مسؤولية الكاتب وحق القارئ

08 سبتمبر 2014

للصحافة الورقية مكانتها الباقية (Getty)

+ الخط -

بمتابعة تعليقات القراء في موقع "العربي الجديد"، وغيره من المواقع الإلكترونية، لاحظت أن معظم الانتقادات الموجهة للكتاب تتركز في المطالبة بتقديم حلول واقتراحات لمعالجة المشكلات والأزمات التي تتضمنها المقالات والتحليلات. وتلك ظاهرة جديدة، تشير إلى تغير في مزاج القارئ العربي وعقليته. فقبل سنوات، كانت تعليقات القراء تبحث عن صدقية المعلومة، أو تفسير الحدث، فضلاً عن الانتقاد الأزلي المتعلق بحياد الكاتب. ومع الانفجار الإعلامي وتدفق الفضائيات وطوفان الصحف والمواقع الإلكترونية، صار الانحياز اتهاماً لكل الكتاب من معظم القراء.

لكن التغير الأهم يكمن في أن الخبر لم يعد هدف القارئ، أو متابع وسائل الإعلام على اختلافها. بعد أن صار الحدث يصل، في لحظته، إلى كل بقاع العالم، وتحولت مشكلة الأخبار إلى تعدد مصادرها وتلاحقها، وليست في ندرتها أو احتكارها. ونتيجة الحيوية السياسية وفورة المشاركة الشعبية التي صاحبت ثورات الربيع العربي واحتجاجاته، تحول كل مواطن إلى محلل سياسي. وانحسرت أهمية البرامج الحوارية والمقالات التحليلية وتأثيرها. إذ لم يعد المشاهد، أو القارئ، بحاجة إلى تفسير للتطورات، أو تحليل لأسبابها، فلديه دائماً تحليله الخاص، ويمتلك، من وجهة نظره، مهارة تفكيك الأحداث وملكة التنبؤ بمآلاتها.

من هنا، اختلفت مسؤوليات الكتاب والنخب السياسية والإعلامية وواجباتهم تجاه القراء والمتابعين. لم تعد مهمة الكاتب مقصورة على البحث وراء الخبر، أو الظاهرة، وتحرّي مكامن الحقيقة والزيف فيها، ولا الوقوف عند توضيح دلالات الأحداث واستشراف تبعاتها المستقبلية، تبشيراً أو تحذيراً. الكاتب، اليوم، مطالب بتقديم حلول واقتراح إجراءات للتعامل مع أزمة أو مواجهة خطر أو الخروج من حالة مستعصية أو تسوية مشكلة مزمنة.

من يتابع تعليقات القراء وردودهم، يدرك بسهولة أن ثمة أزمة حادة في التفكير وابتداع الحلول. وهي ليست مشكلة القراء فقط، وإنما هي مشكلة عامة، يعاني منها الجميع. فقد نضبت الأفكار وعقمت العقول، فلا يجد القارئ لدى الساسة والحكام حلولاً لمشكلاته التي تسببوا هم فيها. وهو، من جانبه، لا يحاسب هؤلاء على جرائمهم بحقه وحق أوطانهم، فيلجأ للكتاب والمحللين وعباقرة الفضائيات. والكارثة أن كثيرين من هؤلاء هم أنفسهم العقول المفكرة لأولئك الساسة الفاشلين. والنتيجة المنطقية مزيد من الإحباط للقارئ وخيبة الأمل في الحكام، ومن يزينون لهم الحكم. وكذلك تجاه من يعارضون ومن يُحللون فكر المعارضة وأداءها.

صدور النسخة الورقية من "العربي الجديد" فرصة مناسبة، لكي ينبه الكاتب نفسه قبل غيره، بأن مسؤولية الكتاب اختلفت عن سنوات قليلة مضت، ومهمته لم تعد التفضل على القراء بإيضاحات وتحليلات واستنباطات، كثيراً ما تكون بغير أساس أو معلومات كافية، فتصير أقرب للتخمين منها إلى اليقين. وإنما المطلوب تقديم أفكار وابتكار وسائل جديدة وغير تقليدية، لتحسين الأوضاع واستنهاض الهمم وتوضيح مسالك التعاطي مع المخاطر وأساليب التحاور والتناور مع كل الأطراف والأطياف. ولتحقيق ذلك عملياً، وضمان الاستمرارية والنجاح، على وسائل الإعلام متابعة ما يقدم عبرها من آراء وأفكار، وتقييمها بمدى التطابق والارتباط بمطالب الناس وهمومهم. والمتلقي يملك، بالفعل، أداة المراقبة والتقويم، فله حق التعليق والرد، علناً عبر المواقع والصفحات، أو مباشرة إلى الكاتب أو الوسيلة التي يطل منها.

ويبقى بعد ذلك كله الطريق الأقصر والعقاب الصارم، بالابتعاد عمّن لا يلبي تطلعات الناس. فكثيرون يتحفظون عما يقدم في الصحف والفضائيات، لكن، لا ينفضون عنها. فترتفع معدلات متابعة كائن فضائي يتحذلق، أو كاتب أجوف يتفذلك. والحل في مقاطعة هؤلاء، من دون منعهم، فالعزل أمضى وأقوى. ونهاية الإعلامي الانصراف عن طلته، ومقتل الكاتب في النأي عن كلمته.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.