مسؤولية النخبة.. مرة أخرى

18 اغسطس 2015

.. في وقفة في العاصمة تونس ضد الإرهاب (Getty)

+ الخط -
لم يدرك التونسيون، حتى الآن، أنه من دون الاعتماد على الذات، لن يتجاوزوا عنق الزجاجة، وأن أوضاعهم ستزداد ضيقا وصعوبة، وهو ما أكدته العملية التي استهدفت سياح أحد الفنادق في مدينة سوسة، بعد عملية متحف باردو التي شكلت منعرجا خطيرا في مسار العمليات الإرهابية التي تستهدف استقرار البلد، وعزل الدولة داخليا وخارجياً. وكان من جراء ذلك أن تخلى الأوروبيون عن تونس، على الرغم من خطابهم السياسي، وهم المصدر الأساسي للسياحة التونسية. شطبوا اسم تونس من خارطة الوجهات السياحية لمواطنيهم، وصبغوها باللون الأحمر، واعتبروا الذهاب إليها يمثل خطرا مؤكداً، بعد مقتل حوالي 70 من رعاياهم بين حادثتي باردو وسوسة. واليوم، تم الانتقال إلى تقديم قضايا عدلية ضد الدولة التونسية، واتهامها بالتقصير في حماية ضيوفها. وليس مستبعدا أن تكشف التحقيقات حصول إخلالات أمنية خطيرة وفادحة، ما يؤكد صحة الاتهامات، ما ستترتب عنه نتيجتان، الأولى هز الثقة في تونس، بعد أن كانت أرضا آمنة لكل من يريد أن يلجأ إليها طلبا للراحة والاستجمام. والثانية تتعلق بحجم التعويضات المالية الضخمة التي ستحصل عليها أسر الضحايا. 
على الرغم من ذلك، عندما نلقي نظرة على السلوك الغالب للتونسيين، يلاحظ أن كثيرين لم يدركوا بعد أهمية الاعتماد على الذات، ودعم الوحدة الوطنية. والمؤشرات على ذلك عديدة، فالبلد مقدم، فيما يبدو، على سنة اجتماعية صعبة وشديدة التعقيد. هذا ما يفهم من التهديدات التي وجهتها نقابات أساسية، في مقدمتها نقابتا التعليمين، الثانوي والأساسي. صحيح، تقر قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل بصعوبة الظرف الذي تمر به البلاد، لكنها في المقابل، تصر على عدم تحمل العمال وحدهم دفع ضريبة المرحلة الانتقالية، وتهدد باللجوء إلى ممارسة جميع أشكال الضغط من أجل إجبار الحكومة على زيادة في الأجور، وتنفيذ جميع الاتفاقيات المالية الموقعة مع الحكومة.
هذه الحكومة الضعيفة ماليا، والتي عجزت عن إقناع التونسيين بأن الوضع الاقتصادي صعب، وأن رصيدها المالي محدود جدا، وأن القروض التي حصلت عليها أنفق كثير منها على الأجور والاستهلاك، وأنه بعد سنة ونصف تقريبا ستدق ساعة الحقيقة، عندما تجد الدولة التونسية نفسها مجبرة على الشروع في دفع فوائد القروض التي تم الحصول عليها في السنوات الأخيرة.
حتى التحدي الإرهابي لم ينجح، إلى حد الآن، في توحيد التونسيين، على الرغم من أنه يهدد كيانهم السياسي، ممثلا في دولتهم الوطنية، ويسعى إلى تغيير جوهري في نمط المجتمع. لا تزال الخلافات تشق الطبقة السياسية بشكل حاد، كلٌّ يدعي حب ليلى، لكن التصورات لا تزال متضاربة، سواء حول تحديد ماهية العدو، أو كيفية المواجهة، أو تحديد طبيعة الحلفاء، أو الوقوف عند المعالجة الشاملة. في حين أن هذه المعركة الدائرة يومياً تفرض التوحد، وتستوجب الارتفاع إلى مستوى المسؤولية، وتقتضي تجاوز منطق الحسابات الضيقة والتافهة، أحياناً كثيرة.
هناك خلل في النخبة يجب أن يعالج قبل فوات الأوان. وقد كشف انغماسها في الحروب الصغيرة عن عوراتها، وأظهرها في صورة النخبة العاجزة والمتهالكة على الكراسي والمتعطشة للحكم، من دون برامج وبدائل وكفاءات قادرة على ممارسة القيادة. حتى حزب نداء تونس، المسؤول حاليا على إدارة الشأن العام، لم يحسم أموره، ولا يزال يتأرجح في قراراته، وغير قادر على توحيد كوادره التي تلازم الهدوء حاليا في انتظار العودة إلى المعركة الحاسمة، عندما تحين ساعة المؤتمر التأسيسي للحزب، المؤجل باستمرار.
تستحق تونس أداء أفضل، لأن مقومات النجاح متوفرة. سيكون من الخطأ التاريخي الذي لن يغتفر إذا انهارت التجربة، وهي في منتصف الطريق. عندها، لن يسامح التونسيون أنفسهم، ولن يحق لهم أن يلقوا بمسؤولية الفشل على عاتق غيرهم، مهما كان حجم المؤامرات التي تُحاك ضد التجربة التونسية.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس