مركزية السيدة العجوز

13 أكتوبر 2014

بورخيس ...تلاميذ له نالوا "نوبل" ولم يحظ بها (أ.ف.ب)

+ الخط -

الأسماء "المزمنة" التي تَرُوجُ في بورصة "نوبل للآداب" طعنت في الانتظار. القطار المنتظر مرَّ. لم تكن المحطة خطأً، لكن القطار الذي يصل، عادةً، بلا صفير، مرَّ من غير أن ينتبهوا، وأقلَّ راكباً مجهولاً، لكنَّ المنتظرين لا يتعلمون الدرس. أو لنقل إن أنصارهم لم ييأسوا من رحمة صانع الديناميت. فهم يعاودون انتظار "غودو" سنة بعد أخرى. و"غودو"، كما نعرف، قد لا يأتي.
فمع لجنة "كهنوتية"، لجنة تشبه "لجنة" كافكا، لا تنفع التكهنات. يفوز واحد، واحدة، ويصاب عشرون كاتباً وشاعراً حول العالم، مروراً ببلاد العرب، بالإحباط.
فلم يرنّ الهاتف الذي كانوا يتسمَّرون أمامه، ظهر الخميس الذي تبلغ فيه مهج المنتظرين الحناجرَ. بلغت المهجُ الحناجرَ فعلاً، ولكنها ارتدَّت، عند بعضهم، إلى شيء يشبه الفراغ. الجائزة طارت. الموعد مع المجد والمال ضاع. في الأقل، هذا العام.
بعض من تطلع إلى "نوبل" يهزُّ كتفيه ويمشي، وبعضٌ لا يزيده الإحباط وضياع الفرصة (مؤقتاً) إلاّ إصراراً على الانتظار، وإقامة راسخة في مهبِّه المتضارب. الغرابة ليست في طبع منتظري هذه الجائزة التي صارت، شئنا أم أبينا، علامة على "الجودة"، بل في طبع مانحيها. أيُّ لجنةٍ هذه التي حصرت الجائزة، في السنين العشر الأخيرة (مثلاً)، بالرواية والروائيين؟ وباستثناء واحد، فإن باقي الفائزين بهــــا أوروبيون، أو يكتبون بلغاتٍ أوروبية. أين لغات العالم الأخرى، إن كانت هذه الجائزة عالمية حقاً؟ إنها المركزية الأوروبية، ولا شيء غيرها. المركزية العجوز التي لمّا تزل تعتبر نفسها حسناء العالم، أو سيدته الحديدية.
غرابة اختيارات لجنة نوبل (أو لجانه المتعاقبة) تكمن في إقصاء الشعر، القصة القصيرة، وإلى حد ما المسرح، من نعمتها الباذخة، بل إن حظ المسرح، الذي هو فن عرض وفرجة أكثر منه فن كتابة، أفضل من حظ الشعر والقصة القصيرة.
لم ينل خورخي بورخيس "نوبل"، على الرغم من أن بعض من نالها قبله، وبعده، تلميذٌ لسيد الحكايات والفنتازيا المُحْكَمة الصنع. لم ينلها كاتب المرايا والمتاهات الميتافيزيقية، لأنه، على الأغلب، ليس روائياً. قد لا يكون هناك، اليوم، من يضاهي بورخيس في فن القص المكثف، الملتفِّ على نفسه، كلغز الحياة نفسها، كي يحظى بمجد "نوبل"، ولكن أليس هناك شعراء كبار مجدّدون؟ بلى، هناك العديد منهم.
لكن حظَّ الشعر من الجائزة (الكونية) مثل حظه من السوق. فلا تلوموا الشعر إن هو أقفل باب الحظيرة، ومشى عاقداً يديه وراء ظهره، مثل "حنظلة". لندع الشعر في عزلته الذهبية، ولنذهب إلى الحقل المفـــــضَّل لسادة "نوبل": الرواية. أين هو "التجديد" الذي تلمحه الجائزةُ في نتاج المطوَّبين بها؟ أين هم الذي صنعوا منعطفاً في كتاباتهم على هذا الصعيد؟ قلة قليلة حازت "نوبل" (في العشرين سنة الماضية) تنطبق عليها هذه الصفة. كأني أرى "نوبل" تنحاز للقراءة العريضة، مرةً، وأخرى إلى الزوايا المظللة للمشهد، حيث لا يرقد، التجريبي والتجديدي، بل شبه المنسي، أو غير المؤثر، بالمرة، في جنس الرواية (حالة الفرنسي باتريك مودليانو)، ولكن المرتبط باعتباراتٍ قد لا تكون فنية. لِمَ يمرُّ الشعر في كهنوت لجنتها كيتيم؟ وربما ترمى إليه، بين عقد وآخر، جائزة ترضية.
من الصعب أن نعرف. لأننا في الواقع، لا نعرف "المعايير" التي تستند إليها لجنة "نوبل" في منح الجائزة وتعليلها.
عربياً، ليست هناك أسماء حقيقية على لائحة الانتظار. ليسوا كثيرين أولئك الذين جلسوا، بقلق، يوم إعلان الجائزة بجانب الهاتف، منتظرين الرنين السحري. لدينا "مرشح" مزمن، يجلس كل يوم خميس في التاسع من أكتوبر/ تشرين أول، بجانب الهاتف، ولا يأتي الرنين: أدونيس.
إلى اللقاء، إذاً، في  خميس "نوبل" القادم!


 

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن