مريم شديد.. فلكية مغربية عاشقة للنجوم والمجرات

19 فبراير 2016
مريم شديد أثناء تكريمها في لندن العام الماضي (فيسبوك)
+ الخط -
كان إحساسا بطعم خاص أن تعتلي مريم شديد، الباحثة الجموحة صهوة القطب المتجمد الجنوبي، وهي تحمل العلم المغربي، في درجة حرارة 80 درجة تحت الصفر. وكان أمرا مثيرا بالنسبة لوسائل الإعلام وللمحيط العلمي العربي، أن تستأسد هذه الفتاة الشابة واليانعة على تخصص رجالي، وتقضم الفرصة السانحة التي منحت لها من بين فك الكثير من طلبة علوم الفلك في نيس، قبل أن تصبح مهندسة في المعهد الوطني للبحث العلمي في باريس.
وربما يتذكر زملاؤها الذين درسوا معها في نيس أو في المعهد الوطني للبحث العلمي، الطاقات الخاصة التي تتحلى بها هذه الباحثة المغربية، التي جمعت بالإضافة إلى الجلد على البحث العلمي، جمال المرأة العربية وفتنتها الداخلية.
في حين يشير بعض حسادها إلى جمالها، ويعتبرونه قنطرتها الحقيقية التي أوصلتها إلى ما هي عليه، متناسين أن ضمان الوجود كباحث في المعهد الوطني للبحث العلمي لا يمكن أن يستند على معايير أخرى غير علمية، وأن الجمال فضيلة لا يمكن أن تعوض أبدا الاستحقاق العلمي وجدارة الباحث وقوة شكيمته.
سألها مرة عالم صيني يعمل بوكالة الفضاء الأميركية عن جوابها في حالة ما إذا اقترحت عليها "الناسا" السفر في مهمة علمية واستكشافية إلى "المريخ"، فردت عليه بأنها مستعدة لكل الاحتمالات وأنها ستقبل المهمة على الفور ومن دون تردد.

شخصية مرحة وابتسامة طفولية

أهم ما يميز مريم شديد، هو صفاء ذهنها، وقدرتها على الاحتفاظ بابتسامتها طازجة على محياها. ابتسامة فيها الكثير من التحدي ومن الحياء، ومن خفر المرأة الجميلة، والعالمة صاحبة النظرة البعيدة، أليست هي السيدة الجميلة، التي تتصف بـ "بعد نظر"، صديقة الكواكب والمجرات، والمرأة التي تتحدث عن النجوم مثلما تتحدث عن أصدقاء حقيقيين من لحم ودم، وتحتفل بهن، وتتحسس نبضهن، وتعرف من تلد "نجيمة" جديدة تنضاف إلى المواليد الجدد في هذا العالم الذي لا يتوقف عن الحركة والعطاء والولادة الخلاقة.
من ينظر إلى فوق بكل تواضع يعرف معنى أن توجد في السحاب، دون أن يأخذك الوهم بالعظمة ودون أن تضيع خطوتك، لذلك كانت عالمة الفلك مريم شديد، تزداد بساطة، كلما توغلت في هذا العالم الشاسع الملهم.

كانت أول فلكية مغربية وعربية تضع قدميها على القطب الجنوبي المتجمد، في إطار مهمة علمية واستكشافية. وهي تقول عن هذا الموقع العلمي الذي احتلته بأنها لم تصله لكونها مغربية الجنسية، ولكن "لأني جديرة بذلك على المستوى العلمي".
لم يكن المرور عبر سنوات التحصيل والمعرفة، والانتقال من المغرب إلى فرنسا لمتابعة الدراسة والحصول على أعلى الشهادات الجامعية والعلمية مفروشاً بالورود أمام هذه العالمة المغربية التي وُلدت بمدينة الدار البيضاء.
تحكي أن أساتذتها في مدينة الدار البيضاء كانوا يسألونها عن المهنة التي تحب أن تمارسها في المستقبل "زملائي كانوا يتمنون أن يصيروا أطباء أو رجال شرطة أو ممرضين أو معلمين، أما أنا فكنت أتمنى أن أصبح عالمة فلك"، مما كان يثير استغراب أساتذتها لهذا التطلع الغريب.
في سنة 1990 ستحصل مريم شديد على دبلوم الدراسات الجامعية العامة في الرياضيات من كلية العلوم في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، وبعد سنتين ستنال شهادة الإجازة في تخصص الفيزياء، قبل أن تقرر الانتقال إلى فرنسا لتتعقب حلمها وتتابع دراستها في جامعة نيس، حيث حصلت على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في علم الصورة في العلوم الكونية في عام 1993، وثلاث سنوات بعد ذلك ستحصل على شهادة الدكتوراه بمرتبة مشرّف جداً مع تهنئة من لجنة المناقشة.

المسار الحاسم

بدأ مسار مريم شديد الحاسم في فرنسا، كان عليها أن تبذل جهدا كبيرا لكي تضمن لها الاستمرارية في مركز للبحث الفلكي معزول عن العالم، خصوصا أنها تنحدر من أسرة مغربية متوسطة الحال لا تتوفر لها الإمكانات الكافية لتمكن الابنة من ظروف جيدة لمتابعة الدراسة، زيادة على أن المسار العلمي الذي اختارته، لم يكن معروفا جدا بين بنات جنسها في المغرب.
حضرت مريم شديد أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه بأكبر مرصد فلكي في فرنسا، وهو مرصد يضم أضخم المناظير، ليتم لاحقاً اختيارها ضمن أحسن علماء الفلك من أجل القيام ببعض المهمات العلمية الخاصة.
وكان عليها أن تثبت ذاتها في مرصد لم يكن متاحاً لباحثين وعلماء من خارج أوروبا وأميركا، لكن تم اختيارها ليتقرر مصير آخر في حياتها العلمية.
من اللحظات الأساسية في مسيرتها العلمية ، مكوثها أربع سنوات في صحراء أتاكاما بالتشيلي، تحكي عن تلك التجربة: "عشنا قساوة الظروف المناخية : جفاف منقطع النظير، ولا وجود للنبات والحيوانات والأمطار، لكن كان هناك أكبر تلسكوب في العالم".
في سنة 2002، وهو تاريخ عودتها إلى فرنسا، ستصبح حياتها أكثر استقرارا مع وظيفة قارة كعالمة فلك في المرصد الفلكي للكوت دازور.

أم لقمرين: قيس وليلى

اشتغلت مريم شديد أستاذة بكلية العلوم بنيس، وتعرفت هناك على زوجها جون فيرنيي، عالم
الفلك الذي واصلت معه رحلة الحياة والعلم، ليرزقا بنجمين أرضيين هما: قيس وليلى. بعد ذلك، ستُوجه الدعوة لمريم شديد من طرف معهد بولير للذهاب في مهمة علمية تهدف إلى وضع تلسكوب فضائي لقياس إشعاع النجوم في القطب المتجمد الجنوبي ، في عزلة تامة عن العالم، مع 8400 متر من الارتفاع عن سطح الأرض، ونقص في الأكسجين، ودرجات حرارة تقل عن 80 درجة تحت الصفر، ليل يدوم ستة أشهر دون انقطاع.
تعتبر أن "رفع العلم المغربي كان عنواناً على القدرات التي تختزنها المرأة المغربية وإصرارها على تغيير وضعيتها نحو الأفضل. كان ذلك خطوة نحو المستقبل، لكن من دون التفريط في الهوية ومقوماتها".
حيث بدا العلم المغربي مغروسا في البياض المتناهي للقطب الجنوبي المتجمد من طرف عالمة فلك مغربية، وعربية الدماء.
وفي صقيع القطب الجنوبي المتجمد، لم تتخل مريم شديد عن مفردات المائدة المغربية، حيث ستهيئ لرفاقها في المرصد الفلكي، طبقا من الكسكس المغربي بلحم الكونغورو، في لحظة احتفالية بالهوية المغربية وامتدادها العربي.
إقرأ أيضا: الممثلة المغربية ثريا العلوي.. سيدة "النساء المرحات"
دلالات
المساهمون