كثيرة هي العقبات التي تقف أمام كتّاب المسرح الفلسطينيين، حين يعتزمون عرض أعمالهم على خشبات المسارح الرئيسية في الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً أن بعضها يصل إلى مستوى المقاطعة العلنية خوفاً من ردّة فعل اللوبي الصهيوني ومؤيّديه في أميركا.
يكاد الأمر يكون منهجيةً يتّبعها المسؤولون على الفضاءات المسرحية في البلاد، والذين لا يتردّدون في رفض عروضٍ مسرحية تتناول القضية الفلسطينية من زاوية نظر عربية، أو حتّى تلك التي تكتفي بالنظر فيها من البعد الإنساني لا غير.
كان ذلك بعض ما ذكره الكاتب الفلسطيني الأميركي إسماعيل الخالدي والكاتبة المسرحية الأميركية ناعومي والاس، في نيويورك، في معرض تقديمهما عملهما الأنطولوجي الجديد "داخل/ خارج: ست مسرحيات من فلسطين والشتات"، الصادر مؤخّراً عن "ثياتر كومينكيشن"، والذي تلاه عرضٌ لمقتطفات من بعض مسرحيات الإصدار.
للوهلة الأولى، سيبدو الحديث عن الاستهداف والمقاطعة اللذين يتعرّض لهما المسرح الفلسطيني، أو الذي يتناول قضاياه، مستغرباً، بما أنّنا نتحدّث عن بلد يُفترض أنه يتمتّع بمساحات واسعة من الحرية الإبداعية وفصلٍ - نظري على الأقل - بين المؤسّسات السياسية والفضاءات الإبداعية كالمسارح والمتاحف وغيرها.
لكن رأس المال الخاص، والعام أحياناً، كثيراً ما يتدخّل ليمارس ضغطه، إذا حدث وعُرض عمل لا يتماشى مع وجهة النظر الإسرائيلية، حتى وإن لم يقترب من الرواية الفلسطينية.
كان ذلك تحديداً ما حدث خلال خريف العام الماضي، أثناء عرض أوبرا "موت كلينغهوفر"، في المتروبوليتان في نيويورك. أُثيرت موجة من الاحتجاجات وهدّد المانحون بسحب تبرّعاتهم من واحدة من أهم دور الأوبرا في أميركا، لأنّ العرض لم يوافق الهوى الإسرائيلي.
من هنا، يبدو عدم وصول أعمال مسرحية لكتّاب فلسطينيين إلى خشبات المسرح الأميركي أمراً طبيعياً ومتوقَّعاً. لكن والاس ترى أنه "رغم أن الظاهرة تنطبق على الإبداع الفلسطيني بشكل عام، مع بعض الاستثناءات، لكنها لافتة للانتباه أكثر، حين يتعلّق الأمر بالفن الرابع".
تفسّر ذلك بكون "المسرح، كأداة فنية، يخلق شعوراً بالألفة ويضع جوّاً من الحميمية التي تتكرّر كل ليلة مع كل عرض. وهذه الحميمية بين المتلقّي والمسرحية لها أهمية كبرى، ولا يحدث ذلك على هذا النحو في مجالات إبداعية أخرى. يعني ذلك، في النهاية، أن تتجسّد الشخصيات الفلسطينية وتصبح من لحم ودم، وهي تتعامل مع مواضيع مهمة كالذاكرة، وتستعيد الأموات ليعيشوا بيننا فوق الخشبة".
بحسب والاس، ثمّة أمران إضافيان يجعلان عرض أعمال فلسطينية على المسارح الأميركية مهمّاً ومعقداً في الوقت ذاته: الأول أن "الولايات المتّحدة الأميركية ليست طرفاً محايداً أو خارجياً في ما يخص الصراع في فلسطين، فهي جزء من هذا النزاع، عندما تقدّم دعماً عسكرياً ومادياً للاحتلال، بلغ حوالي 100 مليار دولار منذ الستينيات. لذلك، عندما نأتي بالإبداع الفلسطيني لعرضه هنا، وخاصة على المسرح، فنحن نقول إن مشكلة فلسطين مرتبطة بهذا الـ "هنا" أساساً".
تشير إلى أمر آخر وهو وجود عدد من أوجه الشبه - مع اختلاف السياقات والتجارب - بين حياة الأميركيين الأفارقة وبين الفلسطينيين، وتبادلُ التجارب الذي بدأ يعمل عليه ناشطون من الطرفين، مؤكّدة أهمية ذلك في تقريب التجربة الفلسطينية من الجمهور الأميركي وربطها بواقعه.
من جهته، يؤكّد الخالدي أن المسرح الفلسطيني "غني جدّاً بكل تشعّباته، في المنافي وعلى أرض فلسطين التاريخية". وربّما، ذلك ما تعكسه الأنطولوجيا التي ضمّت ثلاثة أصوات من فلسطين؛ هي داليا طه وعماد فراجين وعبد الفتاح أبو سرور وثلاثة أصوات من خارجها، هي بيتي شامية وهنا خليل والخالدي نفسه.
يضيف: "للمسرحيات الست قيمة إبداعية عالية، وهي تتنوّع بمواضيعها والفترات التاريخية التي تتناولها؛ فبعضها يعود إلى عصر صلاح الدين الأيوبي وأخرى قبل احتلال فلسطين ونكبتها وبعدها. كما تتعدّد موضوعاتها وأساليبها ومقارباتها، بين الساخر والاجتماعي والتاريخي".
وعمَّا يمكن أن يقدّمه المسرح الفلسطيني إلى الجمهور الأميركي، تقول والاس: "شخصياً، تعلّمت الكثير من المسرح الفلسطيني، بما في ذلك مسرح الأنروا. الظروف التي تعمل تحتها الطواقم والمبدعون صعبة للغاية ولا يمكن تخيّلها. لكن، وعلى الرغم من ذلك، بإمكانهم إنتاج وإبداع أعمال مسرحية قوية ومثيرة، بشكل يتجاوز ما هو متاح من وسائل بسيطة. وهذا في حدّ ذاته شيءٌ ملهم للمسرح في أميركا وفي غيرها من البلدان".
ضمّت الأنطولوجيا مقدّمة كتبتها الشاعرة الفلسطينية المقيمة في نيويورك، ناتالي حنظل. مقدمة استعرضت فيها تاريخ المسرح الفلسطيني وجذوره، من أواخر العصر العثماني وتتابع تطوّره حتى العصر الحديث.
اقرأ أيضاً: مسرح يلجم الجنون