاعتماد على الذات، وهو ما يتطلب تحولات سياسية جدية وإصلاحات اقتصادية بنيوية، لحشد الطاقات والجهود الوطنية وراء برنامج متكامل وقابل للقياس، من أجل بلوغ هذا الهدف. غير أن المؤشرات الملموسة لا تدل على جدية توجه الحكومة نحو ذلك، وإنما تدل على الإيغال في الاعتماد على الخارج، فإلى جانب المراهنة على تدفق المساعدات الخارجية (يشكل وجود أعداد هائلة من اللاجئين السوريين على الأراضي الأردنية، واحتمال ازديادهم إذا ما فتحت الجبهة السورية الجنوبية على الأردن، وحيث محاربة الإرهاب في الإقليم مهمة مستمرة)، فإن الحكومة الأردنية تواصل البحث عن مساعدات وقروض جديدة، هذه المرة تحمل صفة "الميسرة"، وجديد هذه الجهود السعي إلى الحصول على ملياري دولار سنوياً من البنك الدولي، لغايات تغطية العجز في الموازنة. هذا بالإضافة إلى مساع متشابهة للحصول على قروض من اليابان والاتحاد الأوروبي وغيرهما.
وبكلمات أخرى، أي "نجاحات" راهنة من الأردن الذي يحظى بتعاطف غربي، ومن 
المؤسسات الدولية عامة، في الحصول على مساعدات خارجية أو قروض ميسرة، لها في المديين، المتوسط والبعيد، جانب قاتم وغير مرغوب، من وجهة نظر السيادة الوطنية والاستقلالية السياسية، فهي تؤبد التبعية والاعتماد على الغير، وتصرف النظر عن الحلول المستدامة للتشوهات والاختلالات التي باتت، مع الوقت، مستدامة.
ولكي لا نذهب بعيداً، فإن استمرار الاعتماد على المساعدات الأميركية والغربية الأخرى، والركون إلى دعم الولايات المتحدة والتزامها "الاستراتيجي" لن يساعد الأردن، إذا ما قرّر الاستجابة، مثلاً، لمطالب المعارضة وقطاعات واسعة من الرأي العام المستنير المطالب بإلغاء اتفاقية الغاز مع إسرائيل، والتوقف عن مد خطوط نقل الغاز بين الأردن وإسرائيل.
ما يقوله الواقع أن التبعية الاقتصادية والمالية للولايات المتحدة لن تسمح لصاحب القرار الرسمي، حتى بمجرد التفكير بإلغاء هذه الاتفاقية، حتى لو وجدت بدائل أرخص من الغاز الإسرائيلي. ومن المرجح أن تحول المساعدات الأميركية التي أقرها الكونغرس أخيرا دون إقدام الحكومة الأردنية على إعادة النظر، أو إلغاء البند الخاص باستغلال إسرائيل لأراضي الباقورة ومنطقة الغمر، المنصوص عليها في معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية الموقعة عام 1994، على الرغم من أن هذه النصوص تسمح للأردن بالعودة عن هذه التسهيلات المجانية الممنوحة لإسرائيل، بل والمطالبة باستعادة هذه الأراضي كاملة بعد مرور 25 عاماً على توقيع المعاهدة.
تدعونا الواقعية إلى أن لا نكتفي بالتهليل لارتفاع أرقام المساعدات الأميركية، وإنما أن نفكر بالمستقبل، وكيف نمكّن الأجيال المقبلة من الانتفاع من استراتيجية "الاعتماد على الذات" التي يجب أن نبدأ بتنفيذها من اليوم، كي لا تخضع للابتزازات والتقلبات الغربية، والأهم أن تكون قادرةً على مواجهة التهديد الوجودي للتوسعية الصهيونية التي لم تعد تخفي أطماعها في الأردن.
63574C85-2EAC-4D3E-BA5E-B0892FA44AC0
63574C85-2EAC-4D3E-BA5E-B0892FA44AC0
هاني حوراني

باحث وناشط سياسي أردني باحث، مؤسس مركز الأردن الجديد للدراسات منذ 1990. له مؤلفات في الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والتنمية الديمقراطية. يجمع، أخيراً، بين النشاط السياسي والممارسة الثقافية والفنية.

هاني حوراني