مرتزقة بيننا

07 ديسمبر 2015
+ الخط -

على الرغم من توفرنا على فائض بشري، يكاد يكون فائضاً عن المعنى، فإن الحروب التي نخوضها، أو تُخاض علينا، تتميز، هذه المرة، بالاستخدام العلني للمرتزقة. في سورية والعراق وليبيا أمر المرتزقة واضح، حتى وإن جاءوا تحت أقدس شعار. فمن يأتون من أفغانستان وإيران وباكستان ولبنان للقتال من أجل "المقامات" المقدّسة في سورية لا يمكن وصفهم إلا بالمرتزقة، فلا البلاد بلادهم، ولا المعركة الحقيقية معركتهم. وهم ليسوا سوى حطبٍ يأمل أن ينجو من الحريق في نهاية المطاف. مثلهم، تماماً، الذين يتقاطرون على سورية والعراق من تونس، الشيشان، الأردن، السعودية، تركيا، مصر، لقتال "النصيريين" و"الرافضة" الكفار. هؤلاء مرتزقة أيضاً، حتى وإن كان "أجرهم" في الآخرة، فهذا ليس جهاداً. هناك خطأ في التعبير، وخطأ في الجغرافيا. للجهاد معان، كما أن له جغرافيا لا تخطئها، في حالتنا العربية، العين. ها هي فلسطين لم تترجّل عن الصليب منذ سبعين عاماً. جسدها الدامي واضح. العدو فيها بيِّنٌ، والجهاد على أرضها لا لبس فيه ولا شبهة.

يذكُّرني أمر هذا الجهاد بالفلسطيني عبد الله عزام الذي كان على بعد ثلاثين كيلومتراً من بلاده التي احتلها الصهاينة، وبدل أن يغرِّب في "جهاده" (يتجه غرباً صوب نهر الأردن) شرَّق إلى أفغانستان. يبدو أن اليهود، في "جهاده" أهل كتاب بينما الكفرة البيِّنون، أعداء الله، هم الشيوعيون السوفيات الذين كانوا يحتلون أفغانستان! أين أوْلى فأوْلى؟ لم يكن هناك أوْلى ولا من يحزنون. فالنفير الى أفغانستان كان بأمر. وكان بخطّة. وكان بنهرٍ من الذهب الأسود. ولم يكن عفو الخاطر والإيمان. وربما هذا ما نواجهه، اليوم، في بلادنا العربية التي ما إن رفع شبابها صوتهم ضد الاستبداد، وراحوا يخلخلون أسسه بصدورهم العارية، حتى اختلط الحابل بالنابل، غامت السماء وأرعدت، وزلزلت الأرض زلزالها، فكنَّا في أمرٍ، وصرنا، بعد حينٍ، في أمر آخر تماماً. هل هي مؤامرة على انتفاضات الشباب العربي؟ إنْ لم تكن كذلك، فما جرى كان أسوأ. كيف تحوَّل ربيعُنا الغضّ، المحلومُ به جيلاً بعد جيل، إلى حصد أرواح أناسٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة في كاليفورنيا، وتفجير جوامع وكنائس ومدارس وصروح تاريخية على طول الوطن العربي، وجزّ أعناق بشر (كالأضاحي) أمام الكاميرا بكل دم بارد؟ كيف انتقلنا من مواجهة الاستبداد، بدون طلقة رصاصٍ واحدة، إلى حروب أهليةٍ لم تبق ولم تذر؟ ولكي "تكتمل" معنا، ها هي حروبنا التي تدور في الجغرافيا الخطأ تدخلنا في عصر المرتزقة.

كنا نسمع، قبل عقدين أو ثلاثة، عن قتال المرتزقة في إفريقيا، وأميركا اللاتينية. ولكن، لم نحسب أن يكون هذا حالنا. بدأت حروب المرتزقة، على أرضنا، في العراق. كل شركات الأمن الخاصة التي ناهز عديدها مئات الآلاف كانت تقوم على المرتزقة الأجانب، سواء كانوا جنوداً سابقين، أم باحثين عن "فرصة عمل" مجزيةٍ في بلاد النهب مطلق السراح. فضائح شركة بلاك ووتر، على سبيل المثال، غنيّة عن الذكر، بل هي من السوء إلى درجة أنها غيرت اسمها وصارت تنشط، في بعض البلاد العربية، باسمٍ آخر. يريد بعضنا أن يقاتل. يلبس ثياب الميدان. تنخرط قنواته وإذاعاته في المارشات العسكرية. ولكن، ليس لديه عسكر. فماذا يفعل؟ يلجأ إلى المرتزقة! هذا يحصل، على ما يبدو، في اليمن التي تلجأ فيها أطراف الصراع الداخلية والخارجية إلى "استيراد" مقاتلين، من القرن الإفريقي، من أميركا اللاتينية، وربما من بعض الدول العربية، بعيداً عن "التحالف العربي". وبمناسبة الحديث عن اليمن، أما آن أن تكون هناك وقفة، متأملة، أمام هذه الحرب التي أتت على الأخضر واليابس في تلك البلاد الشقية؟ لِمَ يُنسى التاريخ هكذا؟ ألم تدمِّر حرب اليمن عبد الناصر عندما كان "حبيب الملايين" فعلاً؟ وعلى الرغم من أن الملامة لا تنفع، الآن، بعدما جرى ما جرى، ولكن ألم يكن أفضل، ألف مرة، لو تركت ثورة الشباب اليمني تنتصر في الساحات، بدل إنقاذ الاستبداد الذي يعود، اليوم، بثوب جديد؟

 

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن