مركز هرتسليا.. دور حيوي في إسرائيل
يعد مركز هرتسليا الإسرائيلي، المتعدد الأنشطة والأشغال، البحثية والأكاديمية والاستراتيجية، صاحب دور مركزي وخاص في الدولة العبرية، من حيث الأخذ غالبا بتوصيات مؤتمراته، واعتباره منبراً لترويج سياسات وخطط حكومية، فضلا عن أنه يزود صناع القرار في المستويات السياسية والأمنية بنتائج بحوث واستطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، في شؤون وقضايا وموضوعات حيوية.
وقال البروفيسور أورييل ريخمان في مركز "النظم البيني" (IDC) (مركز هرتسليا) في كلمة ألقاها في مؤتمر هرتسليا الثاني: "شهد صيف عام 1949 افتتاح مهد أكاديمي فريد في إسرائيل. ففي مخيم عسكري أخلاه الجيش، في هرتسليا، اجتمع أساتذة، وأسسوا أول جامعة خاصة، لا تسعى إلى تحقيق الربح المادي في إسرائيل. وكان هؤلاء قد تركوا مناصب ثابتة في الجامعات الإسرائيلية والأميركية الرائدة، للانصراف على عمل فيه الكثير من التحدي، بغية تغيير جدول الأعمال الأكاديمي للبلد". وبيّن ريخمان أنه تم تحقيق أهداف عديدة للمركز، بنجاح، وقال "ولعله من المراكز النادرة عالمياً التي اضطلعت بمهمة حفظ النظام الداخلي، بكل ما للكلمة من معنى. فقد نجحنا في تجنيد مجموعة فريدة من الطلاب اليهود والعرب، الذين أصبحوا ملتزمين برؤانا إلى حد بعيد. ونحن، الآن، مستعدون لأن نحول مركز (IDC) إلى معهد دولي ثنائي اللغة، في خدمة الطلاب من إسرائيل، والمنطقة، والعالم ككل. وحدد ريخمان نقاط الاهتمام لدى (IDC)على النحو التالي:
-توجُّه نحو نظم الأمور على المستوى الداخلي: التزم المركز بتنظيم أمور الثقافة والتعليم، وإعداد الخريجين لعالم غدت فيه مجالات العلوم والقانون والتكنولوجيا مترابطة بقوة فيما بينها.
-نطاق عالمي: في مركزنا طاقم متميز من الأساتذة الذين نالوا شهادات الدكتوراه، أو عملوا مدرسين في جامعات رائدة، كجامعات كورنيل، وهارفارد، و(M I T)، وسانفورد، ويال، وشيكاغو وبنسلفانيا، وأكسفورد، وكامبردج.
-منظور إقليمي: الشرق الأوسط الآمن والمسالم، يتطلب أكثر من مجرد اتفاقات موقعة، يتطلب تجارة ومصالح اقتصادية عامة، وقيماً مشتركة، واحتراماً متبادلاً، وتعاملاً بين الناس. ونشير هنا إلى أن كل برامجنا العالمية مصممة لاجتذاب الطلاب، ليس من أوروبا والأميركيتين فحسب، بل من البلدان الإقليمية المجاورة أيضاً.
-التكنولوجيا المعلوماتية: يُطلب من كل طالب في (IDC) أن يخضع لدورتين في علوم الحاسوب والمنظومات المعلوماتية، على الأقل. وبالإضافة إلى ذلك، يوفر المركز دورات تجديدية في التجارة الإلكترونية والمقاولة العالية المستوى التكنولوجي، والإعلام الرقمي، والتسويق ذي الفعالية المتبادلة. ويمكن القول إن خريجي المركز، بصرف النظر عن مجالات دراساتهم، مدرّبون على قيادة الثورة المعلوماتية في مجال اختصاصاتهم الرئيسية.
-طاقم التدريس: من منطلق الإيمان بأن الأساتذة الجيدين "يصنعون" باحثين جيدين، والعكس صحيح، فإن أعضاء الهيئة التدريسية في المركز لا يمضون إلا ساعات قليلة في الأسبوع في غرف الصفوف. ولهم مطلق الحرية في استثمار الوقت المتبقي لديهم في إيجاد مواد تعليمية/ تدريبية جديدة، والعمل على صوغ برامج أبحاث يختارونها، وبناء الروابط الصناعية، وفعل أي شيء يرونه مناسباً للمساهمة في تحسين مستوى الاحتراف الأكاديمي، وتجديد نوعية المهام التي يؤديها (IDC) الذي يفخر بأنه استطاع، في خمسة أعوام، أن يجنّد هيئة تدريس متميزة من أفضل جامعات العالم.
تكريس اليمين الصهيوني
يبيّن ما سبق أن مركز هرتسليا يعمل على تكريس الفكر الصهيوني، بنسخته اليمينية المتطرفة في أذهان الطلاب الذين يجتذبهم المعهد، كما يوضح الأهداف الحقيقية له، والمتمثلة بتربية أكاديميين متخصصين يتبنون الطروحات الإسرائيلية/ الصهيونية؛ باعتبار أن هؤلاء الخريجين مرشحون لتبوُّؤ مناصب رفيعة في أكثر مجالات الحياة تأثيراً ونفوذاً، ما يمكّنهم من نشر وتعميم المفاهيم التي تلقوها، وبالتالي، أخذ دورهم في عملية اتخاذ القرار.
اجتذب طلاباً فلسطينيين في المرحلة الثانوية ومن الجامعات الإسرائيلية. حيث ذكر موقع "صورة" أن طلاب مدرسة طوماشين العربية زاروا مركز العلوم في هرتسليا، حيث يجري الطلاب التجربة لمتابعتهم عن كثب. وأعرب أحد الطلاب المشاركين في المشروع، ويدعى يوسف مطر من الصف العاشر، عن شعوره بالفخر والسرور، لكونهم الرواد في هذا المجال في الوسط العربي، لا سيما وأن "طوماشين" أول مدرسة عربية تشارك في هذا المشروع.
يقع مركز (IDC) في هرتسليا، التي تبعد نحو ستة أميال شمالاً عن تل أبيب. وتضم بعض أجمل المسابح والفنادق في البلد، كما تضم أبرز مجمع صناعي إسرائيلي، على بعد ميل من حرم المركز، وفي هذا المجمع، تعمل شركات عالمية عديدة. وقد استقطب مركز هرتسليا المتعدد المجالات النخب الإسرائيلية والنخب الموالية والداعمة لإسرائيل، وخصوصاً يهود الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. ودأب معهد السياسة والاستراتيجية فيه على تنظيم مؤتمر في كل عام، وهو مؤتمر استراتيجي- أكاديمي، بالتعاون مع مراكز بحث ودراسات إسرائيلية ودولية، والجامعات الإسرائيلية. وكان المؤتمر نهاية عام 2000، وعنوانه "ميزان المناعة والأمن القومي"، وغدا هذا العنوان شعاراً دائماً لكل مؤتمرات هرتسليا تالياً. وتولى رئاسة المؤتمر، مستشار بنيامين نتنياهو السياسي، عوزي أراد، وهذا مؤشر مهم يفصح عن التوجه السياسي للمركز ومؤتمراته. وفي مؤتمر هرتسليا الثالث، جرى توضيح الأساس الذي يقوم عليه المؤتمر، وهو أن المؤتمرات السنوية (المكرّسة لتقويم قوة إسرائيل الوطنية) تعمل على ردم هوةٍ يشعر الجميع بوجودها، ويكاد وجودها ينطق بكل وضوح، "فنحن نفتقر بشدة، ونحتاج احتياجاً قوياً إلى الندوات الرفيعة المستوى التي تجمع الشخصيات القيادية المعنية، على اختلاف مشاربها من أجل بحث المواضيع الحساسة المتعلقة بالأمن على وجه العموم". وأوضح المؤتمر الثالث أن المشاركة في المؤتمر محددة بدقة، والدعوة إليه خاصة، والمدعوون إليه نخبة من العاملين في الحكومة والوسط السياسي، وفي الحقول الاقتصادية والإعلامية والأكاديمية والأمنية والعسكرية. ما يوضح مدى الاهتمام الإسرائيلي بحقول الاقتصاد والإعلام والعلم، والتي تحدد شكل الدول وأنظمتها السياسية، وتمسك بعصب الحياة فيها.
تابع المؤتمر الثالث إضاءة بعض جوانبه، فتحدث عن التقديمات والمحاضرات، موضحاً أن شخصيات بارزة من أعلى المستويات القيادية في الحكومة والجيش والبرلمان والأحزاب المعارضة، تشارك في مؤتمرات هرتسليا. ومن أبرز المحاضرين في المؤتمر، رئيس الوزراء، رئيس الدولة، وزير الخارجية، وعديدون ممن اعتبرهم مركز هرتسليا "قادة وطنيين"، ورؤساء المنظمات اليهودية الكبرى، حيث يتوقع القائمون على المؤتمر أن يستغل هؤلاء المناسبة لإطلاق تصريحات بالغة الأهمية. وقد تحقق هذا المسعى للمركز، حيث وجدت تحذيرات سوفير بشأن الخطر الديمغرافي التي أطلقها من منبر مؤتمرات هرتسليا، ودعوة إلى الفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، صدىً مقبولاً لدى القادة الإسرائيليين، فقد أعلن إرييل شارون عزمه الانسحاب من غزة من جانب واحد من منبر مؤتمر هرتسليا، وأسس حزبه "كاديما" على أساس فكرة الفصل، وتم الإعلان عن بناء جدار الفصل العنصري من هذا المنبر.
فرق وتقارير وأبحاث
وتذكر أوراق المؤتمر الثالث أنه على الرغم من أن المؤتمرات تبدو تتويجاً لعملية الحضور النوعي للمشاركين، إلا أن المشروع يمثل، في واقع الأمر، خلاصة أبحاث وإصدارات وأعمال تحضيرية على مدار السنة، يُسخّر لها مختصون وأكاديميون من أهم الجامعات الأميركية والأوروبية. وستكون فرق العمل المكلفة بأداء نشاطات خاصة، برئاسة كبار الساسة والعسكريين وضباط الأمن ورجال الأعمال والقادة المجتمعيين الإسرائيليين. وقد تم في المؤتمر الثاني تشكيل فرق العمل التي أنجزت تقارير ودراسات متعمقة بالغة الأهمية، وهي:
فريق شؤون السياسة الخارجية، برئاسة عضو الكنيست البروفيسور شلومو بن عامي. فريق موضوع الردع، برئاسة الفريق (الاحتياطي) أمنون شاحاك. فريق الشؤون الاقتصادية، برئاسة الدكتورة أورنا بري. فريق آخر للشؤون الاقتصادية، برئاسة ناحمان شاي. فريق شؤون "الشعب اليهودي"، برئاسة البروفيسور آرت نابارستيك. فريق العمل الشؤون القومية/ التعليمية، برئاسة زافي زاميريت.
وأهم الموضوعات والقضايا التي تم طرحها ودراستها في مؤتمرات هرتسليا:
- علاقة الجماعات اليهودية المنتشرة في العالم، يهود الشتات، حسب تعبير مؤتمر هرتسليا والمتحدثين فيه حول هذا الموضوع، بإسرائيل، باعتبارهم ذخراً استراتيجياً لها. فقد ورد في تقرير العمل الخاص الذي يتعاطى مع المواضيع الديمغرافية التي من شأنها تغيير طبيعة "الشعب اليهودي .. الذخر الاستراتيجي لإسرائيل"، حسب تعبير البروفيسور آرت سبيرنزاك، العميد المؤسس لمعهد لودر للدبلوماسية والاستراتيجيا والحكم، في "مركز النظم البيني، في هرتسليا، وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية، وقد اعتبر أن إسرائيل "هي المركز بالنسبة إلى الحياة اليهودية في الشتات".
-توسيع الاستيطان، حيث اقترح رئيس الوزراء ووزير الحرب الأسبق، إيهود باراك، في مؤتمر هرتسليا الثاني إنشاء سبع كتل من المستوطنات على أكثر بقليل من 10% من الأرض (الفلسطينية المحتلة منذ 1967)، لتضم 80% من مجمل عدد المستوطنين/ مع السيطرة على نحو 15% إضافية من مساحة الأرض لأغراض أمنية، والانسحاب من بقية الأراضي؛ ورأى "هذه الخطوة ضرورية لحماية الأغلبية اليهودية في إسرائيل".
-يهودية الدولة؛ في محاضرته التي ألقاها في مؤتمر هرتسليا الثاني، نصح اللواء احتياط مئير عميّت الإسرائيليين بالتركيز على ضمان بقاء إسرائيل دولة يهودية.
وأبرز ما حققه مركز هرتسليا في هذا المجال ابتداع "مؤشر لقياس الوطنية"، وهي اليهودية الصهيونية الموالية لتوجهات اليمين بالمفهوم الإسرائيلي/ الصهيوني الذي يستند إليه مركز هرتسليا الذي يقوم بهذا القياس سنوياً، ويفرد له مساحة من النقاش. وفي مناقشات جرت في المؤتمر الثامن، رأى عضو الكنيست، جلعاد إردان، أن هناك عدة مشكلات كشف عنها المسح الخاص بالغيرة الوطنية في إسرائيل. فاليوم يذهب 5% فقط إلى تأدية واجب الخدمة الاحتياطية في الجيش؛ ويفضل 60 % من الإسرائيليين الحصول على جنسية أخرى غير جنسيتهم. الأمر الذي يعبّر، حسب إردان، عن تدهور في الوطنية ولمواجهة هذا الوضع. وبالتالي، "تقوية الحس الوطني"، يقترح إردان تعزيز مفهوم اليهودية كثقافة، لا كديانة فحسب، وتشجيع التكلم بـ "اللغة العبرية"، باعتبارها روح "إسرائيل" والتشجيع على الخدمة العسكرية.
-الانفصال عن الفلسطينيين، وكان إيهود باراك أول من طرح هذا الموضوع رسمياً في مؤتمر هرتسليا الثاني، محذّراً من أن "إسرائيل سائرة على طريق البوسنة، أو جنوب أفريقيا إذا لم يتم تبني مشروع الفصل".
وفي المؤتمر الرابع، أعلن شارون تبنيه "خطة الانفصال"، معتبراً أنه، بوصفه رئيساً للحكومة، مسؤول عن تخطيط خطوات تصوغ صورة إسرائيل وتنفيذها، في السنوات المقبلة، والتي صاغها على أنها" يهودية وديمقراطية. .. دولة تستوعب الهجرات، وتشكل مركزاً روحياً وقومياً لجميع يهود العالم. ومركز جذب لعشرات آلاف المهاجرين كل عام".
-رفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. وبهذا الصدد، أوضح شيمون بيريز ". . . وفيما يتعلق باللاجئين، علينا أن نخبر الفلسطينيين أننا لا نستطيع أن نساوم في هذا الشأن. فالعامل الذي يحدد طبيعة البلد هو عامل الأكثرية السكانية التي تعيش فيه، لكن لصالحنا نحن، ومن أجل المحافظة على الغلبة اليهودية، يجب أن تقوم دولة فلسطينية". ورأى اللواء الاحتياطي، إفي إيتام، إنه على المدى الطويل "لن يكون هناك من خيار سوى تحويل الموضوع الفلسطيني إلى قضية إقليمية ...، ومن الممكن أن يعيش الفلسطينيون في ظل السيادة الإسرائيلية. لكن، لا يمكن أن تكون هناك سيادة أخرى غربي نهر الأردن... ومن الممكن أن يتم توطين الفلسطينيين في سيناء والأردن".
-تنفيذ الفصل، أكد البروفيسور أرنون سوفير على أهمية فكرة الفصل، فقال: "تواجه إسرائيل تحدياً ديمغرافياً خطيراً، وفي العام 2020، سوف تضم إسرائيل مليون يهودي أرثوذوكسي ومليوني عربي. وهذا يشل الكنيست، ويدفع الذين يشكّلون الأكثرية في إسرائيل اليوم إلى الهجرة من البلد. وإذا لم يتم الفصل أحادي الجانب، سوف يكون هناك ستة ملايين عربي في المنطقة (5.5 منهم تحت خط الفقر)".
-تبادل الأراضي، وقد أفرد له مركز هرتسليا حيزاً مهماً في مؤتمره السادس، ويقوم التبادل على إلحاق المناطق ذات "الكثافة السكانية العربية" في المناطق الفلسطينية المغتصبة عام 1948 بأراضي الدولة الفلسطينية العتيدة المزمع قيامها، في مقابل ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية.
دعم وإسناد واسع
ويحظى مركز هرتسليا بدعم أهم المؤسسات الصهيونية واليهودية داخل إسرائيل وخارجها، حيث تدعمه وزارة الدفاع؛ وزارة الخارجية؛ الوكالة اليهودية من أجل "إسرائيل"؛ المنظمة الصهيونية العالمية؛ اللجنة اليهودية الأميركية؛ جامعة بار إيلان؛ جامعة حيفا- مركز دراسات الأمن القومي؛ مجلس الأمن القومي ومكتب رئيس الوزراء. وقد تعاونت مع مؤتمراته إذاعة الجيش الإسرائيلي؛ صحيفة يديعوت أحرونوت؛ مركز الدراسات الخاصة ومدينة هرتسليا. وقد حاز المركز ومؤتمراته على دعم عدة شخصيات سياسية وأكاديمية، وفي مقدمتها السفير رونالد س. لودر، وهو رئيس سابق لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى، ورجل أعمال عالمي (صاحب شركة لودر الشهيرة التي كانت في مقدمة الشركات التي طالبت لجان مقاطعة البضائع والمصالح الأميركية الداعمة للكيان الصهيوني بمقاطعتها)، وكان قد عمل سفيراً للولايات المتحدة في أستراليا، ومساعداً ونائباً لوزير الدفاع في شؤون أوروبا وحلف شمال الأطلسي، وقد توّج دعمه بتأسيس "مؤسسة لودر" لإعادة إحياء "الثقافة اليهودية"، بهدف ربط يهود العالم، وفي مقدمتهم يهود الولايات المتحدة، بالكيان الصهيوني.
وتتأكد أهمية مؤتمرات هرتسليا في أن توصياتها يُعمل على تنفيذها، وأن السياسيين من على منصاتها يعلنون عن مخططاتهم وسياساتهم، وخصوصا رؤساء الحكومات، وهو بذلك يحاكي "مستودعات الأفكار" في الولايات المتحدة، وهي منظمات بحثية خاصة، تهدف، حصرياً، إلى إنتاج أفكار لخدمة المصالح السياسية.
-توجُّه نحو نظم الأمور على المستوى الداخلي: التزم المركز بتنظيم أمور الثقافة والتعليم، وإعداد الخريجين لعالم غدت فيه مجالات العلوم والقانون والتكنولوجيا مترابطة بقوة فيما بينها.
-نطاق عالمي: في مركزنا طاقم متميز من الأساتذة الذين نالوا شهادات الدكتوراه، أو عملوا مدرسين في جامعات رائدة، كجامعات كورنيل، وهارفارد، و(M I T)، وسانفورد، ويال، وشيكاغو وبنسلفانيا، وأكسفورد، وكامبردج.
-منظور إقليمي: الشرق الأوسط الآمن والمسالم، يتطلب أكثر من مجرد اتفاقات موقعة، يتطلب تجارة ومصالح اقتصادية عامة، وقيماً مشتركة، واحتراماً متبادلاً، وتعاملاً بين الناس. ونشير هنا إلى أن كل برامجنا العالمية مصممة لاجتذاب الطلاب، ليس من أوروبا والأميركيتين فحسب، بل من البلدان الإقليمية المجاورة أيضاً.
-التكنولوجيا المعلوماتية: يُطلب من كل طالب في (IDC) أن يخضع لدورتين في علوم الحاسوب والمنظومات المعلوماتية، على الأقل. وبالإضافة إلى ذلك، يوفر المركز دورات تجديدية في التجارة الإلكترونية والمقاولة العالية المستوى التكنولوجي، والإعلام الرقمي، والتسويق ذي الفعالية المتبادلة. ويمكن القول إن خريجي المركز، بصرف النظر عن مجالات دراساتهم، مدرّبون على قيادة الثورة المعلوماتية في مجال اختصاصاتهم الرئيسية.
-طاقم التدريس: من منطلق الإيمان بأن الأساتذة الجيدين "يصنعون" باحثين جيدين، والعكس صحيح، فإن أعضاء الهيئة التدريسية في المركز لا يمضون إلا ساعات قليلة في الأسبوع في غرف الصفوف. ولهم مطلق الحرية في استثمار الوقت المتبقي لديهم في إيجاد مواد تعليمية/ تدريبية جديدة، والعمل على صوغ برامج أبحاث يختارونها، وبناء الروابط الصناعية، وفعل أي شيء يرونه مناسباً للمساهمة في تحسين مستوى الاحتراف الأكاديمي، وتجديد نوعية المهام التي يؤديها (IDC) الذي يفخر بأنه استطاع، في خمسة أعوام، أن يجنّد هيئة تدريس متميزة من أفضل جامعات العالم.
تكريس اليمين الصهيوني
يبيّن ما سبق أن مركز هرتسليا يعمل على تكريس الفكر الصهيوني، بنسخته اليمينية المتطرفة في أذهان الطلاب الذين يجتذبهم المعهد، كما يوضح الأهداف الحقيقية له، والمتمثلة بتربية أكاديميين متخصصين يتبنون الطروحات الإسرائيلية/ الصهيونية؛ باعتبار أن هؤلاء الخريجين مرشحون لتبوُّؤ مناصب رفيعة في أكثر مجالات الحياة تأثيراً ونفوذاً، ما يمكّنهم من نشر وتعميم المفاهيم التي تلقوها، وبالتالي، أخذ دورهم في عملية اتخاذ القرار.
اجتذب طلاباً فلسطينيين في المرحلة الثانوية ومن الجامعات الإسرائيلية. حيث ذكر موقع "صورة" أن طلاب مدرسة طوماشين العربية زاروا مركز العلوم في هرتسليا، حيث يجري الطلاب التجربة لمتابعتهم عن كثب. وأعرب أحد الطلاب المشاركين في المشروع، ويدعى يوسف مطر من الصف العاشر، عن شعوره بالفخر والسرور، لكونهم الرواد في هذا المجال في الوسط العربي، لا سيما وأن "طوماشين" أول مدرسة عربية تشارك في هذا المشروع.
يقع مركز (IDC) في هرتسليا، التي تبعد نحو ستة أميال شمالاً عن تل أبيب. وتضم بعض أجمل المسابح والفنادق في البلد، كما تضم أبرز مجمع صناعي إسرائيلي، على بعد ميل من حرم المركز، وفي هذا المجمع، تعمل شركات عالمية عديدة. وقد استقطب مركز هرتسليا المتعدد المجالات النخب الإسرائيلية والنخب الموالية والداعمة لإسرائيل، وخصوصاً يهود الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. ودأب معهد السياسة والاستراتيجية فيه على تنظيم مؤتمر في كل عام، وهو مؤتمر استراتيجي- أكاديمي، بالتعاون مع مراكز بحث ودراسات إسرائيلية ودولية، والجامعات الإسرائيلية. وكان المؤتمر نهاية عام 2000، وعنوانه "ميزان المناعة والأمن القومي"، وغدا هذا العنوان شعاراً دائماً لكل مؤتمرات هرتسليا تالياً. وتولى رئاسة المؤتمر، مستشار بنيامين نتنياهو السياسي، عوزي أراد، وهذا مؤشر مهم يفصح عن التوجه السياسي للمركز ومؤتمراته. وفي مؤتمر هرتسليا الثالث، جرى توضيح الأساس الذي يقوم عليه المؤتمر، وهو أن المؤتمرات السنوية (المكرّسة لتقويم قوة إسرائيل الوطنية) تعمل على ردم هوةٍ يشعر الجميع بوجودها، ويكاد وجودها ينطق بكل وضوح، "فنحن نفتقر بشدة، ونحتاج احتياجاً قوياً إلى الندوات الرفيعة المستوى التي تجمع الشخصيات القيادية المعنية، على اختلاف مشاربها من أجل بحث المواضيع الحساسة المتعلقة بالأمن على وجه العموم". وأوضح المؤتمر الثالث أن المشاركة في المؤتمر محددة بدقة، والدعوة إليه خاصة، والمدعوون إليه نخبة من العاملين في الحكومة والوسط السياسي، وفي الحقول الاقتصادية والإعلامية والأكاديمية والأمنية والعسكرية. ما يوضح مدى الاهتمام الإسرائيلي بحقول الاقتصاد والإعلام والعلم، والتي تحدد شكل الدول وأنظمتها السياسية، وتمسك بعصب الحياة فيها.
تابع المؤتمر الثالث إضاءة بعض جوانبه، فتحدث عن التقديمات والمحاضرات، موضحاً أن شخصيات بارزة من أعلى المستويات القيادية في الحكومة والجيش والبرلمان والأحزاب المعارضة، تشارك في مؤتمرات هرتسليا. ومن أبرز المحاضرين في المؤتمر، رئيس الوزراء، رئيس الدولة، وزير الخارجية، وعديدون ممن اعتبرهم مركز هرتسليا "قادة وطنيين"، ورؤساء المنظمات اليهودية الكبرى، حيث يتوقع القائمون على المؤتمر أن يستغل هؤلاء المناسبة لإطلاق تصريحات بالغة الأهمية. وقد تحقق هذا المسعى للمركز، حيث وجدت تحذيرات سوفير بشأن الخطر الديمغرافي التي أطلقها من منبر مؤتمرات هرتسليا، ودعوة إلى الفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، صدىً مقبولاً لدى القادة الإسرائيليين، فقد أعلن إرييل شارون عزمه الانسحاب من غزة من جانب واحد من منبر مؤتمر هرتسليا، وأسس حزبه "كاديما" على أساس فكرة الفصل، وتم الإعلان عن بناء جدار الفصل العنصري من هذا المنبر.
فرق وتقارير وأبحاث
وتذكر أوراق المؤتمر الثالث أنه على الرغم من أن المؤتمرات تبدو تتويجاً لعملية الحضور النوعي للمشاركين، إلا أن المشروع يمثل، في واقع الأمر، خلاصة أبحاث وإصدارات وأعمال تحضيرية على مدار السنة، يُسخّر لها مختصون وأكاديميون من أهم الجامعات الأميركية والأوروبية. وستكون فرق العمل المكلفة بأداء نشاطات خاصة، برئاسة كبار الساسة والعسكريين وضباط الأمن ورجال الأعمال والقادة المجتمعيين الإسرائيليين. وقد تم في المؤتمر الثاني تشكيل فرق العمل التي أنجزت تقارير ودراسات متعمقة بالغة الأهمية، وهي:
فريق شؤون السياسة الخارجية، برئاسة عضو الكنيست البروفيسور شلومو بن عامي. فريق موضوع الردع، برئاسة الفريق (الاحتياطي) أمنون شاحاك. فريق الشؤون الاقتصادية، برئاسة الدكتورة أورنا بري. فريق آخر للشؤون الاقتصادية، برئاسة ناحمان شاي. فريق شؤون "الشعب اليهودي"، برئاسة البروفيسور آرت نابارستيك. فريق العمل الشؤون القومية/ التعليمية، برئاسة زافي زاميريت.
ويجري، في كل مؤتمر سنوي، استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، يستقصي مواقف الجمهور اليهودي حيال المواضيع المتعلقة بقدرات ومعنويات وأهداف المسعى "الأمني القومي". وفي مؤتمر هرتزليا الثالث، وفي الجلسة الافتتاحية، أعلن مدير معهد السياسة والاستراتيجيا رئيس المؤتمر، عوزي آراد، أن الهدف الأساس من عقد سلسلة مؤتمرات هرتزليا هو قياس "مدى توازن وضعنا الأمني القومي من منظورية شاملة. وعلى امتداد هذا المحور الزمني (منذ انطلاق المشروع الصهيوني)، نستطيع أن نرى أيضاً متى بدأ هذا الصراع على الأرض، ونلاحظ كيف أن المحاولات الكثيرة لتسوية النزاع كانت مجرد مقترحات "تقسيم جغرافي" فاشلة، قائمة على التوزيع الديمغرافي".
موضوعات وقضاياوأهم الموضوعات والقضايا التي تم طرحها ودراستها في مؤتمرات هرتسليا:
- علاقة الجماعات اليهودية المنتشرة في العالم، يهود الشتات، حسب تعبير مؤتمر هرتسليا والمتحدثين فيه حول هذا الموضوع، بإسرائيل، باعتبارهم ذخراً استراتيجياً لها. فقد ورد في تقرير العمل الخاص الذي يتعاطى مع المواضيع الديمغرافية التي من شأنها تغيير طبيعة "الشعب اليهودي .. الذخر الاستراتيجي لإسرائيل"، حسب تعبير البروفيسور آرت سبيرنزاك، العميد المؤسس لمعهد لودر للدبلوماسية والاستراتيجيا والحكم، في "مركز النظم البيني، في هرتسليا، وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية، وقد اعتبر أن إسرائيل "هي المركز بالنسبة إلى الحياة اليهودية في الشتات".
-توسيع الاستيطان، حيث اقترح رئيس الوزراء ووزير الحرب الأسبق، إيهود باراك، في مؤتمر هرتسليا الثاني إنشاء سبع كتل من المستوطنات على أكثر بقليل من 10% من الأرض (الفلسطينية المحتلة منذ 1967)، لتضم 80% من مجمل عدد المستوطنين/ مع السيطرة على نحو 15% إضافية من مساحة الأرض لأغراض أمنية، والانسحاب من بقية الأراضي؛ ورأى "هذه الخطوة ضرورية لحماية الأغلبية اليهودية في إسرائيل".
-يهودية الدولة؛ في محاضرته التي ألقاها في مؤتمر هرتسليا الثاني، نصح اللواء احتياط مئير عميّت الإسرائيليين بالتركيز على ضمان بقاء إسرائيل دولة يهودية.
وأبرز ما حققه مركز هرتسليا في هذا المجال ابتداع "مؤشر لقياس الوطنية"، وهي اليهودية الصهيونية الموالية لتوجهات اليمين بالمفهوم الإسرائيلي/ الصهيوني الذي يستند إليه مركز هرتسليا الذي يقوم بهذا القياس سنوياً، ويفرد له مساحة من النقاش. وفي مناقشات جرت في المؤتمر الثامن، رأى عضو الكنيست، جلعاد إردان، أن هناك عدة مشكلات كشف عنها المسح الخاص بالغيرة الوطنية في إسرائيل. فاليوم يذهب 5% فقط إلى تأدية واجب الخدمة الاحتياطية في الجيش؛ ويفضل 60 % من الإسرائيليين الحصول على جنسية أخرى غير جنسيتهم. الأمر الذي يعبّر، حسب إردان، عن تدهور في الوطنية ولمواجهة هذا الوضع. وبالتالي، "تقوية الحس الوطني"، يقترح إردان تعزيز مفهوم اليهودية كثقافة، لا كديانة فحسب، وتشجيع التكلم بـ "اللغة العبرية"، باعتبارها روح "إسرائيل" والتشجيع على الخدمة العسكرية.
-الانفصال عن الفلسطينيين، وكان إيهود باراك أول من طرح هذا الموضوع رسمياً في مؤتمر هرتسليا الثاني، محذّراً من أن "إسرائيل سائرة على طريق البوسنة، أو جنوب أفريقيا إذا لم يتم تبني مشروع الفصل".
وفي المؤتمر الرابع، أعلن شارون تبنيه "خطة الانفصال"، معتبراً أنه، بوصفه رئيساً للحكومة، مسؤول عن تخطيط خطوات تصوغ صورة إسرائيل وتنفيذها، في السنوات المقبلة، والتي صاغها على أنها" يهودية وديمقراطية. .. دولة تستوعب الهجرات، وتشكل مركزاً روحياً وقومياً لجميع يهود العالم. ومركز جذب لعشرات آلاف المهاجرين كل عام".
-رفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. وبهذا الصدد، أوضح شيمون بيريز ". . . وفيما يتعلق باللاجئين، علينا أن نخبر الفلسطينيين أننا لا نستطيع أن نساوم في هذا الشأن. فالعامل الذي يحدد طبيعة البلد هو عامل الأكثرية السكانية التي تعيش فيه، لكن لصالحنا نحن، ومن أجل المحافظة على الغلبة اليهودية، يجب أن تقوم دولة فلسطينية". ورأى اللواء الاحتياطي، إفي إيتام، إنه على المدى الطويل "لن يكون هناك من خيار سوى تحويل الموضوع الفلسطيني إلى قضية إقليمية ...، ومن الممكن أن يعيش الفلسطينيون في ظل السيادة الإسرائيلية. لكن، لا يمكن أن تكون هناك سيادة أخرى غربي نهر الأردن... ومن الممكن أن يتم توطين الفلسطينيين في سيناء والأردن".
-تنفيذ الفصل، أكد البروفيسور أرنون سوفير على أهمية فكرة الفصل، فقال: "تواجه إسرائيل تحدياً ديمغرافياً خطيراً، وفي العام 2020، سوف تضم إسرائيل مليون يهودي أرثوذوكسي ومليوني عربي. وهذا يشل الكنيست، ويدفع الذين يشكّلون الأكثرية في إسرائيل اليوم إلى الهجرة من البلد. وإذا لم يتم الفصل أحادي الجانب، سوف يكون هناك ستة ملايين عربي في المنطقة (5.5 منهم تحت خط الفقر)".
-تبادل الأراضي، وقد أفرد له مركز هرتسليا حيزاً مهماً في مؤتمره السادس، ويقوم التبادل على إلحاق المناطق ذات "الكثافة السكانية العربية" في المناطق الفلسطينية المغتصبة عام 1948 بأراضي الدولة الفلسطينية العتيدة المزمع قيامها، في مقابل ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية.
دعم وإسناد واسع
ويحظى مركز هرتسليا بدعم أهم المؤسسات الصهيونية واليهودية داخل إسرائيل وخارجها، حيث تدعمه وزارة الدفاع؛ وزارة الخارجية؛ الوكالة اليهودية من أجل "إسرائيل"؛ المنظمة الصهيونية العالمية؛ اللجنة اليهودية الأميركية؛ جامعة بار إيلان؛ جامعة حيفا- مركز دراسات الأمن القومي؛ مجلس الأمن القومي ومكتب رئيس الوزراء. وقد تعاونت مع مؤتمراته إذاعة الجيش الإسرائيلي؛ صحيفة يديعوت أحرونوت؛ مركز الدراسات الخاصة ومدينة هرتسليا. وقد حاز المركز ومؤتمراته على دعم عدة شخصيات سياسية وأكاديمية، وفي مقدمتها السفير رونالد س. لودر، وهو رئيس سابق لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى، ورجل أعمال عالمي (صاحب شركة لودر الشهيرة التي كانت في مقدمة الشركات التي طالبت لجان مقاطعة البضائع والمصالح الأميركية الداعمة للكيان الصهيوني بمقاطعتها)، وكان قد عمل سفيراً للولايات المتحدة في أستراليا، ومساعداً ونائباً لوزير الدفاع في شؤون أوروبا وحلف شمال الأطلسي، وقد توّج دعمه بتأسيس "مؤسسة لودر" لإعادة إحياء "الثقافة اليهودية"، بهدف ربط يهود العالم، وفي مقدمتهم يهود الولايات المتحدة، بالكيان الصهيوني.
وتتأكد أهمية مؤتمرات هرتسليا في أن توصياتها يُعمل على تنفيذها، وأن السياسيين من على منصاتها يعلنون عن مخططاتهم وسياساتهم، وخصوصا رؤساء الحكومات، وهو بذلك يحاكي "مستودعات الأفكار" في الولايات المتحدة، وهي منظمات بحثية خاصة، تهدف، حصرياً، إلى إنتاج أفكار لخدمة المصالح السياسية.