مريم ميرزاخاني.. وداعًا أيتها الرياضيات الشاقّة

16 يوليو 2017
+ الخط -

علم الرياضيات من أصعب فروع العلم، وربّما قلة هن النساء اللاتي عُرفن عالميًا بهذا المجال، لكن دائمًا ما يحدث أمر يغير نظرتنا للأشياء، وربما لأنفسنا وما نحمل من أفكار وثوابت، ويبرهن عمليًا على أن المستحيل لا يكمن إلا في عقول تنقصها القدرة على التخيل وإرادة التنفيذ ولا علاقة لذلك بالجندر.

جاء عام 2014 يحمل معه هذا البرهان، لتفوز مريم ميرزاخاني (1977 – 2017) بميدالية فيلدز، الجائزة الأكثر أهمية على مستوى العالم في مجال الرياضيات؛ امرأة إيرانية شابة لم تبلغ حينها الأربعين وكذا الجائزة لا تُمنح إلا لمن هم دون الأربعين، فتكون بذلك المرأة الأولى والوحيدة التي نالتها منذ تأسيسها.


طهران والحرب
يقول ألبرت آينشتاين: "أنا فنان كفاية لأرسم في مخيلتي. الخيال أكثر أهمية من المعرفة، المعرفة محدودة. الخيال يطوق العالم".

ولدت مريم في طهران عام 1977، أنهت مرحلة التعليم الابتدائية حين كانت الحرب الإيرانية-العراقية تضع أوزارها، ولذلك رأت أنها ضمن جيل محظوظ، سينعم بالاستقرار والفرص. في طفولتها اعتقدت أنها ربما تصبح كاتبة، كانت تقرأ كل ما تعثر عليه من كتب وروايات وقصص؛ فازداد خيالها ثراءً، وغًرس داخلها طموح غير محدد لإنجاز شيء ما عظيم في حياتها. رافقها ذلك الخيال في ما بعد؛ فتقول عن شعورها وهي تقوم ببحث في الرياضيات إنها تشعر كما لو كانت تكتب رواية؛ "توجد شخصيات مختلفة، تتعرف إليها بشكل أفضل، وتتطور الأحداث، وحينما تتأمل ماضي شخصية من الشخصيات تجد أنها مختلفة تمامًا عما أصبحته وعن انطباعك الأولي".


الآخر وتأثيره
في الأسبوع الأول لها في مدرسة فرزانكان للفتيات التي تديرها المنظمة الوطنية الإيرانية لتنمية المواهب الاستثناية، انتابها شعور بالفزع مما أدى إلى ضعف في مستوى أدائها في صف الرياضيات. كان معلم الرياضيات لا يعتقد أنها موهوبة، ما قوض ثقتها بنفسها، فتقول مريم: "ما يراه الآخرون بك أمرًا مهمًا للغاية"، موضحة: "كنت قد فقدت شغفي بالرياضيات".

لكن في العام التالي حظيت مريم بمعلم رياضيات أكثر تشجيعًا لها، وتحسن أداؤها بشكل هائل. حصدت جوائز بسبب نبوغها في الرياضيات منها ميدالية ذهبية، معبرة عن حبها للرياضيات "لترى جمال الرياضيات يتحتم عليك بذل بعض الطاقة والجهد".


الخروج من طهران إلى جامعة هارفارد
الفوز بميداليات ذهبية في أولمبياد الرياضيات لا يُترجم دومًا إلى نجاح في مجال أبحاث هذا العلم؛ ففي هذه المسابقات، صاغ شخص ما بعناية مسألة لها حل ذكي، بينما في مجال البحث، قد لا يوجد حل للمسألة إطلاقًا. لكن بخلاف العديدين من الحاصلين على نتائج عالية في الأولمبياد، كان لمريم القدرة على خلق تصورها الخاص.

بعدما حصلت على بكالوريس في الرياضيات من جامعة شريف التكنولوجية في طهران في عام 1999، انتقلت إلى جامعة هارفارد وحصلت على الدكتوراه عام 2004، تحت إشراف كورتيس مكمولن. في البداية، لم تفهم الكثير مما يتحدث عنه، لكنها أُخذت بجمال الموضوع، الهندسة القطعية الزائدية. وشرعت في الذهاب لمكتب مكمولن وإمطاره بالأسئلة وتدوين ملاحظاتها بالفارسية. وفي عام 2008 عملت أستاذة رياضيات في جامعة ستانفورد.


التمهل
تحب مريم أن تصف نفسها بأنها متمهلة (بطيئة). انطبق نهجها الثابت والمتمهل على مناحي حياتها الأخرى. يوم ما بينما كانت طالبة دراسات عليا في جامعة هارفارد، ذهبت للركض مع جان فوندراك "زوجها المستقبلي"، يتذكر: "كانت صغيرة للغاية، وكنت في حالة جيدة، لذلك اعتقدت أنني سأبلي بلاءً حسنًا، وفي البداية، تقدمت عليها، لكنها لم تتباطأ مطلقًا. بعد نصف ساعة، أبطأت من ركضي، لكنها كان لا تزال تركض بالوتيرة نفسها".


أول امرأة تحصل على ميدالية فيلدز
في عام 2014 كانت مريم أول امرأة تحصل على ميدالية فيلدز (تعادل جائزة نوبل في الرياضيات)، ذلك لمساهماتها البارزة في فهم ديناميكا (دراسة الحركة ومسبباتها) وهندسة "أسطح ريمان ومعاملاتها".

في سنة 2013 أُصيبت مريم بسرطان الثدي، بعد مضي أربع سنوات، انتشر السرطان إلى النخاع العظمي، ورحلت في الخامس عشر من يوليو 2017.

المساهمون